الجزء 5: في خضم تسيد "سياسة الصاع صاعين" من طرف الجانبين (الجزائر والمغرب)، خصوصا الجزائر التي لم يتأت لها إخضاع المغرب لمخططها في الصحراء، إلا أن إيمانها بذلك ممكن في 30 سنة المقبلة، كما أن فرصة تواجد "أثنار" على رأس الحكومة السالفة في اسبانيا كانت ذهبية لمحاصرة المغرب، نموذج أزمة "جزيرة ليلى". في هذا الخضم إذن يسعى كل طرف إلى التسابق نحو الغرب، فبعد جولة الملك "محمد السادس" بدول أمريكا اللاتينية في سنة 2005، قام الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" رفقة رئيس جبهة البوليساريو "محمد عبد العزيز المراكشي" بجولة تكتيكية في تلك القارة، كما سعت الجزائر إلى محو حظوة المغرب التي غنمها في اسبانيا وفرنسا والاتحاد الاروبي والولايات المتحدة والى إقصائه من الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي في 2004 ومن مجموعة 5+5 بمراكش، كما تردد الجزائر طيلة السنوات بعد أحداث 11 شتنبر 2011 حجة أن الجزائر كانت سباقة لمحاربة الإرهاب الإسلامي، إضافة إلى انعقاد ثلاث لقاءات بين الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" و الرئيس الأمريكي أنذاك "جورج بوش الإبن"، وكذا مشاركة الجزائر في المناورات الحربية مع "الحلف الأطلسي". يتضح بجلاء رغبة الجزائر في التسابق مع المغرب بل التربص به، خصوصا بملف الصحراء، وتزامنا مع اقتراح المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء "بيكر" للاتفاق الإطار نددت الجزائر بشدة في 22/12/2001 باختيار المغرب وصحرائه كممر للحاق دكار الدولي، مما أدى إلى تنقيل ممر اللحاق إلى بعض دول أمريكا اللاتينية بحجة تواجد مجموعات إرهابية في المناطق المجاورة لمرور اللحاق. ويرى الخبراء بأن هذا التنقيل سبب إزعاجا غير محسوب للجزائر بداعي أن المجموعة الإرهابية المتواجدة في منطقة الصحراء هي "جبهة البوليزاريو"، ومن جهة أخرى تضررت صورة المغرب في شقها الأمني بداعي أن الصحراء يشوبها بعض من الاضطراب الأمني، وهذا ما سيكلفه ثمنا باهظا، خصوصا في الميدانين السياحي والاستثماري. كما لوحت الجزائر بفكرة "تقسيم الصحراء" كبديل عن "الاتفاق الإطار"، إلا انه سرعان ما عادت ريم (الجزائر) إلى عادتها القديمة والمتمثلة في الدفاع عن مبدأ "تقرير المصير" أي "الاستفتاء"، وهذا ما جاء في رسالة الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنذاك "كوفي عنان" في 02/08/2003 والتي استغلها المغرب ليعقب عليها وموضحا مدى تناقض الجزائر في مواقفها، حيث أنها تعبر صراحة عن أنها "طرف معني وفاعل هام وطرف أساسي في ملف الصحراء". كما تقدمت الجزائر بمشروع في دورة 2004 إلى اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وشاركتها في احتضانه 40 دولة، وأثناء التصويت الذي شاركت فيه 145 دولة لم يحظ المشروع سوى ب 24 صوتا وامتنعت 89 دولة، فيما غادر الباقون القاعة. عربيا، عجزت الجزائر عن اختراق مؤسسات الجامعة العربية فيما يخص "ملف الصحراء"، إذ حاولت إقصاء "مدينة العيون" من المكتب التنفيذي لإتحاد المدن العربية ففشلت، إذ حظيت "مدينة العيون" بمنصب نائب الرئيس إلى جانب الرباط ومراكش. كما تفردت الجزائر في كيفية تغطيتها لأحداث العنف في شهر ماي 2005 بالعيون، حيث وصفتها بأنها "انتفاضة للشعب الصحراوي ضد قوات الاحتلال المغربي". بدلا من أن تتجاوب الجزائر مع المرونة المغربية فهي تعمل في السنوات الأخيرة على تصعيد التوتر رغم تبادل الزيارات بين وزراء البلدين والإفراج عن الأسرى المغاربة المعتقلين في "تندوف". فكانت النتائج هي التأخيرات المتكررة لعقد مجلس الاتحاد المغاربي بكل من الرباطوالجزائر. إلا أن القطرة التي أفاضت الكأس هي تصريح الجنرال الجزائري المتقاعد "خالد نزار" لجريدة "لاكازيط" المغربية في 10/03/2003، ومفاده أن "الجزائر ليست في حاجة إلى نشوء دولة جديدة في حدودها". كما أكد هذا الجنرال في جريدة "لاغيبيبليك" بأن "الجيش ليس هو من يعرقل تسوية مسألة الصحراء"، فاتهمته الصحافة الجزائرية بمس شرف الجزائر وكرامتها، وبوقوعه في فخ المخابرات المغربية والفرنسية. وفي 27/02/2002 تقمص الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" شخصية "دونكيخوط" الإسبانية الشهيرة وذلك بزيارته للجمهورية الصحراوية في مخيمات تندوف ومكررا هناك مقولات "تقرير المصير" و "الشرعية الدولية". بدوره أقدم المغرب مناورا على إلغاء التأشيرة بين البلدين في 30/07/2004، فاستنكرت الجزائر هذا السلوك الصادر من جهة واحدة، فنظمت أسبوعا للتضامن مع "الشعب الصحراوي" واستقبلت بشكل رسمي رئيس "البوليساريو". وتماشيا مع نهج التصعيد حل السيد "البجاوي" فقيه نظرية "الأرض الخلاء" في وزارة الخارجية وحل في الدفاع كوزير منتدب "عبد المالك اقنايزية" وهو من أكبر المناهضين للتطبيع مع المغرب. تناور الجزائر إذن من كل الجبهات بهدف إخضاع المغرب لمخططها، هذا الأخير يراهن بدوره على مسايرة منطق التعاون وحسن الجوار في نطاق الاتحاد المغاربي ولم يبق لجزائر "عبد العزيز بوتفليقة" سوى تجريب ورقتي "جبهة البوليساريو" في الصحراء و "فاتورة النفط".