بعد التقرير الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الانسان إثر زيارته لسجون المملكة ، و الذي أشير في طياته إلى عدة اختلالات ، إذ يمكن أن نقول بأن أم المعيقات هو الاكتظاظ ، فهذا الأخير الذي يتعدى في بعض السجون طاقاتها الاستيعابية% 118 ، و الذي يتفرع عن هذا الاكتظاظ ظواهر سلبية و مشاكل يصعب تدبيرها في معظم نواحيها ، كالانتهاكات التي تمارس على النزلاء و النزيلات ، فقد صرح السيد المندوب العام بأن هذه الانتهاكات ماهي إلا نزوات فردية صادرة من بعض الموظفين و ليست قائمة في قانون السجون . مما يعتري عنه بروز معاناة النزلاء المرضى ( كالضيقة ، الجربة ، القصور الكلوي ، السيدا ...) ، ضعف التدخل الطبي ، هذا راجع إلى ضعف صلة التواصل بين المؤسسة السجنية و القضائية و الاستشفائية ، فمشكلة الاكتظاظ تظهر في المراحل الأولى أي من الضابطة القضائية ، المحاكم ، السجون ، المستشفيات ... ، فكل هذه المشاكل يتوقف حلها على توفير ميزانية كافية لتدبير و تفعيل البرامج و التدابير و الآليات الكفيلة لتحسين أوضاع النزلاء و كذا المؤسسات السجنية . لكن هل هذا بالضبط نستخرج المقومات الأساسية لتفعيل قانون 23/98 المنظم للسجون ، و أية أهمية للمواثيق الدولية و النموذجية في هذا الشأن . وزارتي الداخلية و العدل ، و إدارة السجون ، مجتمع مدني ...، كل واحد أخذ بقبس من المسؤولية ، إذ بحكمها الرشيد يمكن أن نخلق منظومة سجنية ذات شمولية عامة ، و ذات أبعاد نموذجية مستشعرة بإنسانية النزلاء ، و إظهار روح الإصلاح و التهذيب و الإدماج في حقهم . بالرجوع إلى كلام المندوب العام ، و بالضبط يوم الثلاثاء 17 يوليوز 2012 ، بأن هناك انتهاكات لكرامة و حقوق السجناء و مخاطبا مسؤولي السجون :" أنا أعتز بكون الأغلبية من الموظفين هم شرفاء و أكفاء ، لكن هناك عناصر يشكلون أقلية يجب تقويمها بالإصلاح أولا ، و التوجيه ثانيا ، و المؤاخذة ثالثا ، ثم بالعقاب إن اقتضى الحال ، بما في ذلك اللجوء إلى القضاء " . نستشف من هذا كله ، بأن المشكل الأكبر يتجلى في الأطر و الموظفين ، لكن هذا ما هو إلا فك الارتباط عن المشكل الأم الذي هو الاكتظاظ ، نعم بالفعل يجب أن يكون أولئك الموظفين مؤهلين تأهيلا بيداغوجيا و سيكولوجيا ، و تكوينهم في إطار دورات تكوينية في المجال الحقوقي و المساواة ...، تبقى هذه الفئة الوحيدة التي تمسك بروح التأهيل و الاصلاح للنزلاء و إعدادهم بالاندماج داخل وسطهم الطبيعي ، و هذا لا يمكن أن نغفل عن السجين ، إذ بموجب القانون ، عليه واجبات و حقوق ، إذ عليه أن يكون منضبطا و محترما للقوانين و الأنظمة الداخلية للمؤسسة التي يتواجد فيها النزيل ، فإن لم يتحلى بها و لا يحترمها ، لا يعني هذا اتخاذ في حقه تدابير زجرية عقابية ، بقدر ما يمكن اتخاذ معايير ترقى إلى مستوى حقوق و كرامة الانسان . فنحن لا نقول بأن المؤسسات السجنية و الاصلاحية عليها أن تكون مثل الفنادق كما يريدها البعض ، و لكن على اعتبارها بأنها مؤسسة اجتماعية اصلاحية تهذيبية و ليست بمؤسسة ترهيبية و رادعة في حق النزلاء ، هذا ما نفهمه من خلال قانون 23/98 المنظم للسجون و كذا مرسومه التطبيقي الصادر في سنة 2000 . لكن الندوة الأخيرة التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الانسان بالرباط يوم الثلاثاء 30 أكتوبر2012 ، الذي تطرق إلى مجموعة من الجوانب المتعلقة بالمؤسسات السجنية و بحضور المندوب العام لإدارة السجون ، تطرق بالأخص إلى معيق الاكتظاظ ، تعديلات في النصوص الجنائية ، انتهاكات في حق السجناء ...، مما استخلصوا في الأخير بتقديم 100 توصية لمعالجة الاختلالات التي تمس بالمؤسسة السجنية ، فهذه التوصيات ما هي إلا نصوص تكميلية تبقى ثانوية ، لأنه مادام هناك قانون ينظم المؤسسة السجنية و مرسومه التطبيقي ، و كذا المواثيق العالمية للسجناء و المعتقلين التي صادق عليها المغرب التي يكفي تطبيقها على أرض الواقع و اتخاذ زمام المبادرة من طرف المعنيين بالأمر. أما التشخيص للمعضلة يبقى سر حلها في الكيفية ، فالتوصيات التي خرج منها المجلس ، ماهي إلا نصوص أخرى تنضاف إلى رفوف الدولة ، و نحن كذلك لسنا بسلبيين إلى هذا المستوى ، بقدر أن الظروف مواتية وفق الدستور الجديد و العهد الجديد الذي يريد أن يقطع صلة مع الماضي المرير . على المسؤولين من وزارة الداخلية ( الضابطة القضائية ) ، و زارة العدل ، المندوبية العامة لإدارة السجون ، القضاء ، و كذا المجتمع المدني ، بأن يبادروا في توحيد الرؤى في خضم الحوارات الوطنية القادمة لأجل تخليق حياة شفافية لتدبير معضلة السجون ، و الذي يمكن فعله على أرض الواقع وفق المقاربات التشاورية و التشاركية كلا من : تعزيز الرقابة القضائية على المؤسسات السجنية و الحد من العقوبات القصيرة و استبدالها بالموقوفة أو الغرامة ، و ترشيد الاعتقال الاحتياطي ، تنفيذ و تتبع العقوبات ، تفعيل الرقابة التي تقوم بها اللجان الاقليمية لتحسين أوضاع النزلاء و السجون ، و توفير التطبيب و الأدوية و التغذية الصحية و النظافة اللازمة ، توسيع المجالات التي يمكن أن تشتغل عليها منظمات المجتمع المدني و تقوية أداءه من داخل أسوار السجون و تسهيل المأمورية له لأجل ولوج المؤسسة و توسيع الشراكة معهم ، تنظيم دورات تكوينية لأطر و موظفي المؤسسة في الميادين التي هي حساسة و قريبة تمس السجين، كل هذا يبقى من أهم الآليات التي يمكن لها أن تجعل المؤسسة السجنية في إطار أنسنتها و إدماج السجناء في محيطهم السوي الذين كانوا يعيشون فيه من قبل .