توضيح لا بد منه: في البداية نؤكد أن هذه المقالة لا تختلف - منهجيا - عن المقالات التي كتبناها سابقا حول انتفاضة آيث بوعياش، وبالتالي فإنها (= المقالة) ستنصب - أساسا - حول أحداث وحيثيات الموضوع السالف بشكل عام، ومحاكمة المعتقلين بشكل خاص، حيث أن السؤال الجوهري المطروح في هذا المضمار هو: ما هي الأسباب الحقيقية( الخفية طبعا) وراء التدخل الهمجي للقوات العمومية في حق ساكنة آيث بوعياش أولا، وفي محاكمة قادة وزعماء الحراك الشعبي بالبلدة ثانيا ؟ وفي ذات السياق نفسه، نشير أيضا أن مقالنا هذا يندرج ضمن المساعي التي نبذلها، رفقة آخرين، من أجل أبراز حقيقة ما جرى ليلة يوم 8 مارس 2012 ، وما تلاها من المحاكمات والمضايقات التي تعرض( ومازال يتعرض) لها المناضلون في آيث بوعياش، خاصة أن ما حدث رافقه الكثير من التلفيق والتدليس، سواء من طرف المخزن وأزلامه أو من طرف بعض الفاعلين المدنيين أيضا، الذين حاولوا بشكل أو آخر النيل من مشروعية الحراك الشعبي الذي عرفته البلدة طيلة السنوات القليلة الماضية، وذلك عبر تقديمهم لقراءات وتأويلات ذاتية/شخصية تفتقد للموضوعية والحياد المطلوب، غايتها - ظاهريا - هي النقد والتصحيح، بل والدفاع أيضا عن ساكنة آيث بوعياش( موقف شكيب الخياري نموذجا) ، بينما تحاول في العمق تبرير أسباب تخاذل أصحابها من جهة، والبحث عن البراءة من جهة ثانية، ومعروف تماما أن هؤلاء الأشخاص كانوا من زعماء وقادة الاحتجاج، ومنهم المدعو سليمان التجريني ومحمد الحجيوي، الذين عمدوا إلى التدليس والكذب الواعي، من أجل تلفيق تهم وهمية من قبيل " الانفصال ". شخصيا لا ادري ما هو الهدف من " الانتقادات " التي يوجهها الآن هؤلاء الأشخاص(التجريني و الحجيوي)، باعتبارهم كانوا من " قادة" الاحتجاج الشعبي في آيث بوعياش؟ أو بصيغة أخرى ما جدوى الحديث الآن، أي بعد كل ما حدث، عن وجود أخطاء تنظيمية وتوجهات " ثورية وانفصالية" داخل الحركة الاحتجاجية في آيث بوعياش؟ لماذا لم يقدموا " انتقاداتهم" وبشكل علني، في حينها ووقتها؛ أي قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، إذا كانت غايتهم هي النقد والتصحيح بالفعل وليس شيء آخر؟ الأمر في عمقه يعبر عن شيء واحد؛ وهو أننا نعيش ونمر بأزمة فكر وأخلاق في ذات الوقت، ونعاني أيضا من فقر سياسي كبير وانجذاب نحو تصورات وانطباعات فردية/ شخصية ضيقة وفي غاية الغموض والالتباس أيضا. وهنا يتعين علينا أن نراجع المعلومات والمعطيات المتوفرة لدينا حول الموضوع، ولكل معلومة مصدرها المفترض أنه موثوق به، ونرفع أيضا من حجم ومستوى نقاشاتنا وكتاباتنا التي نسعى من خلالها إلى تنوير الرأي العام ( الوطني والمحلي)، ضد كتابات البراءة والتبرير، فهذا النوع من الكتابات تخلق أحداثا وهمية زائفة تخدم – أساسا – مصالح المناهضين للريف عموما، وآيث بوعياش تحديدا. على الجانب الآخر، حتى لو اتفقنا جدلا على وجود أخطاء تنظيمية في مسار الحركة الاحتجاجية بآيث بوعياش، فإن الأمر لا يلغي مشروعية الاحتجاج الذي فرضه الواقع الموضوعي بالبلدة. هذا أولا، وثانيا حتى لو اتفقنا أيضا على وجود أخطاء تنظيمية فان الأمر كله لا يستدعى ذالك الحجم من التدخل للقوات العمومية. أما مسألة وجود توجهات " ثورية" و "انفصالية" فنعتقد أن الأمر مبالغ فيه، بل ولا أساس له من الصحة من الناحية العملية والمنطقية، بمعنى آخر لا وجود له كتيار داخل الحركة التي اشرنا إليها سابقا. أما مسألة وجود – ربما – بعض الأشخاص الذين لهم قناعات سياسية من هذا النوع فان الأمر بكامله لا يعنينا في هذا الموضوع، حيث أننا نتعامل مع ما هو كائن ورسمي ( بيانات الحركة ومطالبها ..) ولا نتعامل مع الافتراضات وقناعات الأفراد. وفي هذا السياق بالذات نرى أن ما جاء في الحوار الأخير للأستاذ محمد جلول حول حيثيات وملابسات اعتقاله ومحاكمته من جهة، وحول حيثيات وأسباب بروز وتطور الاحتجاج الشعبي بآيث بوعياش من جهة ثانية (1)، يحتوى على جزء كبير جدا من الحقيقة، كما أنه يحمل أيضا إجابات واضحة للذين يتحدثون عن وجود " الانفصال " والى ما هنالك من الكلام الفارع والغير المسؤول. فالسيد الحجيوي يتحدث في مقاله الأخير (2) عن وجود توجهات " ثورية وانفصالية" دون أن يحدثنا مثلا عن حجم هذا التوجه ولا عن تصوراته، ولا عن زعماءه أيضا، كما أنه لم يحدثنا كذلك عن تجليات هذا التوجه في مواقف الحركة الاحتجاجية بآيث بوعباش، هل تتجلى مثلا في نوعية الشعارات التي كان يرددها المتظاهرين/ المحتجين أم في رفع علم جمهورية الريفية وصور الأمير الخطابي وشي غفار وغيرهم من الثوار، وهذه أسئلة للتاريخ فقط. عندما نقوم بتقديم هذه الأسئلة، وخاصة السؤال المتعلق بالأسباب الحقيقية( الخفية طبعا) وراء محاكمة معتقلي آيث بوعياش، فأننا ندرك جيدا مدى الضرر الذي تحدثه القراءات/ الكتابات السالفة الذكر ، وندرك أيضا طبيعة الأحكام التي صدرت في حق المعتقلين على اثر الاحتجاجات التي عرفتها البلدة خلال السنوات الأخيرة ، وبالتالي فأننا ندرك مدى قسوتها - قياسا - على الأحكام التي صدرت في حق مجموعة من معتقلي حركة عشرين فبراير على المستوى الوطني. هذا في الوقت الذي نعلم فيه جميعا أن معظم هؤلاء المعتقلين(= معتقلي حركة عشرين فبراير) حكموا - ظاهريا ورسميا- بنفس القانون والتهم تقريبا. لكن قبل مواصلة الحديث نود هنا، أولا ، أثارت أمرين أساسيين في الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا ؛ أي موضوع انتفاضة 8 مارس 2012، أولهما يتعلق بدواعي وأسباب اهتمامنا " المفرط " بأحداث آيث بوعياش حسب رأي بعض القراء المتتبعين لكتاباتنا المتواضعة، والثاني يتعلق بمضمون ومحتوى هذا المقال. فعلى مستوى المحور الأول؛ أي على مستوى الأسباب والدواعي التي جعلتنا نهتم – ربما - أكثر بأحداث انتفاضة آيث بوعياش مقارنة مع أحداث اجتماعية أخرى عرفها الوطن بشكل عام، والريف الكبير بشكل خاص ( مثل أحداث العرائش، تازة وغيرها )، يمكن التأكيد هنا، وبكل صدق وأمانة، أن الأمر يتعلق – أساسا – بأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، وبالتالي ليس للموضوع أية علاقة ب " التعصب والانحياز القبلي " كما يعتقد البعض(3). فإلى جانب أنني احد أبناء المنطقة الذين هجرتهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة بالمنطقة عموما، وفي آيث بوعياش خصوصا، والتي هي بالمناسبة نفس الأوضاع التي أدت إلى بروز الحراك الاجتماعي بالبلدة، وبالشكل الذي تتبعناه وشاهدناه. قلنا إلى جانب هذا المعطى هناك أيضا طريقة تعامل المخزن مع الاحتجاجات السلمية التي شهدتها البلدة على مدى السنوات والشهور الماضية، وكذلك طريقة وكيفية تعامل النخبة السياسية والحقوقية والإعلامية، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي، خاصة حول كيفية تعاملها مع المحاكمات السياسية التي تعرض لها المعتقلون على أثر أحداث 8 مارس 2012 . هذه الأمور، وغيرها بطبيعة الحال ( سنعود للموضوع لاحقا) حفزتني على الاهتمام أكثر بموضوع آيث بوعياش مقارنة مع الأحداث الاجتماعية الأخرى، سواء على مستوى الريف الكبير أو على مستوى الوطن. لهذه الأسباب وغيرها، أظن، وبتواضع شديد، أنني املك ما يكفي من السلاح إن جاز لي استعمال وتوظيف هذا المصطلح ( =السلاح) للخوض في موضوع آيث بوعياش أكثر، وبشكل موضوعي، مقارنة مع المواضيع والأحداث الأخرى، على الأقل هكذا أتوهم. كما أن عدم تناولي للأحداث الاجتماعية الأخرى لا يعني بالضرورة أن الأمر لا يعنيني كما يقول البعض ، فقناعاتي الفكرية والحقوقية بعيدة كل البعد عن مثل هذه المواقف والسلوكيات. أما فيما يتعلق بمضمون ومحتوى المقال، فأنني سأخصص المحور القادم للحديث عن أسباب ودواعي اهتمامنا بهذا الحدث البارز في العهد " الجديد " على مستوى الريف الكبير ، والريف الأوسط بالذات، نظرا لعدة اعتبارات سنعود إليها في ثنايا المقال، ومنها أسباب التدخل الوحشي للقوات العمومية في حق ساكنة آيث بوعياش والرسائل التي ينطوي عليها هذا التدخل. ومن هنا فأنني أود، وبكل تواضع وموضوعية، أن أثير معك – أيها القارئ الكريم - بعض التساؤلات والملاحظات التي تبدو لي شخصيا جديرة بالمناقشة والاهتمام، ومن ثم طرحها للتداول العمومي لعلها ستفيدنا في فهم واستيعاب ماذا حدث في آيث بوعياش؟ وبالتالي ستساعدنا على فهم تخاذل شريحة واسعة من النخبة السياسية والأدبية والحقوقية بالريف عامة، وبالحسيمة خاصة، كما أنها ستساعدنا بدون شك على فهم ومعرفة الأسباب الحقيقية لمحاكمة شباب آيث بوعياش القابعين في سجون ما يسمى بالعهد الجديد أو الذين سيحاكمون فيما بعد، وبالتالي القطع مع الكلام الساذج والرخيص الذي تم ترديده أثناء اندلاع المواجهات وبعد انتهائها، سواء من قبيل الحديث مثلا عن الفوضى و" قطع الطريق " أو من قبيل الحديث عن " المؤامرة" و " الانفصال " ، سواء من طرف بعض الذين يدعون النضال والمعارضة أو من طرف الفنانين والمثقفين الذين اختار معظمهم الصمت والانزواء إلى الخلف، والصمت نوع من التأمر. التدخل الأمني بآيث بوعياش والرسائل السياسية: نعتقد أن دراسة / مناقشة هذه المحاور/ النقط، وبشكل موضوعي ومحايد، ستساعدنا – ربما – في أن نستخلص بشكل ملموس الفكرة التي كونها عامة الناس؛ أي السائدة لدى عموم المواطنين سواء في الداخل أو المهجر، والنخبة الريفية على وجه التحديد ، على مجريات الأحداث الأنفة الذكر، خاصة أن الجميع سار يتحدث عن " الفوضى"، و" قطع الطريق" و" الانفصال " وغيرها من الأمور التي قد نختلف بشأنها ، وبالتالي فإن الكثير من المواطنين؛ خاصة النخبة، تبرر بشكل أو أخر التدخل الهمجي للقوات العمومية في حق ساكنة آيث بوعياش ونواحيها ( بوكيدران وإمزوران) أو على الأقل تبرر صمتها وانزوائها إلى الخلف حتى لا تحرج مع قادتها وزعمائها في المركز. وحينما، نقوم هنا، بإعادة طرح مسألة انتفاضة آيث بوعياش من جديد قصد البحث والمناقشة من اجل الأهداف التالية: أولا البحث عن الحقيقة المرتبطة بالموضوع، ثانيا المساهمة في تصحيح الأخطاء النضالية ، وثالثا تحصين وحماية المكتسبات المادية والمعنوية للانتفاضة إذا ما توفرت هذه المكتسبات بالفعل. ومن جانب آخر عندما نسعى إلى طرح موضوع انتفاضة آيث بوعياش قصد النقاش والبحث كما (( أسلفنا)) القول أعلاه، فلا نفعل ذلك بدافع العاطفة، أو الانحياز إلى جهة ما ضد أخرى، وإنما نفعل ذالك بدوافع معرفية محضة من ناحية، ودفاعا عن مصلحة البلدة أولا وأخير من ناحية ثانية، وذلك نتيجة اعتبارات موضوعية نلخصها في ثلاث اعتبارات رئيسية: الاعتبار الأولى: يتعلق بحجم ومستوى التدخل الأمني والعسكري في آيث بوعياش مقارنة مع مجموعة من الأحداث الأخرى بالريف أو خارجه، وكذلك توقيت هذا التدخل، سواء من الناحية السياسية حيث كان بعد الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري اللاديمقراطي واللاشعبي شكلا ومضمونا، وكذلك بعد الانتخابات التشريعية مباشرة. والتدخل في حد ذاته يحمل عدة رسائل سياسية، أولها، وأبرزها، هي أن ما يسمى بالربيع العربي قد انتهى أمره بالمغرب بعد الاستفتاء وإجراء الانتخابات التشريعية، والرسالة الثانية هي أن حجم التنازلات السياسية التي يمكن للنظام الملكي أن يقدمها في الوقت الحاضر وصلت مداها وسقفها النهائي، وبالتالي فإنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقدم تنازلات أخرى من قبيل الانتقال مثلا من الملكية الدستورية إلى الملكية البرلمانية أو محاكمة المفسدين..الخ. ومن الناحية الزمنية كان التدخل بعد منتصف الليل، وهذا الأمر في حد ذاته يطرح عدة إشكالات قانونية، وأخلاقية وسياسية ، فلا ندري كيف يسمح للقوات العمومية أن تتدخل بعد منتصف الليل من أجل فك اعتصام مدني سلمي أقاموا مواطنون مغاربة، ليس في حوزتهم سلاحا ولا متفجرات، بل يملكون فقط الإرادة في الحياة والعيش الكريم، وبالتالي فإنهم كانوا، ومازالوا، يملكون فقط مطالب مشروعة وديمقراطية بصرف النظر عن حجمها وواقعيتها. والأدهى من هذا أن يأتي بعد ذلك رئيس الوزراء المغربي ( عبد الإله بنكيران) ويصرح بدون حياء ولا خجل انه هو من أعطى الأوامر للقوات الأمنية بالتدخل، لكن التدخل من أجل ماذا يا سيدي الوزير؟ هل من أجل حفظ امن وسلامة المواطنين كما تقولون أم من أجل التخريب والسرقة كما حدث في بوكيدارن ؟ وهل هذا التدخل يستدعى كل ذلك الحجم من القوة البشرية والمادية؟ وإذا كانت الغاية هي حفظ امن المواطنين، فلماذا تم التدخل بالليل وليس بالنهار ودون سابق أندار أيضا؟
الاعتبار الثاني: يتعلق ببشاعة الأعمال التخريبية التي قامت بها القوات العمومية سواء ضد المحتجين أو ضد الممتلكات الخاصة للمواطنين، وما حدث في بلدة بوكيدارن من التخريب والسرقة يعبر عن واقع وحقيقة المؤسسة العسكرية بالمغرب، وعن مدى تخلف الثقافة السياسية لدى المغاربة، فلو كان ما حدث في بوكيدارن من التخريب والسرقة العلنية للممتلكات الخاصة للمواطنين ومحاولة اقتحام البيوت واهانة كذلك المواطنين عبر نعتهم بكلام عنصري ساقط من طرف القوات العمومية، وبدون سبب موضوعي ومنطقي لهذا التصرف، غير مبرر النهب والسرقة وزرع الخوف وترهيب المواطنين، قلنا لو حدث هذا في فرنسا أو هولندا أو ألمانيا مثلا، أو في أي بلد أخرى يحترم نفسه ويحترم القوانين التي وضعها بنفسه لقدم رئيس حكومته الاستقالة فورا، ولعقد برلمانه جلسة طارئة لمناقشة الموضوع. الاعتبار الثالث : هو طبيعة المحاكمة التي تمت للمعتقلين على اثر الاحتجاجات السالفة الذكر؛ فهي أيضا تطرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام. وذلك لكونها تطرح عدة إشكالات سياسية وأخلاقية وقانونية سواء حول كيفية التعامل معها إعلاميا وسياسيا وحقوقيا أو حول كيفية التعامل معها قانونيا، أذا ما تم مقارنتها مع باقي المحاكمات التي تمت لمختلف معتقلي حركة عشرين فبراير بالرباط ونواحيها. تجدر الملاحظة هنا أن الجمعيات الحقوقية المنضوية تحت " الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان" لم تشير في تقاريرها الدورية خلال السنة الماضية إلى الأحداث التي عرفتها منطقة الريف عامة، ولا تلك التي عرفتها منطقة الحسمية بالذات، حيث قدمت فيه حركة عشرين فبراير عدد هائل من الضحايا والمعتقلين (6 شهداء وأزيد من 40 معتقل)، كما أن أكبر سنوات السجن لمعتقلي حركة عشرين فبراير كانت من نصيب الحسيمة/ آيث بوعياش ( البشير بنشعيب 12 سنة)، رغم ذلك لم يحضى الضحايا الأموات والأحياء منهم ( الشهداء والمعتقلين) ولو بإشارة صغيرة في التقرير الدوري للائتلاف المشار إليه أعلاه. والأفدح من هذا انه حتى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة لم تنظم أية وقفة احتجاجية من أجل المعتقلين، كما أنها لم تحضر في أية جلسة من جلسات المحاكمة إلا بعد اعتقال ومحاكمة المناضل عبد الحليم البقالي !! وهذا الموقف / السلوك الغير مبرر - حقوقيا وأخلاقيا - يطرح مصداقية هذه الجمعية على المحك، حيث أن السؤال المطروح في هذا الإطار هو : ما هي المنطلقات والمعايير التي اعتمدتها الجمعية في تعاملها مع أحداث آيث بوعياش أو بعبارة أخرى ما هي المقاييس والمعايير التي اعتمدتها الجمعية في تضامنها مع عبد الحليم البقالي، وبشكل الذي نعرفه جميعا، ولم تتضامن بنفس الشكل مع جلول ورفاقه الآخرين مثلا؟ بل أنها لم تصدر أي بيان بشأن اعتقال المناضل علي بنعبد الله؟ نظيف إلى هذا، مسألة آخري تثير الانتباه هي أيضا؛ وهي أن حركة عشرين فبراير على مستوى الرباط والدار البيضاء مثلا، لم تصدر (في حدود معرفتنا) أي بيان بخصوص محاكمة معتقلي آيث بوعياش؛ وهو أمر غريب للغاية!!. في ظل هذه المعطيات، وتأسيسا على هذا التحليل والتصور تكون مسالة البحث عن حقيقة ما حدث في آيث بوعياش ليلة يوم 8 مارس 2012 وما تلاها من الأحداث والتطورات، خاصة المحاكمات التي تمت لمعتقلي آيث بوعياش مشروعة ومنطقية، أو بعبارة أخرى ما هي الأسباب الحقيقية ( الخفية طبعا) في محاكمة المعتقلين السياسيين لحركة عشرين فبراير بآيث بوعياش، القاسية جدا مقارنة مع باقي معتقلي حركة عشرين فبراير بالمغرب؟ ومن هنا فإن غايتنا هي استجلاء ومعرفة الأسباب والحيثيات الحقيقية في محاكمة معتقلي آيث بوعياش، لعل أننا سنساهم بذاك في إقناع الذين يتهربون من الخوض في المسألة بشكل جدي وموضوعي. ففي الوقت الذي كان فيه الوضع العام في ايث بوعياش أثناء اندلاع المواجهات العنيفة بين الساكنة والقوات العمومية ، يستدعى من الريفيين عامة، والنخبة الريفية خاصة، بمختلف مكوناتها وتنظيماتها السياسية والمدنية والأدبية/الفكرية بالتدخل العاجل والفعلي لوقف المواجهات وكل ما ترتب عنها في ما بعد من الملاحقات والمحاكمات الصورية الانتقامية في حق مناضلي آيث بوعياش الذين لا يملكون إلا قوة الكلمة والشجاعة النضالية التي كانت السبب في محاكمتهم القاسية، وبالتالي لم يحاكموا في حقيقة الأمر بسبب الفوضى و" قطع الطريق" كما يشاع ويقال في الجلسات العامة والخاصة كشكل من أشكال التبرير والعجز عن مواجهة الحقيقة كما هي قائمة وموجود، وبالتالي الهروب من مواجهة الحقيقة الصعبة والمزعجة أحيانا. لا ندري كيف يتحدث البعض ( نقصد هنا الذين يفترض أنهم مناضلون ومثقفون وليس مجرد مواطنون بسطاء لا علاقة لهم بالسياسة والثقافة) عن " قطع الطريق " علما أن الحكومات المغربية السابقة لم تضع القانون التنظيمي للتظاهر بالرغم أن الأمر أصبح حق دستوري مند دستور 1962 !! ، وهل هناك احتجاج/ مظاهرة في العالم لا يقطع فيها الطريق بغض النظر عن أهمية وموقع هذا الطريق؟ ففي فرنسا مثلا عندما تقوم الشاحنات الكبرى بقطع الطريق السيار أو تقوم شركات الطيران بإلغاء رحلاتها الجوية كشكل من أشكال الاحتجاج فالأمر يكون عاديا جدا لدى الفرنسيين ونخبتهم السياسية والإعلامية والثقافية لكون أن الاحتجاج حق دستوري لديهم، بل أنه عندما يقوم مواطن مغربي بالرباط والدار البيضاء مثلا بقطع الطريق، أو يقتحم احد مؤسسات الدولة، سواء كان ذالك عمليا أو معنويا، فإنه عادة ما يحاكم بمدة قصيرة عكس إذا ما حدث ذلك بالريف ، فمن حقنا على سبيل المثال معرفة كيف حكم معاذ بلغوات بسنتين سنجنا( خرج قبل أيام) بينما حكم جلول محمد مثلا بستة سنوات ( قبل أن تتحول إلى 5 سنوات) علما أنهم حكموا بنفس القانون وبنفس التهم ومنها اهانة رموز الدولة، بل وأكثر من هذا جلول لم تثبت ضده أي تهمة مادية عكس معاذ؟.