في أول آية نزلت بشأن وجوب الصيام ،يوضح الله عز وجل غاية الصوم وحكمته التي لا ينبغي أن تغيب عن أي مسلم ومسلمة ،وذلك في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات )البقرة 138. هكذا ليكون شعار المسلم وهدفه في كل يوم من رمضان أن يحقق هذه الغاية بكل تجلياتها النفسية والعملية في النفس والمجتمع. فشهر رمضان مدرسة ودروس ،دروسه الحكم والأحكام ، وأقسامه أيامه ولياليه ،ومخرجاته قيم وسلوكيات معبر عنها في الآية الكريمة بقوله: (لعلكم تتقون )وشهادته العليا هي مغفرة الذنوب والعتق من النار. فالصيام هو ميدان التسابق والتدريب إلى مراتب التقوى،والمتقون يغتنمون أيامه ولياليه للاستزادة منها، فمن مخرجات هذه المدرسة أن يبلغ الصائم غاية التقوى وهي الوقاية والبعد عن الأسباب المؤدية الى عذاب الله والتقرب أكثر من أسباب النجاة . والتقوى الكاملة يدخل فيها فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات ،قال عمر بن عبد العزيز : "ليس التقوى بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط بين ذلك ،ولكن تقوى الله :ترك ما حرم الله ،وأداء ما افترضه". وإذا كان شهر رمضان ميدانا فسيحا لكل أنواع الطاعات وأصناف العبادات،فلان هذه الأعمال مما ينبغي أن يستقر ويستمر في حياة المسلم في كل عصر ووقت،في رمضان أو في غيره، لتعبر فعليا عن قيمة التقوى التي هي في وجوهرها شعور وإحساس ومزيج من الخوف والرجاء ،والرغبة والرهبة والخشية ، والمراقبة الدائمة للنفس، وحمايتها من التهلكة بالمعاصي والمنكرات وتضييع الواجبات . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : التقوى ها هنا ، وأشار إلى صدره .لكن لها أثر على الجوارح إذا استقرّت في القلب .ا كما ان لإيمان له حقيقة ، وله ثمار ، وحقيقته ما وَقَرَ في القلبِ ، وصدّقه العمل ، وما عدا ذلك فدعاوى لا مستند لها . اخي الصائم،اختي الصائمة، تعالوا نستحضر بعض تجليات التقوى علها تحيي فينا الرغبة في تحقيق هذه الغاية : 1. قال ميمون بن مهران : المتقي اشد محاسبة للنفس من الشريك الشيح لشريكه). 2. وسئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى فقال للسائل: هل أخذت طريقا ذا شوك؟قال نعم،قال فماذا تصنع؟قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه،قال ذاك التقوى). اذن"فالتقوى هي مقصود الصيام وغايته إذ يربي في الإنسان تلك الرقابة الذاتية؛ فينبعث في الفعل والترك من إحساسه العميق بأن الله معه على الدوام يحصي دقات قلبه وأنفاسه، ويعلم كل شاردة وواردة،- وبذلك تشع تقوى صيام النهار لتنير دجى الليل البهيم، وتصهر حرارة تقوى الصيام جليد الجرأة على المعصية في الخلوات، وتلقى أشجار التقوى الباسقة في قلب الصائم ظلالها الوارفة على صحراء الهوى وهجير الشهوات". فإذا كان يوم صوم احدنا فليكن أثره في أنفسا واضحا بدوام المحاسبة ، وبتجنب أشواك الحياة وشهواتها وما أصعب الانتصار على النفس وشهواتها ان لم نتسلح بسلاح التقوى. فاللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف الغنى عن الناس ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة .. آمين.