في الوقت الذي يسارع فيه بعض المستشارين، من أمثال رئيس مقاطعة سيدي مومن، إلى الدفاع عن شركة «ليدك» في القنوات التلفزيونية، نرى كيف أن الشركة الأم لفرع «ليدك» بفرنسا، «لاليونيز دي زو»، تتلقى أكبر «خطية» في تاريخها بعد تورطها في فضيحة المنافسة غير الشريفة في توزيع الماء بمنطقة باريس. هكذا سيكون على والدة «ليدك» أن تدفع غرامة قدرها 400 ألف أورو جزاء لها على ممارستها الغش، وذلك باتفاقها مع ممون ثان للمياه على أسعار محددة، ضاربة عرض الحائط بمبدأ المنافسة. عندهم في فرنسا، هناك مؤسسة اسمها «مجلس المنافسة» انتبهت إلى هذه الممارسة غير القانونية لشركة «لاليونيز دي زو» وشركة «سيديف»، فقررت معاقبتهما بغرامة ثقيلة. اليوم والدارالبيضاء والمحمدية، اللتان تدخلان ضمن مسؤولية «ليدك» على مستوى تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل، تغرقان في المياه والظلام بسبب ليلة ماطرة، على رئيس مقاطعة سيدي مومن ومعه أعضاء مجلس المدينة الذين يأكلون من يد «ليدك» أن يشرحوا لسكان أهم وأكبر مدينة في المغرب كيف وجدوا أنفسهم فجأة مقطوعين عن العالم الخارجي، لا كهرباء لا طرق لا قطارات، كل شيء غارق وسط المياه. أحد المواطنين في مقاطعة «سباتة» عندما سمع مؤذن الفجر ينادي «الصلاة خير من النوم» قال له «فين شفتينا نعسنا باش نفيقو». فقد قضى مئات الآلاف من المواطنين في كل مقاطعات الدارالبيضاء ليلتهم خائفين وأيديهم على قلوبهم بسبب كل المياه التي تجمعت في الشوارع والأزقة وتحت القناطر، بسبب اختناق المجاري التي يبدو أن «ليدك» لا يعنيها أمر صيانتها وتنظيفها. إن ما وقع في الدارالبيضاء فضيحة كبرى. فأن يصبح القلب النابض للمغرب محاصرا بالمياه، وتقفل الطريق السيارة المؤدية إلى مطارها، وتتوقف حركة القطارات وينقطع التيار الكهربائي عن أحياء سكنية ومناطق صناعية كثيرة وتنقطع الدراسة في المدينة بأكملها، فهذا يعني أن المدينة أصبح قطاعها الحيوي في أيدي مجموعة من العابثين الذين لا يهمهم أن يصاب قلب المغرب بالشلل. إن ما كنا نحذر منه طيلة المدة الأخيرة، من كون الشركة المسيرة لقطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل أصبحت بين أيدي مجموعة من المدراء الفرنسيين الذين لا تجربة ولا خبرة لهم في إدارة مدينة بحجم الدارالبيضاء، قد وقع اليوم. كما أن أكاذيب القيادة الجهوية للوقاية المدنية حول اقتناء معدات إنقاذ جديدة انكشفت، خصوصا عندما تدخل رجال الوقاية المدنية لإنقاذ المواطنين على متن الزوارق المطاطية في مقاطعة «سباتة»، فاتضح أن محركات هذه الزوارق لا تعمل، مما اضطرهم إلى استعمال «المقادف». ولولا شجاعة رجال الوقاية المدنية وتكسيرهم لأبواب البيوت ودخولهم لإنقاذ المواطنين في جوف الليل لغرق المئات منهم بسبب مستوى المياه الذي تجاوز الطابق الأول. لقد أشارت كل مواقع أجهزة التوقعات المناخية العالمية، وخصوصا الوكالة الأمريكية للبيئة والمحيطات، إلى احتمال تعرض المغرب لفيضانات خلال نهاية الأسبوع الماضي وبداية الحالي، خصوصا في منطقة الغرب التي أصبحت على موعد سنوي مع الموت والتشرد والضياع. ورغم صدور هذه التحذيرات، فإن الجهات المسؤولة لم تكلف نفسها إخبار المواطنين بالخطر الذي يتهددهم، كما أن شركات التدبير المفوض، الأجنبية في غالبها، لم تقم باتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة الكوارث التي من الممكن أن تتسبب فيها الأمطار. العكس تماما هو الذي وقع. فالجميع جلس يراقب الأمطار وهي تهطل، بانتظار أن تنحسر. وهكذا وقعت الكارثة وحوصرت منافذ الدارالبيضاء وتعرضت جل أحيائها لانقطاع التيار الكهربائي، كما لو أننا في حالة حرب. إن الأمطار نفسها التي هطلت على المغرب هطلت في إسبانياوفرنسا، فلماذا لم نسمع أن الطرق المؤدية إلى مدريد أو باريس تم قطعها وأن حركة القطارات توقفت بسبب الأمطار. ببساطة، لأن شركات التدبير المفوض والتطهير السائل تشتغل هناك طيلة السنة تحسبا للأمطار، لأنها تعرف أن مجالس المدن، المسؤولة المباشرة عن الرخص الممنوحة لها، ستحاسبها حسابا عسيرا في حالة التقصير، لأن هؤلاء المستشارين الذين يشكلون مجلس المدينة يوجد فوقهم مواطنون سيحرمونهم من أصواتهم في الانتخابات إذا ما لم يمارسوا دورهم الحقيقي في مجلس المدينة، وهو الدفاع عن مصالح السكان. في الدارالبيضاء، لدينا أيضا شركة لتدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل اسمها «ليدك»، ومجلس مدينة مكون من ممثلي السكان لديه رئيس اسمه ساجد، ونائب اسمه صديق شاكر هو المسؤول عن قطاع التدبير المفوض بالمجلس. هؤلاء يحضرون عندما يتعلق الأمر بإعطاء امتيازات لشركة «ليدك»، أما عندما يغرق المواطنون بسبب الأمطار وتقتحم عليهم مياه الوادي الحار غرف نومهم، كما حصل مع سكان حي مبروكة بسيدي عثمان، فإن مدراء شركة «ليدك» والعمدة ونائبه يختفون عن الأنظار، تاركين لرجال الوقاية المدنية أن يقوموا بالعمل مكانهم. وكل ما استطاعت الإدارة العامة لشركة «ليدك» أن تقوم به من أجل التدخل لإنقاذ السكان من مياه الوادي الحار التي اجتاحت غرف نومهم، هو تنظيمها لإفطار سخي استدعت إليه العمدة ونائبه وبعض المقربين لكي تفرجهم، وهم يلتهمون «البوتي بان» الساخن المحشو بالشوكولاته التي يحبها سعادة العمدة، على شريط يشرح لممثلي السكان كيف ستتدخل مصالح «ليدك» بحول الله ابتداء من الجمعة المقبلة من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه. والسبب وراء تأجيل التدخل إلى غاية يوم الجمعة هو أن التوقعات التي لديهم تقول إن الأمطار ستستمر في الهطول إلى غاية هذا اليوم، ولذلك فهم غير مستعدين لتضييع الجهود منذ الآن مادامت الأمطار ستستمر في الهطول، يعني أن «ليدك» تعمل بالحكمة القائلة «لازربة على صلاح». «واش هادو ماشي خصهم الحبس». إن استهتار شركات التدبير المفوض بحساسية المسؤولية الملقاة على عاتقها في كثير من المدن المغربية، في توفير الماء والكهرباء والتطهير السائل للمواطنين، سيفضي إلى مشاكل عويصة لديها علاقة بالجانب الأمني. فالمظاهرات العفوية التي قام بها سكان حي مبروكة أمام العمالة، وخروج 700 عائلة من سكان الهراويين من منازلهم وإيوائهم في المدارس، وبحث السلطات المحلية في عين السبع عن خيام لإيواء المواطنين، ليست سوى الشرارة التي يمكن أن تفجر ملف تجاوزات «ليدك» واستنزافها لجيوب سكان الدارالبيضاء الكبرى دون تقديم خدمات تليق بحجم الفواتير الضخمة التي تستخلصها منهم. وفي الوقت الذي تحصي فيه «ليدك» أرباحها، تحصي مصالح الوقاية المدنية أعداد ضحايا التدبير السيئ لأهم قطاعين حيويين في المدن، الماء والكهرباء. إننا اليوم نؤدي ضريبة «بيع» قطاعات عمومية حيوية في المزاد العلني للشركات الأجنبية الباحثة عن الربح. وعوض أن يبقى قطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل في المدن الكبرى تحت مسؤولية مجالس المدن، والتي بدورها توجد تحت وصاية الداخلية، تم تفويت هذه القطاعات السيادية إلى شركات كل همها تحقيق أرباح سنوية وإرسالها إلى الشركات الأم بعد تحويلها إلى عملة صعبة واستنزاف خزينة الدولة المغربية. وبسبب لجوء وزراء المالية السابقين إلى الحلول السهلة لترقيع فراغات ميزانياتهم السنوية، فقد فضلوا بيع مؤسسات عمومية حيوية للأجانب ثم أجبروا المواطنين على اقتناء خدماتها ب«دقة للنيف». فقد عرض السعيدي، وزير الاقتصاد والخوصصة الأسبق، محطة تكرير النفط «لاسامير» للبيع، فاشتراها السعوديون. وبمجرد ما غادر الحكومة، عثر على منصب عمل في «لاسامير» كمدير عام. وعندما غادرها، أسس شركته الخاصة في المحاسبة المالية. وهاهما جريدتا «الصباح» و«ليكونوميست» اللتان تصدرهما مجموعة «إكوميديا» لصاحبها دلمي وزوجته الفرنسية ماريا طيريز (نادية صلاح)، تقومان اليوم بدورهما التقليدي، دور «كاري حنكو» في الدفاع عن «ليدك» في إعلامهما وإذاعتهما الخاصة، كما صنعا سابقا عندما دافعا بشراسة عن السعيدي إبان خوصصة «لاسامير» والذي اتضح أخيرا أنه كان مساهما في رأسمال الشركة المصدرة لجريدتي الزوجين. وفي تلك الفترة باع أيضا بنهيمة محطة الجرف الأصفر لإنتاج الكهرباء للأمريكيين، والذين استغلوها لفترة قصيرة قبل أن «يقلبو» فيها البيع للإماراتيين بغلاف مالي خرافي. وها هو المكتب الوطني للكهرباء اليوم يوفر لشركة «طاقة» الإماراتية الفحم مجانا لكي تنتج به الكهرباء الذي نشتريه منها بأسعار خيالية. وبعد السعيدي جاء الاتحادي فتح الله والعلو الذي «كمل الباهية» وباع طيلة العشر سنوات التي قضاها في وزارة المالية ما تبقى من مؤسسات الدولة للأجانب. عندما يبيع المسؤولون كهرباءك وماءك ومحطة تكرير نفطك ومحطتك التي تنتج 47 بالمائة من الطاقة الكهربائية التي تحتاجها لتحريك معاملك ومصانعك، فهذا يعني أن هؤلاء المسؤولين وضعوا القطاعات الحيوية والحساسة للبلاد رهينة بيد الشركات الأجنبية. هذا «الرهن» يجب أن يفسخ، حتى ولو كلفنا غاليا، لأنه ثمن الاستقلال الحقيقي من هذا الاستعمار المعاصر الذي يمتص دماءنا ويعرض أمن مدننا للخطر.