يعرف المغرب صراعا يأخذ أحيانا أبعادا حادة و صدامية بين بنية مخزنية محافظة رجعية، و بين نخب مجتمعية تطمع إلى العدل و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية. و يتمظهر هذا الصراع جليا في تأرجح بنية الدولة المغربية نفسها بين بعض مظاهر "العصرنة"، بوجود مؤسسات و لو شكلية كالبرلمان و الحكومة و إجراء انتخابات و تأسيس مجالس كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للقضاء الخ، و الوضع الحقيقي للدولة المغربية المبنية على مكانة الملكيّة كإمارة المؤمنين ، و بأداء "المجلس العلمي الأعلى" و وتأثير الزوايا إضافة إلى تيارات إسلامية، التي تنتج على الدوام جدلا بشأن إمكانية أسلمة الدولة أو دمقرطتها. و في هذا السياق فقط يمكن فهم الجدل الحاد الذي يخوضه العلمانيون المغاربة اليوم بقيادة الأستاذ احمد عصيد من جهة، و الإسلاميون بقيادة "المجلس العلمي الأعلى" كمؤسسة رسمية للدولة، بعد صدوره لفتواه الأخيرة و "الشهيرة" الداعية إلى قتل المرتدين في القرن 21، و بعدها انظم إليها كل من الوزير الأول و تيارات إسلامية راديكالية تحرض على العنف وتنعت الأستاذ عصيد بكل الأوصاف، علما أن ما قاله عصيد يقوله ملايين المغاربة في صمت. المغرب: دولة المتناقضات غريب أمرك يا وطني........ المغرب، دولة ديمقراطية للواجهة، تحمي الحاكم و تظلم الشعب. دولة ينص دستورها على احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، لكن لديها هيأة تفتي و تدعو إلى قتل "المرتدين". و بعدها يستغل الإسلاميون فتاويها لشن حروبهم "المقدسة" ليس على المرتدين وحسب، بل على تاركي الصلاة و آكلي رمضان، في حين يطبقون سياسة "عفا الله عن ما سلف" على السارقين و ناهبي المال العام و القتلة و المجرمين و الذين ظلموا.... و هجروا ما يقارب 5 ملايين مغربي ليرحلوا بعيدا إلى باقي بلدان العالم إما خوفا من بطش الدولة و جورها أو من الجوع و الفقر الناتج عن سياساتها. دولة مبنية على خرافة "امارة المؤمنين"، دون أن يسمح لأحد أن يدقق علميا و تاريخيا من صحة النسب إلى السلف الصالح للحاكمين. دولة اغلب الموظفين فيها يرتقون بعلاقاتهم و ليس بكفئاتهم. معطلون يشتغلون بمعارفهم و ليس بشواهدهم المحصل عليها بكد و اجتهاد. بلد لا يطبق فيه القانون إلا على الفقراء، و يعتقل فيها السياسيين في حين يسمح لكبار المتهمين بالفساد بالحضور في جنائز أمهاتهم و عرائس أخواتهم. مدارس لا زال يمارس فيها العنف ضد الأطفال، و يدرس فيها التمييز بين الجنسين و التربية المبنية على الإكراه و العنف و لغة "اسلم تسلم". جامعات أضحت مختبرا لبرامج تعليمية أجنبية. برامجها التعليمية لا علاقة له بمحيطها الاجتماعي و الاقتصادي. جامعة أضحت لا تخرج في آخر المطاف إلا حملة للشهادات المعطلين. مستشفيات لا تداوي إلا أصحاب المال و النفوذ و التدخلات ، أما عامة الناس في المغرب العميق يبقون عرضة للمشعوذين و الدجالين "لاستئصال" الأمراض الخبيثة و الجميلة. فحسب إحصائيات لمؤسسات دولية مشهود لها بالنزاهة، فان المغرب يحتل الرتبة رقم واحد في حوادث السير على المستوى ألمغاربي و العربي، و الرتبة رقم واحد إفريقيا في اقتناء السيارات الفخمة، و الرتبة رقم واحد في الهجرة السرية، و الرتبة الثانية في الدعارة بعد التايلاند، و الرتبة 5 في استهلاك السجائر، و الرتبة 80 في محاربة الرشوة، و الرتبة 91 في التراجع الفساد الاقتصادي، و الرتبة 91 في مؤشر الدول الفاشلة، و الرتبة 106 عالميا في حرية الإعلام، و الرتبة 116 في مستوى العيش عالميا، و الرتبة 120 في مجال الديمقراطية و الرتبة 126 في إطار التنمية البشرية، و الرتبة 128 في أنشطة الأعمال دوليا، و الرتبة 155 في نسبة الأمية، و الرتبة الأخيرة في دول شمال إفريقيا في التعليم و ما بعد الأخيرة عربيا........ و مع ذلك لم تصدر أي فتوى ل"المجلس العلمي الأعلى" تدين هذا الوضع الأليم. نفاق المجتمع العلاقات المجتمعية في المغرب مبنية في غالبيتها للأسف على النفاق و الكذب و الخداع. ما يقارب من نصف المجتمع لا يصلي و مع ذلك نحن دولة إسلامية بالقوة. ألاف من المواطنين يأكلون شهر رمضان في "المراحيض" خوفا من بطش السلطة و فتاوي الإسلاميين. نسبة هامة من الشعب تشرب الخمور عن قناعة سرا أو علانية، لكن مع ذلك فان " الخمر لا يباع إلا للأجانب". شعب لا يزكي بالرغم أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، و كيف له أن يؤدي الضرائب من اجل المساهمة في تمويل باقي المرافق الاجتماعية من صحة و تعليم و سكن. بلد يهتم فيه اغلب الناس إلا بالمظاهر و ليس بجوهر الأشياء. مواطنون يلبسون من اجل المظاهر و للآخرين، و ليس كما يريدون هم وفق قدرة جيوبهم. شباب و شابات يمارسون الجنس بإرادتهم، لكن عند الزواج يبحثون فيها عن فرقاعة " البكارة" و لو في الصين، بدل "اطلبوا العلم و لو في الصين". الاهم بالنسبة للعامة هو أن يسيل الدم، لأننا شعب تربى على حب الدم عن طريق الذبح و السلخ و سياسة "اسلم تسلم"..... وطن تغتصب فيه الفتيات و نزوجهن لمغتصبيهن "لستر الفضيحة"...... يا لها من فضيحة؟؟. كم من طفل / أو "غلام" اغتصب أحيانا حتى من طرف الأئمة، كم من براءة اغتصبت لكننا نصمت لان الجهر بالحقيقة عار؟؟؟؟ كم من سائح أذلنا و أذل نسائنا و اغتصب أطفالنا من بينهم وزراء في حكومة ساركوزي، لكن دولة "إمارة المؤمنين"، ضلت متساهلة مع هذه المظاهر سعيا منها للوصول إلى 10 ملايين سائح، الرقم الموعود به سلفا من طرف الدولة. في بلدي تزرع مئات الهكتارات من الحشيش و بتواطؤ مكشوف و صمت مطبق من طرف السلطة، و بعده يعتقل صغار التجار و يتم التضييق على الفلاحين الفقراء و يسهل الطريق أمام كبار الأباطرة لإيصال منتو جنا من الذهب الأخضر إلى أوروبا و باقي دول العالم. في المغرب، علينا أن نقول ما يريدونه هم و ليس ما نريده نحن. في المغرب، اثمنة ب"اجطارة" حتى انك تشعر دائما "مقولب" و ان لم يكن ذلك فعلا. فتوى مجلس العلماء صمت علماء الظلام أو ما يسمى ب" المجلس العلمي الأعلى " طيلة الحراك الذي شهدته المنطقة المغاربية و العربية من بينهم المغرب. لم ينصروا يوما الضعفاء و لم يبدو برأيهم في الظلم و الجور و لا بالزج بعشرات المعتقلين في سجون النظام. لم يدينوا يوما الفساد الإداري و السياسي الذي ينخر الدولة و الإدارة المغربية. لم يستنكروا تخريب التعليم و لا إغلاق المستشفيات العمومية و إفراغها من محتواها منذ خضوع الدولة إلى توصيات الصندوق الدولي، علماء للبلاط يغضون النظر عن كل شيء إرضاء منهم لدولة "أمير المؤمنين" و للحكومة الملتحية. و انسجاما على نفس النغمة، فإنهم يفتون فقط لإرضائهم و لو على حساب تقسيم المجتمع بين المسلم و الغير المسلم بين المؤمن و المرتد كان "المرتدين"، هم الذين نهبوا خيرات البلاد و العباد و ليس الذين يلبسون الجلباب الأبيض و الطربوش الوطني ليتوجهوا كل يوم جمعة إلى المساجد أمام أعين الكاميرات و التلفيزيون. في هذا السياق تأتي إذن فتوى قتل المرتد و الحملة المسعورة التي تشن اليوم على الأستاذ احمد عصيد. جرأة عصيد و صمت المثقفين المغاربة قد يختلف المرء أو يتفق مع السيد عصيد حول مختلف القضايا التي يدافع عنها (مفهومه لتدبير شؤون الامازيغية و الجهوية و طريقة التعامل مع مؤسسات الدولة إلى غير ذلك...)، لكن لن ينال منا من إلا التحية و التقدير على جرأته الناذرة و قدرته على مواجهة خصومة بالتي هي أحسن (الحوار و المناظرات و استعمال العقل...). يعد عصيد المثقف المغربي رقم واحد الذي امتلك الجرأة لمواجهة الإسلاميين فكريا و الدفاع عن مبادئ العلمانية و حقوق الإنسان في كل مكان حتى تحول إلى عدوهم اللذوذ رقم واحد اليوم. تأتي جرأة عصيد – للأسف- في ضل صمت النخب المغربية الحداثية إن لم نقل استقالتها أو نهجها لسياسة النعامة أمام خصوم لا يتقنون إلا لغة القتل و التهديد و الوعد و الوعيد. جزء هام من هذه النخب استقالت أو صمتت أو تواطأت إبان النقاش حول الدستور الممنوح الجديد. و الصمت في الظروف الحرجة لن يكون إلا صمت الجبناء. و هي على كل حال جريمة في حق شعب اعزل لا يطمع إلا لتحقيق الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية. صمت هؤلاء ترك عصيد معزولا إن لم نقل وحيدا، مما يسهل التكالب عليه و تهديده من اجل إخراسه. فمن الطبيعي أن نجد هناك الآن من يدعو إلى محاكمته و توبته (الفزازي) وتجريمه (الكتاني) و التشهير به في المساجد و دور العبادة تمهيدا لإركاعه و ربما إلى تصفيته. عصيد لازال ثابتا على مواقفه مقتنعا بما يقوله، صامدا على مبادئه، مما يجعلنا نضم صوتنا إلى صوته ضد هذه المعركة الأثيمة لخصوم الديمقراطية. و عليه ندعو كل الديمقراطيين المغاربة في كل مواقع تواجدهم، من مثقفين و أحزاب تقدمية و منظمات ديمقراطية لمساندة عصيد في هذه المحنة لان معركة الديمقراطية و العلمانية معركة لكل قوى التغيير النيرة في المغرب و ليست معركة عصيد وحده........ لا تتركوه يؤكل كما أكل الثور الأبيض و بعدها لا ينفع معه الندم، و خاصة ن التاريخ شاهد بان سجل خصومه مليء بالقتل و سفك الدماء و ما تصفية احمد بن جلون و ايت الجيد محمد بنعيسى و المعطي بوملي بالمغرب، شكري بلعيد في تونس، فرج فودة في مصر، الحسين مروة و مهدي عامل بلبنان....الخ، لخير دليل على ذلك. كلمة أخيرة الم حن الوقت بعد لنعيش حياتنا كما نحن. أن نقول ما نفكر و أن نصرح بالحقيقة كما نراها دون المساس بحرية الآخرين في إطار تعايش و وئام مع كل المواطنين و المواطنات عملا بمبدأ "لا إكراه في الدين". اعتقد أن ما قاله عصيد يقوله ملايين من المواطنين المغاربة في صمت إما خوفا أو احتراما أو حشمة، أو نفاقا. و هنا يطرح السؤال المقلق على النخب المغربية: هل نحن راضون عن الوضع أم خائفون أم ننتظر خيرات المخزن تكريما لنا على صمتنا......عفوا نفاقنا. أن مغرب القرن 21، يعيش- كباقي بلدان المنطقة- تحولات عميقة، و انه بالتأكيد سيكون فيه الصراع حامي الوطيس بين من يحنون إلى الماضي الأليم و سنوات الرصاص والعودة بالمغرب على عهود القرون الوسطى، و بين من يريد أن يرقى بالمغرب إلى نادي الدول الديمقراطية. ديمقراطية يحترم فيها إرادة الشعب و دولة تفصل فيها السلط و تحترم فيها حقوق الإنسان و تعطى الأولوية للعقل و العلم و التكنولوجيا الحديثة و ليس للنص و الجهل و و سياسة الوعد بالوعيد. المغاربة مطالبون اليوم بإدانة من يستغل الدين لكي يسود الفساد و النفاق. لقد آن الأوان لكي ينتفض المغاربة و مثقفيهم ضد القمع و كل أشكال التهديد و الإرهاب و من أي مصدر كان سواء أكان مخزنيا أو اسلامويا او غيرهما. إن المغاربة مطالبون اليوم أن يعيشوا حياتهم كما يؤمنون بها و يحبونها. حياة مبنية على الاحترام و الوئام و الإخاء بين كافة أبناء الشعب الواحد مهما اختلفت ألوانهم و لغاتهم و جهاتهم و دياناتهم و قناعاتهم الفكرية و الفلسفية.