المشكل في الضجة التي أثارها رواد مواقع التواصل الاجتماعي ردا على السخرية السمجة التي ردت بها الوزيرة شرفات أفيلال على سؤال يتعلق باقتصاد الريع في المغرب، ومسألة تقاعد الوزراء والبرلمانيين مدى الحياة، حينما قوَّمت معاش الوزراء والبرلمانيين ب"جوج فرنك"؛ أن الكثير من هؤلاء الرواد لم يُقَدِّروا بأن الوزيرة –إياها- لم تعبر إلا باللغة التي تتقنها، وهي لغة عليَّة القوم من الأسر المخملية التي تنتسب إليها، هي وزمرةً من الوزراء والبرلمانيين، الذين انقرضت الألف درهم والألفين درهم من قاموس حساباتهم النقدية، وتعاملاتهم التجارية والعقارية، حتى تحولت إلى لا شيء في الميزان القيمي للمال عندهم. فاعتبارها لما قيمته 8000 درهم، ب"جوج فرنك"، كاعتبار المغاربة للثلاثة آلاف درهم والخمسة آلاف درهم، ب"رَبْعَ د ريال". فالمغربي الناقم على أجرته يقول:" شحال كنشد؟ربع د ريال" !!(مع الفارق المعتبر بين الفرنك والريال). ف8000 درهم عند الوزيرة التقدمية-يا للحسرة !!- التي توقع الشيكات بالملايين، وتصرف على فساتينها، وعطورها، وأحذيتها، وطعامها الذوقي الراقي، آلاف الدراهم، ولا تذهب إلى أسواق المغاربة لتشتري عشرة د ريال الربيع، وكيلوغرام خضر، وقليل من "الديسير"، ولا تنتظر خلف الطوابير لأداء فواتير أمانديس، وريضال، وليديك، والرامسا،... ولا تفرض عليها معايير البناء المجحفة التي تفرضها قوانين التعمير على الطامعين في ستر أنفسهم وأولادهم من حر الصيف، وبرد الشتاء، ولا تسافر إلا ب"البون"، ولا تدرس أبناءها في المدارس العمومية،.. و لا تعلم شيئا عن حياة المغاربة المنسيين، في القفار والفيافي والجبال، ولا حياة الكادحين والكادحات في المدن القديمة بالدارالبيضاء، وفاس، وطنجة، ومراكش،... الذين يفرحون بالدرهم الواحد يحصلون عليه،...؛ فهذه ال8000 درهم لا يمكن أن تساوي شيئا في ميزان حساباتها، وحسابات أمثالها من الوزراء والبرلمانيين. إنها في الحقيقة لم تنطق إلا بما تنضح به حياة الوزراء المترفة. فاللسان ليس فيه عظم كما يقول المغاربة. إذ الحقيقة التي لاتحتاج إلى دليل، هي أن حياة الوزير لا يمكن ان تكون أبدا كحياة الغفير، وهذا معروف في كل الحضارات، والثقافات، التي عرفتها الأمم والدول، إلا فيما ندر. والنادر لا حكم له. فالوزير في المغرب وزير بكل ما تحمله العبارة من معاني الجاه، والسؤدد، والمكانة الاجتماعية،...فهكذا كان الوزراء خلال تاريخ المغرب الممتد. بيد أن الفرق الوحيد بين وزراء العهد السابق، ووزراء الحكومة الحالية، أن أولئك كانوا رجال دولة "حقيقيين"، لهم "كريزما" خاصة، ووضع اعتباري خاص. فقد كانوا فوق الشبهات، وأَأْمَنُ من النقد أو السخرية، وكان حلولهم بين الناس يقيم الدنيا ولا يقعدها، وكانوا يفعلون ما يشاؤون ولا يسألون عما يفعلون. أما وزراء اليوم، خاصة السياسيين منهم ، فقد اختاروا لأنفسهم - منذ البداية- أن يمارسوا نوعا من "الشعبوية" في صفوف الكادحين، ويعرضوا أنفسهم على المواطنين ك"يا أيها الناس"، وأغلبهم قد خبر الكدح والحاجة و"قلة الشي"؛ فمنهم من لبس "الصندال"، ومنهم من لعب الكرة في رأس الدرب، ومنهم من مارس البيع والشراء في السوق،... لكنهم، للأسف، – وبعد مرور أربع سنوات على التدبير من داخل المكاتب المكيفة- لم يصمدوا أمام إغراءات السلطة والجاه. فقد بدأت أعراض مرض الفخامة والأبهة تظهر على الكثير منهم؛ حيث ازدادت شحوم رقابهم ، وتبدلت ملامحهم، واختفت تجاعيد "القهرة" من على وجوههم، وبدأت تظهر عليهم علامات النعمة، وانزوى غالبيتهم بمساكن فاخرة، بعيدا عن ضجيج "بوزبال" !!. نعم، ليس غريبا أن تطرأ كل هذه التغييرات على هؤلاء؛ فمقاومة إغراءات السلطة، وامتيازاتها لا يستطيعها إلا خاصة الخاصة ممن أكرمهم الله بالزهد الحقيقي، وقليل ما هم. كما ليس غريبا أن تطرأ هذه التغييرات الجذرية على هؤلاء، وهُمْ مَنْ هُمْ، ونحن نشاهد يوميا تحولات مماثلة تطرأ على مَنْ دونهم، من فئات الطبقة المتوسطة. ففي رجال التعليم، وحدهم، تقع "تطورات داروينية" لا تصدق. فمن أستاذ بسيط يمارس عمله داخل الفصل الدراسي، إلى مدير مؤسسة، إلى مفتش، إلى رئيس مصلحة أو قسم، إلى نائب إقليمي،...تتغير الملامح، وتزداد الأناقة، وتبرق الوجوه، ويتغير الخطاب،...فقد عرفنا العديد منهم ممن تغيرت وجهتهم بمجرد ترقيهم في سلم الإدارة. فما عادوا يلتفتون إلى صداقات زمن القهر والزلط !! (زمن العمل داخل القسم)، وما عادوا يجيبون عن المكالمات المُطَمْئِنة. حيث شكلوا لهم صداقات جديدة من عالم "البيزنيس"، و"الحَبَّة"، وغيروا السيارة والدرب، والدار، وأرقام الهاتف،.. وبعضهم اقتحم عالم العقار، وأصبح يلعب بالملايين وهو التقدمي الاشتراكي، أو الإسلامي العُمَرِي(نسبة إلى الفاروق عمر بن الخطاب-ض-)؛ يا للحسرة !!. ثم تطالع خربشاتهم على الفيس بوك، فتجدهم في صدارة المتهجمين على الوزيرة إياها، والناقمين على من تحسنت أحوالهم بفعل عوادي التعويضات، والامتيازات،...؛ يستدرون الإعجابات، والتعليقات، والمشاركات،...، ولَهْثُهُمْ خلف الترقيات، والتعويضات، والامتيازات، ...؛ مما سارت بذكره الركبان. أما حال "أصدقائنا" البرلمانيين، من العائلة الفيسبوكية، فحدث ولاحرج؛ فقد جفت- هذه الأيام- أقلامهم، وخرست ألسنتهم، وتوقفت أنشطتهم التي "لا تنتهي"(!)، واختاروا الركون جانب الحائط، والصمت عن الباطل، عسى أن تتوقف الحملة، وتهدأ العاصفة، وتسلم معاشاتهم من الإلغاء،...ولاتَ حين مناص !! دمتم على وطن... !