قد لايبالي البعض منا إلى ما نسعى إليه كجالية مواطنين مغربية مقيمة في الخارج، وقد يجهل البعض تسميتنا كمواطنين أو حديثي العهد بالمواطنة، وقد لا يدرك البعض وزننا السياسي وعددنا السكاني وتركبتنا الثقافية، والبعض الأخر قد لاتعنيه مكانتنا الأخلاقية والأدبية في دول الإقامة... وربما يخطئ البعض في حقنا وقدراتنا؟؟. لكن حينما تتضح الأمور.. ويُكتب الدستور على السطور.. وتقرأ النصوص وترسم مبتغاها.. وتتجلى الحقوق والحريات.. ويصفوا الطلب.. ثم تتبين الرؤية وبها يرى الأعمى الحكمة التي يستنير الأخر بها، وهي: "إن المواطنين المغاربة في المهجر عازمون أن يتم التعامل معهم كمواطنين حقيقيين يتمتعون بكامل حقوقهم كما نص عليها الدستور الجديد، ويأملون في سياسة جديدة وشاملة ومتكاملة تضمن لهم مشاركة حقيقية وملموسة في مؤسسات وهيئات الدولة المغربية؛ وتمكنهم في إطار إستراتيجي مندمج للدفاع عن قضايا ومصالح وثوابت الوطن". لم تعد المشكلة في مستقبل الجالية وتلاحمها بالملك والعرش والوطن، بل في مستقبل المؤسسات والهيئات التي تتداخل في تنظيم وتدبير شؤون 5ملايين مواطن مغربي في الخارج. فالملف لم يعد قائما على المصطلح بل الأمر يختلف على ماسبق لأننا وبقدر كبير من العقلنة نحتاج فهم الإشكالية بجد؛ أي وجب قرائة الأمور بالمفهوم وليس بالتسمية وبالمضمون وليس بالشكل. فالتحديات التي واجهت تدبير ملف الجالية سابقا، لطالما أعطت هذه الأخيرة فيه الأولوية للوطن والدفاع عن قضاياه المشروعة. ولكن إنسجاما مع الوثيقة الدستورية والخطب الملكية السامية ذات الصلة بالجالية والتي إرتقت بها إلى جالية مواطنين مغاربة في الخارج، وقوٌت مكانتهم في صناعة السياسات وإتخاذ القرارات وتنمية البلد والدفاع عن قيمه الديمقراطية، أصبحت الجالية والهجرة كملف يكتسب طابعا إستراتيجيا لكونه رؤية تجديدية وحداثية تستجيب لتحديات ورهنات البلد الحالية ثم إنتظارات وتطلعات 5ملايين مواطن مغربي في الخارج. من هنا يبرز الإهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة لمواطنيه بالمهجر؛ وتتضح الإلتفاتة المولوية، لقضاياهم وقضية الهجرة، كوضوح الشمس في كبد النهار. حيث رسم جلالته من خلال خطابه الماضي 20غشت2012 خارطة الطريق لمستقبل الجالية ثم أعطى تعليماته الموقرة للحكومة خلال إجتماعه الأخير بالدار البيضاء (10شتنبر 2013) بإتخاذ جميع التدابير اللازمة لملف الهجرة. مما خلف صدى طيبا داخل صفوف جالية المواطنين المغاربة في الخارج. ليس من الضروري التذكير بأن مشكل تدبير ملف الجالية بشكل خاص لايقتصر على المؤسسات والهيئات المتداخلة في تنظيمه والعاملة على إبتكار الحلول الناجعة والملائمة في تسييره، بل الإشكالية تكمن وكما أشرت في المضمون والمحتوى الإستراتيجي والتأطير السياسي والإصلاح الإداري والخدماتي والإطار الهيكلي لدى هذه المؤسسات. فبالنسبة للمحتوى الإستراتيجي أو السياسي للحكومة هو مسؤولية مشتركة، حتى وإن كان مسألة ينبغي أن تكون مؤطرة بمجموعة من المبادئ العامة التي تحدد على المستوى الوطني، وهذا يعني أن المسؤولين عن هذا الملف لايمكنهم على المستوى النظري وضع أية مقارنة تخص جالية تعيش بعيدا آلاف الكيلومترات وفي سياقات وأوضاع قانونية مختلفة، من دون إشراك وإستشارة ممثليها. لذا يتعين على الحكومة الحالية تحديد نظرتها للجالية، وأن لاتعتبرالمواطنين المغاربة في الخارج مغارية مقيمين خارج الوطن فحسب بل أيضا كمواطنين بلد الإقامة، أي مواطنون يحملون جنسية مزدوجة ومواطنة مزدوجة. لتحقيق هذا الهدف يتعين على المسؤولين في الحكومة تطوير مفهوم جديد قادر على إقامة جسور التواصل والحوار مع 5ملايين مواطن في الخارج؛ مواطنون مغاربة يطالبون بحقهم في تعزيز وتوطيد العلاقات السياسية والإقتصادية والدينية والثقافية التي تربطهم بوطنهم الأم وإخوانهم فيه. بغية مواكبة التحولات التي يشهدها الحقل السياسي المغربي ولتفعيل آليات تخليق العمل السياسي وتأطيره، بعيداٌ عن أي تزايدات ووطنية ضيقة، يتعين على قادة الأحزاب أن يعتبروا قضية الجالية قضية وطنية بالأساس، وأن لايتركوا مصير 5ملايين مواطن مغربي في يد دول الإقامة وحدها. لذا يتعين عليهم أن يعيدوا النظر في سياساتهم لكي تتماشى وتنسجم مع واقع وتطورات جالية المواطنون في المهجر، وأن يصيغوا رؤية جديدة تنمي لدى المهاجرين الشعور بالفخر والإنتماء إلى المغرب ويضعون مقاربة جديدة تأخذ بعين الإعتبار هذا المعطى الجديد، وما يعنيه هذا المعنى بالفخر في الحسبان . بغض النظر عن بعض التغييرات التي تعمل على سدها وكذا التعديلات التي تُدخلها في آليات تدبير بعض الجوانب الخاصة بملف الجالية، يظل الضباب يغطي الوزارة المنتدبة في وضع التوجيهات والإستراتيجيات والتدابير اللازمة إتخاذها في إطار برنامج عمل حكومي من داخل هذه المؤسسة. زد عن ذلك تشتت الأدوار والمهام، تداخل الأفكار والخطط، تعاقب الخلافات مع مجيئ وذهاب الوزير المنتدب سواء بالطائرة أو عن طريق صناديق الإقتراع أو التعديل الحكومي. بمقتضى وضعها الغير مؤسساتي، تتحمل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج حصت الأسد في تدبير الشأن الديني وتأطيره في صفوف الجالية، ومسؤولية المجال القانوني المرتبط بقضايا الدعاوي والاحكام القانونية العالقة وخاصة منها أحكام الأسرة. كذا السهر على تعليم اللغة العربية ونشر الثقافة المغربية. إنه لم غير المعقول أن لايؤدي إستقرار ملايين المواطنين المغاربة بصفة نهائية في الخارج إلى إحداث تغيير في نظرة وطريقة التعامل معهم من طرف القائمين على شؤونهم الإدارية في بلد الإقامة. فالقنصليات القائمة والمكلفة بالأعمال والخدمات، حتى الآن لانعرف عددها وعناوينها ليستقيم الحديث عنها بصورة منهجية ؟؟ فكيف لنا أن نُخبر توجهاتها وتطلعاتها في الملف!!. بعدما إنتهت نظريا ولايته الإنتقالية الاولى في دجنبر2011، ورغم الفراغ الهيكلي الذي يتنفسه مجلس الجالية، عرف هذا الأخير كيف يستفيد من الظرفية السياسية الحالية بتموقعه في صفوف بعض من نخب جالية المواطنين المغاربة في الخارج، ولاسيما أنه ركز في عمله وحملته الأخيرة على فكرة المؤسسة كخيار جديد يمكن إعتباره تغييرا جدريا في فلسفته القائمة على نص الدستور 163؛ مبتعدا عن تسيير شؤونه وإدارة أموره من طرف الشخص الواحد. فالأمر واضح من عنوانه، لأن الذي يستمد شرعيته من الفراغ في التسيير هو بالضرورة غير مؤهل أو فاقد القدرة على الاداء في عمله، خصوصا مع وجود إكراهات وطنية وسياسية يرفعها بعض من 5 ملايين مواطن في الخارج بسبب المنصب الشاغر ولأجل الفراغ القائم إلى تسيير قادم. على غرار بعض الفاعلين السياسيين والمدنيين الأخرين، نقول دائما، أن ما سيأتي سيؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ جالية المواطنين المغاربة في الخارج ومستقبل البلد. ليس فقط لأننا إلتحقنا بركاب الوطن والمواطنة ومغرب الغد، بل لأننا نملك وبصدق عوامل النجاح للمرحلة الراهنة والقادمة. الراهنة منها: " من خلال المراسلات والإقتراحات والنقاشات والندوات والقاءات التي ساهم بها عدد كبير من أوساط الجالية خارج البلد أو من داخل مؤسسات الدولة أي القصر ورئاسة الحكومة و البرلمان والوزارات ووسائل الاعلام وكذلك الاحزاب السياسية والنقبات العمالية وهيئات حقوقية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجتمع المدني المتمثل في اللجنة الوطنية للحوارالوطني". القادمة منها:"تدبير الملف، تحت الرعاية السامية لجلالته وبتدرج، في إطار دينامية تقطع مع السياسات القديمة وترتكز على النقاش والحوار مع مختلف ممثلي الجالية والقائمين عليها". * باحث في الهجرة ألمانيا آخن [email protected]