تمر بنا هذه الأيام الذكرى 51 لرحيل المُجاهد المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي، هذا البطل الذي سطر بحروف من نور قصة كفاح المغاربة ضد استعمار غاشم أحاط ببلادهم، وبتلك المناسبة، أود أن ألقي الضوء على بعض المحطات الهامة في حياة هذا الرجل، طارحاً بعض الأسئلة التي ربما أشغلت الكثيرين. أولى تلك المحطات هي كفاحه بالريف في عشرينيات القرن الماضي، وما أثاره البعض عن أهداف الرجل آنذاك، وهل تعاون حقاً مع المُستعمر الأسباني؟ أو هادن الاستعمار الفرنسي؟ وعن تلك المسألة نقول: أن دخول المُستعمر الأسباني إلى الريف المغربي آنذاك تزامن مع هجمة شرسة وموسعة للمُستعمر الأوروبي على القارة الإفريقية بشكل عام، وشمال إفريقيا بوجه خاصة، ففي مصر كان الاستعمار الإنجليزي يلعب لعبته، وفي الجزائروتونس كان الفرنسيين يلعبون نفس الدور، أما ليبيا فكان الإيطاليين قد نشبوا مخالبهم بها، وكان الألمان يبحثون لهم في المنطقة عن دور، الأمر الذي يُمكن تشبيهه بتنازع جماعة من الصبية على كعكة مسروقة لا صاحب لها. الأمر الذي أفضى إلى اقتسام تلك الكعكة فيما بينهم، بعد عقدهم لعدة اتفاقيات أمنت لهم هذا الأمر. أما أهل تلك البلاد المنكوبة بالاستعمار، فما فتئوا يقاومون قوات الاستعمار كل على طريقته، وبما تيسر له من إمكانات. ولم يكن المغاربة سوى جزء من تلك الشعوب المُقاومة، إلا أن أمر المُعاهدات والاتفاقات بين المُستعمرين؛ مثل حجر عثرة أمام المُقاومين، فقد ارتبط المغرب بعقد الحماية عام 1912م، الأمر الذي تخيل معه البعض أن تصدي رجال المُقاومة المغربية لقوات الاحتلال، يُعد خروجاً على ما ارتضاه حكام البلاد، وبذا وضع رجال المُقاومة في موقف لا يُحسدون عليه، فالمُستعمر يُريد إبادتهم، والسلطة تريد إرجاعهم لجادة الصواب، باعتبارهم خارجين عن طاعتها. على أية حال، فقد كان على رجال المُقاومة الصمود أمام هذا الوضع الصعب، ومواجهة عدو أجنبي، وآخرون من بني جلدتهم من المغاربة انضموا إلى صفوف المُستعمر، تحت عدة مُسميات كالخديعة والترغيب والترهيب من قبل المُستعمر، لكن كيف يكون ذلك؟ لما كان رجال الريف آنذاك يُمثلون خط المواجهة الأول أمام المُستعمر، ولما كانت الإمكانات شحيحة، والعملاء والمُتعاونون مُندسون في كل مكان، لذا كان توحيد صفوف المُقاومة والتخلص من الخونة المندسين بينهم أمر لا مناص عنه لإتمام مُهمتهم بنجاح. وعلى هذا فقد تولى بعض رجال المنطقة الشجعان تلك المهمة، فكان منهم الشريف سيدي محمد أمزيان ورجاله، وكان منهم عبد الكريم الخطابي ورجاله، وغيرهم الكثير والكثير، فاستطاعوا وقف المد الاستعماري في المنطقة إلى حين، كما قضوا على مُدعي العرش أبا حمارة، ولإتمام تلك المهمات الجسام، كان عليهم بالتصدي المُسلح مباشرة للعدو أحياناً، ومحاولة التدخل معه أحيانا أخرى، بغية الوقوف على حقيقة نواياه تجاه بلادهم، إذ لم تكن دعاوى المُستعمر بأنه جاء إلى بلادهم لتنظيم شئونها وتطويرها واستثمار، مواردها لتنطلي على المُجاهدين. فلما قضى الله أمره واستشهد الشريف محمد أمزيان، خلفه رجال مُخلصون، كان منهم عبد الكريم الخطابي وولده محمد، وكان من الوسائل التي اتبعها عبد الكريم في التعامل مع المُستعمر، أن سمح لابنه محمد بالعمل في مليلية الواقعة آنذاك تحت سيطرة الاستعمار الأسباني، وإضافة لمُزاولة محمد لمهنة القضاء، عمل أيضاً في تدريس اللغة العربية، وكان من تلامذته بعض الضباط الأسبان أنفسهم، فلما تيقن عبد الكريم من سوء نية الأسبان، وأن مجيئهم لبلاده لا لشئ إلا لنهب خيراتها وإذلال أهلها؛ أعلنها صراحة أن لا تعاون ولا مُهادنة ولا بقاء للمُستعمر على أرض بلاده، حتى ولو ارتضى أولوا الأمر بهذا امتثالاً لعقد حماية أو غيره. كان أول نتائج هذا الموقف هو أن تم اعتقال ولده محمد عام 1915م، قبل أن يخرج من السجن بعاهة مُستديمة في إحدى ساقيه، كما مات عبد الكريم نفسه مسموماً عام 1920م، نتيجة لرشوة المُستعمر لأحد بني جلدته من المغاربة. ومع هذا الموقف الصعب، كان على ابنه محمد حمل راية الجهاد، وقيادة رجال المُقاومة حتى عام 1926م، وخلال تلك السنوات خاض المُجاهدين مئات المعارك، وحققوا أعظم انتصارات على المُستعمر، لعل من أهمها معركة أنوال عام 1921م، والتي ذاق خلالها الأسبان مرارة وجزاء فعلتهم وتعديهم على أرض الريف، الأمر الذي دفع الأسبان للتحالف مع قوات المُستعمر الفرنسي من أجل التصدي للمُجاهدين؛ فلما قضى الله أمره، وخارت قوى المُجاهدين، أمام تحالف الاستعمارين الغاشمين، وبعد أن ضربتهم قوات المُستعمر بالغازات السامة والمُحرمة، التي يُعاني منها أهل المنطقة حتى الآن. ومع هذا الموقف الخطير، كان على محمد بن عبد الكريم الخطابي المُفاضلة بين أمرين - كلاهما مُر- أما الأول فكان الانصياع لرغبة القلة المُتبقية من رجاله، ومواصلة الجهاد حتى ينالوا الشهادة ويلحقوا بأخوتهم الذين سبقوهم، فيُباد أهل الريف جميعاً، وإما أن يُسلم نفسه كأسير حرب؛ فيصون على من تبقى من رجالة ومن أهل الريف حياتهم، أملا في أن يُخرج الله من أصلابهم من يُواصل الجهاد من أجل نفس الهدف. على أية حال فقد كان تفضيل محمد بن عبد الكريم الخطابي لحياة الأسر على فناء بني جلدته إلهاماً ثبت لنا صحته في مُقبل الأيام. هنا يُطرح سؤال مُهم وهو، هل هُزم محمد بن عبد الكريم الخطابي والمُقاومة أمام جيوش الاستعمار؟ هنا نقول: أن إبادة قوات الخطابي وضربها من قبل الإسبان والفرنسيين بالأسلحة المُحرمة، لا يُمكن أن يعني الهزيمة مُطلقاً، إذ لم تكن المعركة بين ندين مُتكافئين أو بين جيشين نظاميين؛ وعليه فإن مُجرد صمود الخطابي ورجاله لعدة سنوات أمام هذا المارد الاستعماري الكبير، يُعد ضرب من ضروب الشجاعة، وأمر يُسجله التاريخ بحروف من نور في سجل البطولات والمروءة والبشرية. ربما قال قائل بأن قرار الخطابي جاء عفوياً وأنه أقبل على أمر لم تُحسب عواقبه، ولهذا نقول: بأن عقدين قضاهما الرجل في المنفى كانا كفيلين للفت في عضده؛ فيتخلى عن مبادئه - وهذا ما لم يحدث- بالرغم من أن سيرته كمتمرد كانت قد سبقته إلى الجزيرة، فنظر إليه أهلها باستياء وحذر، وكانت فترة إقامته الأولى بها بمثابة سجن له ولأسرته، ومع هذا فلم تحل تلك الظروف دون مُتابعته لما يجري في العالم من أحداث، الأمر الذي أفاده فكرياً بشكل كبير، إذ كان الحصار المضروب عليه بالريف كفيلاً بعزله عن العالم الخارجي، أما في المنفى فكان بإمكانه الوقوف على ما يدور في العالم من أحداث، خاصة بعد تخفيف قيوده واختلاطه بالسكان، وتمكنه من الاستحواذ على ثقتهم، بما فيهم الضباط والجنود الذين كُلفوا بمُراقبته لأكثر من عقدين من الزمان. لم يكن الخطابي بالشخص الذي يُمكن أن يستسلم لحياة الأسر، لذا حاول جاهداً الخروج من جزيرة المنفى، وبالرغم من ذلك فقد رفض عروض بعض الدول لإخراجه سالماً منها؛ بعد أن أدرك أن مُغادرته على هذا النحو لن تعود على بلاده بأي نفع، وبذا يكون الخطابي قد برهن على أن ما اتخذه من قرار عام 1926م لم يكن وليد تسرع أو عدم إلمام بالعواقب، وإنما نبع عن قناعة كان بإمكانه دفع حياته وحياة أسرته ثمناً لها. أمر آخر مهم وهو أنه بالرغم من موافقة فرنسا المُتأخرة على استبدال منفى الخطابي بجزيرة رينيون بآخر على أراضيها؛ إلا أن قدراً إلاهياً جرى لإفساد مُخططها، بفكاك الأمير من الأسر، الأمر الذي عبر عنه الخطابي في مُذكراته بأن ما حدث كان "التقاءً لرغبته في النزول بمصر مع رغبة من عرضوا عليه ذلك" وبذا يُحسم ما أثير حول تلك المسألة من خلاف - فلا هو خطف، ولا هو حُرض، ولا هو طلب، ولا هو أجبر- على النزول بمصر، كما لم يكن استقبال المصريين له بهذا الترحاب إلا دليل على ما تمتع به الرجل من مكانة في قلوب العرب كافة، والمصريين بصفة خاصة. لم تكن الظروف التي نزل فيها الخطابي بمصر عام 1947م لتماثل تلك التي غادر فيها الريف عام 1926م، فقد كانت الصحوة الوطنية لدى بلدان شمال أفريقيا، والمغاربة بوجه خاص قد نمت، وتكونت عدة تنظيمات في تلك الأقطار نادت بالتخلص من الاستعمار، وكان عدد كبير من ممثلي تلك التنظيمات يُقيم آنذاك في القاهرة. واعتقد الخطابي في بادئ الأمر أن تلك التنظيمات يُمكن أن تكون مُرتكزاً لمُعاودة الكفاح من القاهرة، خاصة بعد أن اختاره مُمثلي تلك التنظيمات رئيساً للجنة تحرير المغرب العربي التي ضمت مُمثلي الأقطار المُحتلة الثلاث تونسوالجزائر والمغرب، لكن سرعان ما سيقف الخطابي على حقيقة ما أعترى تلك التنظيمات من اختلاف في وجهات النظر والتنافس بين أعضائها؛ نتيجة قلة خبرتهم وسعي بعضهم لتحقيق مكاسب شخصية. حاول الخطابي جاهداً إزالة ما نشب بين تلك التنظيمات من خلافات، إلا أنه اصطدم بما هو أصعب؛ فقد كان بعضهم مُختلفين ابتداءً على الوسيلة المناسبة للكفاح؟! وبذا انقسم المغاربة إلى فريقين أحدهما مُؤيد لوجهة نظر الخطابي في الكفاح المسلح من أجل إخراج المُستعمر من شمال إفريقيا بالقوة كما دخله بالقوة، وآخرون وثقوا في وعود المُستعمر بمنحهم بعض الحريات كخطوة أولى نحو امتيازات أخرى لاحقة. لم يكتف مُؤيدي الفريق الأخير بهذا وفقط، بل عمدوا إلى تهميش دور الخطابي في لجنة تحرير المغرب العربي، وجعله مُجرد صورة يختفون خلفها، دون العهود إليه بأي دور ذا بال في تسيير أمور اللجنة التي أنتخبوه رئيساً لها مدى الحياة؟! الأمر الذي رفضه الخطابي مُفضلاً التفرغ للجهاد على طريقته؛ مبرهناً مرة أخرى على ثباته على مبدأه، وعدم سعيه لمنصب أو نفع شخصي. برغم تحفظ الخطابي على تصرفات بعض ساسة المغرب، إلا أنه لم يقف موقف المتفرج عند نفى قوات الاستعمار للسلطان محمد بن يوسف عام 1953م، فقد قاد حملة كبيرة دعا فيها الشعب للثورة المسلحة وفوراً، فما كادت نداءاته تصل إلى المغاربة حتى حدث ما تخشى منه فرنسا، إذ فتح عليها المغاربة أبواب جهنم في العديد من المناطق؛ الأمر الذي سينتهي بعودة السلطان سالماً إلى عرشه فيما بعد. وبرغم ما كان يُمكن أن يُستثمر من الضغط الشعبي لعودة السلطان؛ إلا أن بعض الساسة ركنوا إلى التفاوض مع فرنسا مُخرجين مُعاهدة أكس ليبان، التي لم تأتِ بحل جذري لمُشكلة الاستعمار، الأمر الذي خيب آمال الخطابي؛ فأعلن مُعارضته لهذا الاستقلال المنقوص. وكرد فعل على هذا الاعتراض؛ عمل ساسة أكس ليبان للقضاء على جيش التحرير، مُتخذين من بيت الخطابي في الريف مُعتقل لمُجاهدي جيش التحرير، الأمر الذي سيكون من نتائجه انتفاضة الريف بين عامي 1958م- 1959م. كان خروج تونس من حلبة الصراع وحصولها على الاستقلال بنفس الأسلوب الذي تم في المغرب، إضافة لجهر بعض ساستها بالتخلي عن الجزائر، دافعاً للخطابي بالتنديد بتلك التصرفات المُتناقضة مع ما نص عليه ميثاق لجنة تحرير المغرب العربي (مواصلة الكفاح حتى يستقل أقطار المغرب الثلاث تونسوالجزائر والمغرب، وأن حصول أحد الأقطار على الاستقلال لا يعني خروجه من دائرة الكفاح حتى يستقل القطرين الآخرين) فركز جهوده لمُساندة مُجاهدي الجزائر بعد أن انفرد بهم المُستعمر الفرنسي، وأمام هذا الإصرار من جانب الخطابي لجأ الجنرال ديجول لنفس الحيلة مع ساسة الجزائر مُخرجاً للوجود مُعاهدة إفيان في مارس 1962م، إلا أن الخطابي ظل يُنادي بضرورة تطبيق هذا الاستقلال على أرض الواقع برحيل آخر جندي أجنبي من شمال إفريقيا، الأمر الذي كان قد اشترطه للعودة إلى المغرب عندما دعاه الملك محمد الخامس لذلك عند زيارته له في بيته بالقاهرة عام 1960م. لم يكن الإعلان عن دستور جديد للمغرب عام 1962م ليحوز رضا الخطابي وبعض المغاربة، لذا أعلن الخطابي مُعارضته لبعض ما جاء في هذا الدستور، الأمر الذي دق المسمار الأخير في نعش العلاقة بينه وبين ساسة المغرب، لذا قطع عنه المعاش الذي كان قد قرره له الملك محمد الخامس. وسبه البعض في الصحف، وجاهروا بتمنيهم الموت له، كما طالبوا مصر بالحد من نشاطه، وعدم نشر تصريحاته وبياناته. لهذا الحد كان بعض الساسة يُكنون الكره والحقد للخطابي، لا لشيء سوى مُعارضته لسياسة مُهادنة المُستعمر. برغم ما لاقاه الخطابي من عنت هؤلاء الساسة، إلا أنه بقي على العهد وواصل الكفاح، وواظب على مراسلة المسئولين مُوجهاً لهم النصح، واضعاً يدهم على مواطن الضعف في أنظمتهم، مُطالباً إياهم بأن يكونوا عند حسن ظن الشعب بهم، لذا ظلت إشكالية عودة الخطابي للمغرب قائمة منذ إعلان الاستقلال، فلماذا لم يعد الخطابي عندما دعاه الملك محمد الخامس عام 1960م للعودة معه؟ يقول الخطابي: "سنعود بأذن الله، بعد أن يخرج آخر جندي أجنبي من البلاد" كان هذا مطلب الخطابي الوحيد، والذي لم يتحقق حتى وفاته. كان الخطابي يُؤمن بأن حل المشاكل الوطنية ينبغي أن يعتمد على القدرات الذاتية وليس على ما تجود به الهيئات الأممية، التي لا تقيم وزناً للأمم الضعيفة، لذا لم يكن يُعول كثيراً على هيئة الأمم ولا على مجلسها الأمني، بعد أن رأى تحيزهما للأقوياء "إن ما رأيناه من عرض قضايا مصر وفلسطين وإندونيسيا وغيرها على مجلس الأمن وهيئة الأمم، يجعلني قليل الثقة - بل عديم الثقة- في جدوى الالتجاء إلى هيئات التحكيم الدولي، فمشكلاتنا لن تحل إلا بأيدينا سلماً كان أم حرباً" ويخلص الخطابي إلى عجز تلك المؤسسة عن رد الحق لأهله "لأن تلك المؤسسة لا تستطيع حل أي مشكلة". تمتع الخطابي يرحمه الله بشخصية فريدة مُميزة، ولم يكن من هؤلاء الذين تعج بهم الصالونات والمنتديات، وكان يُفضل العمل في صمت ولا يُحب الظهور إلا لمناسبة تتعلق بالجهاد، الأمر الذي جعله بمنأى عن الشبهات، إضافة لتفانيه في مُساعدة الآخرين، فإن لم يجد ما يُقدمه لهم وجههم إلى من يقضي حوائجهم من المسئولين، مُساوياً في ذلك بين من يعرفه ومن لا يعرفه، راجياً الأجر من الله وحده. كما كان اشتغال الخطابي بالقضاء سبباً في نقاء نفسه وزهده في مباهج الحياة، الأمر الذي برز في بياناته وتصريحاته التي اكتست حلة إنسانية، ولم تخرج يوماً عن فلك الدين الحنيف بقواعده الرصينة، كما لم يضن على أمته بثمرة جهاده، ولا بما اكتسبه من مهارة في التعامل مع الاستعمار، وترك لهم مذكراته شاهدة على الملحمة الجهادية المغربية. لم يكن الخطابي رغم مكانته لدى الجميع ليطلب شيء لشخصه، فبرغم معاناة الأسرة الخطابية مادياً، فإن الخطابي لم يتكسب أو يُتاجر بتاريخه الجهادي، بل كان على العكس تماماً، فعندما فرضت له الحكومة المصرية راتباً شهرياً قام باقتسامه بين أسرته والمُجاهدين، أضف إلى ذلك عدم خضوعه للمساومة على إعادة أملاكه التي صودرت عقب نفيه عام 1926م، مُفضلاً سلك الطرق المشروعة لإعادتها، مُؤيداً أفراد أسرته في مزاولة بعض الأعمال للاستعانة على أعباء الحياة، بنفس الطريقة التي عاشوا بها في المنفى. ختاماً فإن الله اصطفي من عباده من أوقفوا حياتهم لأوطانهم وللبشرية، وما نظن الخطابي إلا واحداً من هؤلاء، وحالة إنسانية عزت في زماننا، وإن كان الخطابي قد رحل بجسده فإن ذكره باق كرمز من رموز الوطنية المغربية.