على سبيل البدء... على إثر الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد، تحولت ساحة المشهد السياسي المغربي إلى حلبة لتصفية الحسابات السياسية بين الخصوم الحزبيين؛ معارضةً وأغلبيةً. إذ في الوقت الذي اهتبلت فيه المعارضة فرصة الخنق الشعبي على سوء التدبير لملف تأهيل البنيات التحتية لمختلف الطرق والقناطر، وقنوات الصرف، التي تداعت عند أول قطرات الرحمة التي عرفتها البلاد، وانكشف معها التلاعب بمليارات الدراهم التي صرفت عليها من أموال دافعي الضرائب، واعتبرت الفرصة سانحة وغير مسبوقة لتصفية حساباتها السياسوية مع الحكومة، وتسجيل أهداف في مرماها للتأهل مباشرة إلى الأطوار النهائية التي ستعرفها الشهور القليلة القادمة في حلبة المنازلة الانتخابية (هاجسها الأكبر)؛ لم تركن الأغليية الحكومية، بدورها، إلى الزاوية تتلقى ضربات المعارضة المُبَيَّتة بليل، ومعها سيل الاحتجاج الشعبي العفوي الذي عرفته بعض المناطق المنكوبة؛ حينما اختارت الهجوم، بدل الدفاع، وأخذت تُعَرِّي تدبير الحكومات السابقة، ومسؤوليتها المؤكدة فيما آلت إليه الأوضاع الحالية التي تعرفها الطرق والبنيات التحتية، وكذا مسؤولية أغلب زعماء المعارضة الحالية الذين دبروا ملفات هذا التأهيل حينما كانوا في دفة تسيير الشأن العام ببعض الجماعات والبلديات المنكوبة. ولئن كان هذا"البوليميك" الخائب الذي تعرفه الساحة السياسية الآن، والمغلف بالكثير من المصالح الشخصية، والحسابات الضيقة، لا يهم الشعب المغربي المنكوب، لا من قريب ولا من بعيد؛ فإن انحدار مستوى ممثلينا إلى سفح المتاجرة بمعاناتنا، وتصفية الحسابات الخاصة على أنقاض الموتى والمنكوبين، لا يمكن أن يغفر للشعب المغربي حِيَادِيَّته دون أن يسجل، للذات والتاريخ، موقفا صريحا من هذه "الكائنات" الشائهة، التي تتولى شؤون حياته، ثم تضحك على ذقونه. "كائنات" عرَّتها الفيضانات.. لقد تتبعنا بالكثير من الألم والحزن حجم الكارثة التي حلت بالمقهورين والمقهورات من أبناء هذا البلد، إثر التساقطات المطرية الأخيرة. لكن هذا الألم الطبيعي ما لبث أن تحول، لدينا، إلى خنق وامتعاض وتحسُّر، بعد أن وقفنا على جرم الاستغلال السياسوي والشخصاني، واللامبالاة الرعناء، التي أعقبت هذا الحدث المؤلم، من قِبل: أطراف حزبية دبرت الشأن العام في الحكومات السابقة، وتحملت مسؤولية الإشراف على العديد من القناطر والطرق والمصارف المائية، التي تداعت خلال هذه الفيضانات. لكنها، بدل أن تعترف بهذه المسؤولية، وتقدم الحساب أمام الشعب، اختارت أن تتنصل من مسؤوليتها، وتركب الحدث، لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها. أطراف حكومية تدبر الآن، لكنها ترفض أن تعترف بمسؤوليتها في المتابعة والصيانة للمنجزات التي تسلمتها من الحكومات السابقة، وهي الآن مسؤولة، بعد هذه الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، عن فتح ملفات المتابعة القضائية في حق المتورطين في تعميق هذه الخسائر، كأضعف الإيمان !. تنظيمات جمعوية لا تكف عن استعراض عضلاتها في المسيرات المؤيدة للشعوب المقهورة، واختارت اليوم أن تركن جانب الحائط، تتفرج على جثث المنكوبين تلفظها مياه الفيضانات، ثم تتوجه بسهامها المسمومة إلى المخزن، والحكومة، والمعارضة، والعالم كله،... وكأنها المنقذ الذي ينتظره المغاربة ولمَّا ينطلقْ من قُمْقًمِه بعدُ !!. فئات مثقفة، من الأساتذة، والدكاترة، والعلماء،... تعيش عالمها البوهيمي، لا تلوي على شيء من واقع الأمة. تسجل للتاريخ تاريخَها، وتنبش في التاريخ عن حياة الرجال؛ تعرض بلاءهم في البناء والتشييد والإغاثة والإنقاذ،... وهي، في برجها العالي، لا تحرك ساكنا !. جماعة اختارت فضاء الفيس بوك / بوق !. من وراء شاشة الحاسوب؛ تتابع، وتسجل، وتندد، وتصرح...؛ لكن لصورها، بجانب الوديان والقناطر المهدمة، حضور على شاكلة "شوفوني"؛ تستجدي بها الإعجابات، والمشاركات من رواد هذا "البوق"، ولا يهمها أزيدٌ هلكَ أم عمرو !! . هذه بدورها تتاجر بمعاناة المنكوبين، ولا يقل إجرامها، في حقهم، عن إجرام من يتاجر بها تحت قبة البرلمان !!. طائفة لا تهمها إلا "العالمية". فحيثما التأم "العالم" ليحلل، أو ليقرر، أوليناقش،...أو ليضحك على البلداء، (لا فرق !!)، فحاضرةٌ؛ تسجل المداخلات، وتقدم التصريحات، وتأخذ الصور لترميها على صفحتها في "الفيس بوق". وهذا حال بعض من شاركوا في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي شهدته مدينة الحمراء في عز الكارثة، للتداول حول حقوق الإنسان/ إنسانهم، بينما "إنسان الجنوب" المنكوب، فلا بواكيَ له، ولا كلام عنه، في خضم كلامهم الكبير عن "حقوق الإنسان"!! فهذه فئات وطوائف، أوردناها على سبيل المثال لا الحصر، قاسمها المشترك، أنها قررت أن تنسحب من واقع الأمة المكلوم، لصالح انتماءاتها الخاصة، وأنانيتها المفرطة... ! ختاماً؛ تحيةً وتقديراً.. ولا يفوتنا،أخيرا، ونحن في هذا الخضم القاتم، أن نسجل بتقدير فائق، وإعجاب باهر، سلوك فئة من المواطنين والمواطنات، اقتحمت عقبة الإنجاد في صمت، لتقدم المساعدات، وتطبطب على النفوس المكلومة، والمُهج المنكوبة، لا تبغي جزاء ولاشكورا. ولَكَمْ أثَّرت في نفوسنا، حتى أدمعت عيوننا؛ مبادرات نساء ورجال، وشباب، من مناطق كلميم وسيدي افني، أحْيَتْ، بين الناس، قِيَم التضامن، والإيثار، ونكران الذات،..حتى جعلتها تُرَى رَأْيَ العَيْن... لكل هؤلاء، تحياتنا العميقة، ودعواتنا الصادقة بالتوفيق والقَبول.. ! وللذين قَضَواْ في هذه الفيضانات، المغفرة والرضوان، ولذويهم الصبر والسلوان ! دمتم على وطن.. !!