مرة أخرى، يعبر المغاربة بكل عفوية، عن ملحمة ميسرة خضراء جديدة، استجابة لنداء الوطن، ودفاعا عن مغربية الصحراء، مسيرة كانت خير رد على لانزلاقات بانكيمون وانحيازه لمعسكر قصر المرادية و الرابوني بالجزائر، فرب ضارة نافعة كما يقول المثل المأثور، ذلك ما عبرت عنه مليونية الرباط، التي أبانت للعالم أجمع، أن لا تنازل عن شبر واحد من صحراءنا المغربية، وكما قال ملك البلاد، الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، فمخطئ من يظن أن المغرب سيقدم على تنازل أكثر مما أعلنه أمام مجلس الأمن والعالم بأسره ألا وهو الجهوية الموسعة والحكم الذاتي كأقصى خيار. إن المتتبع لقضيتنا الصحراء، لا يراوده شك، بأنها القضية الأولى المقدسة للمغاربة قاطبة، ومتمسكون بقضيتهم الأولى دون أي اعتبارات ذاتية، المغاربة يمكن أن يتناقشوا ويختلفوا في كل القضايا كانت صغيرة وكبيرة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختلفوا حول قضيتهم الوطنية، ويبقى صوت الوطن، حاضرا بقوة في فؤاد كل مغربي ومغربية، وهو ما جسده بالفعل نداء مسيرة الرباط التي أبهرب الجميع وأربكت حسابات بان كيمون، الذي انحنى بخنوع لراية الكيان الوهمي ورفع شارة النصر أمام عدسات المصورين، معلنا بذلك إنحيازه التام لأطروحة الإنفصال، في تناقض صارخ مع واجب الحياد والتحفظ المفروض التحلي به، من طرف ممثل أعلى منصب بجهاز مجلس الأمن الدولي. صحيح انه بالعودة إلى البدايات الأولى لملف القضية، لا يجادل إثنان في الإقرار بالأخطاء الجسيمة، التي إرتكبتها الدولة في معالجتها لملف الصحراء منذ عودة الأقاليم الصحراوية إلى حضيرة الوطن عقب المسيرة الخضراء، قبل أربعة عقود خلت، حيث اغتنى ثلة من أعيان الصحراء، الذين تحولوا بين عشية وضحاها إلى أثرياء كبار بفضل حصولهم على امتيازات لم يحصل عليها غيرهم، من رخص الصيد في أعالي البحار ورخص تصدير الرمال والشركات معفية من الضرائب وحيازتهم لبطائق الإنعاش الوطني والتلاعب بحصص دعم المواد الغذائية وغيرها من الامتيازات الأخرى التي كانت سببا مباشرا في ترسيخ حالة من الاحتقان الاجتماعي وسط أغلبية الصحراويين من مختلف القبائل طلية عقود من الزمن، عاشوا خلالها حالة من الغبن وعدم الموساواة وسوء التوزيع العادل للثروات، الأمر الذي ولد لدى بعض الفئات منهم، شعور بالحس الثوري الذي زكاه الظلم واستشراء الفساد بالصحراء ومن تم التعاطف مع جبهة الإنفصاليين، كرد فعل طبيعي لحالة اللاعدل التي تتعامل بها أجهزة الدولة مع كل مكونات الصحراء. غير أنه، وبعد خطابات العرش الأخيرة، والتي كانت واضحة بما لا يدع مجالا للشك، أن عهد الريع إنتهى زمنه، وأن لا مناص مع إحلال المساواة ببين الجميع ، دون تمييز بين فئة وأخرى، على اعتبار أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحراءه ولا مجال للخونة بيننا، فإما أن تكون مغربيا وحدويا أو منافقا خائنا، كما جاء في خطاب الملك، الذي وضع الجميع أمام مسؤوليته وبين لكل الأطياف أن الجميع سواسية أمام القانون وأن عهد الامتيازات ولى، وأن الجهوية الجديدة هي فرصة جديدة للإقلاع بالصحراء مع وربط المسؤولية بالمحاسبة، جهوية كفيلة بإحلال منطق الديموقراطية التشاركية دون أي إقصاء لأي طرف والعبرة بالنتائج، ولعل المشاريع العملاقة التي أطلقها الملك بعواصم الجهات الثلاث، خير دليل إذن على الإستراتيجية الجديدة، التي انتهجتها الدولة لمحاربة الفكر الإنفصالي وتزكية الإسثتمار بهاته المناطق والدفع بها نحو مزيد من الرقي والتطور.