المغرب السياسي على صفيح ساخن.. والمغرب الشعبي يدخل لأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية غمار "اللعبة" السياسية من أبوابها الواسعة، ويبدي اهتماما استثنائيا للرائج في حلبة السياسة من تدافعات، ومشاحنات، وتهديدات، و"سياسويات" يتولى كِبرها من ائتمنهم الشعب والوطن على مصير هذا البلد، و منحهم صوته وثقته، وقلدهم مسؤولية انتشال وضعه المأزوم من عقابيل الأزمة المهلكة التي أخذت تطل على ربوعه العامرة.. لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي ينخرط عموم المغاربة، في النقاش السياسي الدائر في حلبة الصراع بين الحليفين /الخصمين في الائتلاف الحكومي: الاستقلال والعدالة والتنمية، والذي أبان – بالملموس- عن انتهازية الساسة المغاربة، وقدرتهم على التضحية بكل شيء بما في ذلك "مصلحة البلاد العليا" من أجل المنصب والكرسي !. لأول مرة ينبري "محللون سياسيون" من عامة الشعب المغربي، يتحدثون في المقاهي والأزقة والأسواق وسيارات الأجرة وخلال المناسبات العائلية،... عن الوضع السياسي الجديد، و"المأزق" الدستوري( !) الذي خلفه "قرار" الانسحاب من الحكومة الذي اتخذه حزب الاستقلال الحليف الحكومي لحزب العدالة والتنمية، الذي ظل السيد ابن كيران يعتبره، منذ ثمانينات القرن الماضي، الحليف الاستراتيجي المحتمل لأي تشكيل حكومي أو مشاركة سياسية. وظل يُمَنِّي نفسه وإخوانه بالتحالف مع هذا الحزب ذي المرجعية "الإسلامية" –زَعَمَ- !، والأقرب إلى مرجعية "الإخوان".. !!! لقد قرر هذا الحزب الثاني في الأغلبية الحكومية أن يخلق المفاجأة، ويعلن –في محاولة "لتقطير الشمع" على شعبية الحزب الحاكم وأمينه العام- أنه أصبح في حِلٍّ من كل التزام حكومي، ومشاركة سياسية مع أغلبية أزكمت ريحها الأنوف، وتحولت قراراتها وَبَالاً على الشعب المغربي الكادح، في محاولة لتقديم "النفس الطاهرة" لحزب علال، فوق كل الشبهات، وبعيدا عن كل تهمة، وب"سنطيحة" غير مسبوقة في الخضم السياسي للمغرب الحديث. وكأن هذا الحزب قد أتى من الشارع الشعبي إلى الحكومة مباشرة حيث اكتشف "المؤامرة" التي تحاك ضد هذا الشعب الكادح من صناديد الحكم الجدد، ولم يكن –أبدا وَقَطُّ- شريكا رئيسا في التدبير السيء للشأن العمومي خلال سِنِّي مشاركاته في الحكومات اللاشعبية التي تواطأت على كرامة الشعب المغربي وحقوقه وخبزه اليومي. وكأنه لم يكن-كذلك- المسؤول المباشر على المرحلة التي سبقت الربيع الشعبي العشريني، الذي رفع شعار إسقاط الحكومة جنبا إلى جنب مع شعار إسقاط الفساد والاستبداد !!!. لقد أحدث "قرار" حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة ضجة سياسية وإعلامية غير مسبوقة، دفعت بالمغاربة، لأول مرة في تاريخ السياسة المغربية، إلى خضم الجدال السياسي والدستوري. وأصبح العامة يتجرؤون على معالجة هذا الشأن الخاص، الذي ظل "حِكْراً" على أساتذة العلوم السياسية وفقهاء القانون الدستوري، في صفاقة و"قلة حياء"غير مسبوقيْن. أما عامة الطبقة المتعلمة فلا تكاد تتوقف عن تقديم التحليلات والاستنتاجات والقراءات والتعليقات والسيناريوهات الممكنة والمستحيلة، سواء !!، لما بعد الانسحاب المحتمل، وكأننا أمام حملة وطنية كبرى لتقييم هذا الانسحاب/البقاء( !)، والوقوف عند تداعياته على الشأن العمومي !. ففي الوقت الذي يتوقف عقلاء السياسة ومختصو الفقه الدستوري والقانوني، عند حدود النازلة، ويقرأونها القراءة القانونية والدستورية وحتى السياسية العليمة والعاقلة، ويخلصون إلى أن هذه النازلة لا تعدو أن تكون أزمة حكومية داخلية، ذات طابع سياسي صرف، أحدثها الصراع المفتعل لمُكَوِّن أغلبي لم تتقاطع أجنداته السياسية مع أجندات الحزب الحاكم؛ حتى تُعَدَّ أزمة دستورية تستدعي تفعيل الفصل 42 من الدستور المغربي وغيره وو...؛ ينخرط رعاع المثقفين والمتعلمين والعامة في حملة وطنية للشرح والتحليل وإبداء الرأي وتشكيل تجاعيد الأزمة التي ستحل على البلاد والعباد ووو... في إخفاء لا شعوري ل"فوبيا" المستقبل المظلم الذي ينتظر المغاربة. وكأننا أمام محاولات "الإنسان المقهور" اقتحام "مرحلة التمرد والمجابهة" بعد تخلصه من مرحلتَيِ "القهر" و"الاضطهاد" !!.(على حَدِّ تنميط الدكتور مصطفى حجازي لمراحل الوجود المتخلف في كتابه:"التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور". ص: من 41 إلى 58). فلا غرو في ذلك، فأغلب الساسة المغاربة يسمون هذا التدبير العمومي "لعبة سياسية"، ويعدون الخوض فيه ممارسة ل"لعبة". ولقد صدقوا !. فحينما يتطفل على السياسة كل من هب ودب، ويلج غمارها الفاشلون، والأميون، والانتهازيون، وأصحاب "الشكارة"،... ثم تُصدر الهيئات السياسية"المحترمة جدا"، القرار وخلافه، في ذات الآن !!؟؟؛ فلا تنتظر من المواطن العامي، فضلا عن المتعلم، أن يستمر في تلقي التوجيهات والقرارات و النصائح مِمَّنْ هذه أخلاقهم، ولا يَقْدُمُ على الإدلاء برأيه في هذه "اللعبة" وفي "لاعبيها"، تماما، كما يدلي، من لا يتقن مداعبة كرة القدم، برأيه في لَعِب لاعب، أو خطة مدرب !!!. لقد أصبحت السياسة- للأسف الكبير- مشاعا بين عامة الناس فضلا عن خاصتهم، يدلي الجميع في شؤونها، ويتطفل الكل على ولوج سراديبها المظلمة، بعد أن أفقدها، حُرْمَتَها العلمية، من لا خلاق لهم ولا علم، وحولوها إلى "لعبة" تبعث على الفرجة، و"تشجع" على الممارسة، والاقتحام !...