الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد: جعل الإسلام رمضان موسما للتنافس والتكاثر في الخير ،وجعل الجود والكرم من أهم خصاله وأخلاقياته . كيف لا والجود صفة من صفاته تعالى يحبه ويحث إليه . والرسول صلى الله عليه وسلم يسارع إليه ويجعله ملازما لصيامه . وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما:(كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان،فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)متفق عليه. في هذا الحديث الشريف إشارات لطيفة منها : 1- ان القرءان الكريم هو مصدر أخلاقه صلى الله عليه وسلم وانه يزداد تخلقا بالقرآن بطول مدارستة وتدبر آياته حتى كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها. 2- انه بصحبة بجبريل و الملائكة الكرام تصفو نفسه وتزكو سريرته ،ولا شك أن المخالطة الايجابية تؤثر وتورث أخلاقا من المخالط. وبهذا تكون معاشرة الأخيار ومجالستهم مفيدة في التربية وفي الاستقامة . 3- وفيه أن قيمة الجود والكرم عظيمة في رمضان وفي غيره ،والحسنة فيه بعشر أمثالها . وقد ضرب رسولنا الكريم أعظم الأمثلة في الجود والكرم،فكان تارة يجود بطعامه وأخرى بلباسه،وثالثة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة معا وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة . قال ابن القيم في زاد المعاد:( كانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وقوله فيخرج ما عنده، ويأمر بالصدقة،ويحض عليها ويدعو إليها بحاله وقوله ..).وكان يقول:( من فطر صائما فله مثل أجره من غير ان تنقص من اجر الصائم شيء). ويقول:(ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان فيقول احدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر :اللهم أعط ممسكا تلفا)رواه البخاري.انه عنوان الإيمان الصادق وبرهانه الساطع . وإنفاق المال ليس هو الصورة الوحيدة للجود والكرم فهناك جود بغير المال وهو نوعان : احدهما : إحسان إلى الخلق كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع وإقراء القرآن والدعاء للمسلمين والاستغفار لهم وإزالة الأذى عنهم والتبسم في وجوههم . وفي الحديث :(تبسمك في وجه أخيك صدقة ،وأمرك بالمعروف صدقة ،ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في ارض الضلال لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة) أخرجه الترمذي. النوع الثاني من الصدقة غير المالية: ما نفعه قاصر على فاعله ،كأنواع الذكر من التكبير والتحميد والتهليل والاستغفار والمشي إلى المساجد). أخي الصائم إننا في زمن دأب فيه الناس على نسيان من حولهم ولا يأبهون بحاجياتهم ، وهذا من قبيل الشح والبخل الذي حذرنا الله تعالى منه،ونحن أحوج ما نكون إلى فضائل الجود وثمراته،من تطهير للنفس واتقاء للشح وإدراك لقيمة المال. فاللهم جد علينا بجودك، واشملنا بعفوك ،واجعلنا من المقبولين عندك آمين .والحمد لله رب العلمين.