قليلون هم من تناولوا بالقلم موضوع معركة أيت باها 20 مارس 1936 و كثيرون هم من تناسوْا أحداثها ووقائعها، وبين هؤلاء ترسخ لدى فئة قليلة وعي بضرورة نبش الذاكرة الجماعية لمنطقة قبائل أيت باها، فهذا الوعي يستلزم قراءة ما كُتِبَ في هذا المجال و استشراف لما سيُكْتَبُ من خلال مساءلة الرواية الشفوية و استقراء الأبيات الشعرية الحاملة لمضامين التضحية و نكران الذات في سبيل الوطن واستقلاله. ومساءلة الرواية الشفوية و استقراء رصيد المعركة من الموروث الثقافي لن يتأتّى إلا من خلال العمل على ترسيخ الوعي بأهمية البعد التاريخي في حياة الأفراد و الجماعات والعمل كذلك على تحصين المكتسبات وشجب كل عمل يمس بالموروث الثقافي المادي للمنطقة، فبالأمس القريب (سنوات (90) ) قامت السلطات بهدم أسوار و أبراج مدينة بيوكرى التاريخية، و هو نفس المنوال الذي تنهجه سلطات مدينة أيت باها في حق مآثرها التاريخية. مما يحتّم علينا العمل على إنجاز أبحاث ميدانية تهم المنطقة بصفة عامة و معركة أيت باها بصفة خاصة (إحصاء أسماء المشاركين، تدوين الروايات الشفوية...إلخ) والعمل كل في موقعه وحسب استطاعته على التعريف برموز المقاومة لمنطقة أيت باها. فإذا كان التاريخ عبارة عن سجل لما رآه عصر يستحق الذكر في عصر آخر – كما قال بوركار- فإنه بالتالي اختيار إرادي لأحداث يراها الدارس أهم من غيرها، فاختياري للأحداث التاريخية لمنطقة أيت باها -معتمدا في ذلك على الرواية الشفوية- اختيار إرادي لأننا كما عبر عن ذلك المؤرخ الكبير علي صدقي أزايكو في حاجة إلى من يدرك وضعيتنا ويفهم حاضرنا فهما عميقا حتى يكون انطلاقه مبنيا على أسس سليمة، وفهمنا لحاضرنا لا يأتي إلا بعد فهم عميق لماضينا الذي لا يمكن بأي حال فصله عن هذا الحاضر، فالتاريخ جزء من الحاضر و الحوار أبدا لا ينتهي بين الماضي و الحاضر. والانطلاق من الاهتمام بتاريخ منطقة بعينها دون الأخرى فيه قصد و تعمد لأن الدارس لهذه الأحداث التاريخية بعمله ذاك يضع لبنة قد يضع الآخر أخرى لبناء شامل لتاريخنا الوطني. إن الحديث عن معركة أيت باها يدخل في السياق التاريخي للمنطقة عموما، وفي غياب للمادة التاريخية الكافية يصعب التوفيق في الإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، ورغم ذلك فالدارس للأحداث التاريخية و بالخصوص تاريخ الهامش سيلمس زخما كبيرا من المعلومات حول هذه الواقعة –كما يسميها المختار السوسي- انطلاقا من الرواية الشفوية و الأشعار الحماسية وغيرها التي لم يبقى من حافظيها إلا القليل. وفيما يلي ملخص أحداث معركة أيت باها 20 مارس 1936 حيث اعتمدتُ في سرده على الرواية الشفوية و على ما كتبه العلامة المختار السوسي في كتابه ("المعسول" الجزء 17 ص 261-263 ) و كذلك على ما تناولته بعض الابيات الشعرية. قاد معركة أيت باها مجموعة من رجالات المنطقة الذين رفضوا الاحتلال و سلوكاته، فعبئوا الساكنة لمحاربته، فكانوا في بداية الأمر سبعة رجالات يتقدمهم كل من: الفقيه الحسن بن الطيب البوشواري و الشيخ براهيم ن سي حماد أمزال و الشيخ الحوس أوعمر الودريمي. فكانوا يقومون باجتماعاتهم بادئ الامر لدى الفقيه المذكور الذي بدوره بدأ في دعوة زائريه بضرورة الجهاد ضد المحتل، فقد كان عدد الوافدين إليه في تزايد و انتشرت أخباره في ربوع القبائل، الشيء الذي جعل السلطات الاستعمارية تستدعيه إلى مركز تنالت حيث اتضح لها بعد استجواب طويل انه لا يشكل أي خطر على مصالحها، وبذلك أهملت سلطات الاستعمار أمره و بدأت لا تعير أي اهتمام لما يصلها من أخبار حول هذا الفقيه. و في يوم الجمعة 25 ذي الحجة 1354 ه الموافق ل 20 مارس 1936 اجتمع قرابة 100 شخص لدى الفقيه بدّوزمّور بأيت واغزن و خطب فيهم خطبة بليغة استشهد فيها بالعديد من الايات القرآنية التي تناولت موضوع الجهاد في سبيل الله واعدا إياهم بالجنة لمن استشهد في سبيل الله وفي المقابل العذاب الأليم لمن لم يشارك في الجهاد ، و بعد صلاة الجمعة تفرق الجمْع كل إلى قبيلته استعدادا للمعركة التي ستنطلق من ضريح سيدي عبلا أوسلميان على بعد ثلاثة كيلومترات من مكتب القوات الاستعمارية بمركز أيت باها. وبالفعل و عند غروب شمس ذات اليوم تجمع أزيد من 500 مجاهد بالمكان المحدد وصلّوا صلاة المغرب جماعة فتوجهوا مباشرة بعد ذلك صوب مكتب القوات الاستعمارية في ثلاث فرق، كل فرقة هاجمت احد الابواب الثلاثة للبيرو ( كما يسميه السكان المحليين)، و كانت خطتهم ترتكز أساسا على الاستيلاء على مخزن السلاح و استعماله فور الوصول إليه. لقد نجحوا في اقتحام الابواب الثلاثة للبناية الاستعمارية لكنهم لم ينجحوا في الوصول إلى مخزن السلاح بسبب خيانة غادرة من طرف أحد شيوخ الاستعمار الذي وقف سدا منيعا أمامهم وبدا يطلق الرصاص على إخوانه و قتل منهم 11 (وقيل 15 ) في تلك الأثناء، الشيء الذي أتاح الفرصة لبقية العسكريين المتواجدين بعين المكان للتسلح و مهاجمة المقاومين الذين نفذوا خطتهم بدون أسلحة تذكر اللهم بعض البنادق القديمة وبعض الأسلحة البيضاء. وقبل فجر ذلك اليوم عجّ المكان بتعزيزات عسكرية قادمة من أكادير و تيزنيت حيث طوقوا المكان و بدؤوا في اعتقال الناس و انتشروا في المداشر و القبائل بحثا عن المشاركين في هذا الفعل الوطني. و بدؤوا في تنفيذ أحكامهم الانتقامية في حق المواطنين العزل حيث سقط عدد كبير من القتلى في صفوف المقاومين ( 172 شهيد). وتم القبض على عدد كبير من المقاومين حوالي ( 450 ) ولفّقت لهم أحكام سجنية متفاوتة بين السجن المؤبد و السجن المحدد و الأعمال الشاقة بالطرقات، بالإضافة إلى تدمير بيوت قادة المعركة ( حوالي 26 بيتا) وتم سلب ونهب عدد لا يحصى من البيوت، في حين تم نفي أسر المشاركين و تفريقها عبر القبائل وتمّ منع السكان من زيارة الزوايا، كما عمل أعوان الاستعمار على تجميع الأسلحة التقليدية المتوفرة لدى القبائل من بنادق تقليدية و خناجر فضية. أما قادة المعركة فقد أعدموا رميا بالرصاص كما هو حال الفقيه الحسن بن الطيب البوشواري و الشيخ براهيم ن سي حماد امزال، هذا الثنائي أمرت سلطات الاستعمار بدفنهم في قبر واحد و بعيدا عن مقبرة المسلمين، أما الشيخ الحوس أوعمر الودريمي فقد تم إغراقه في مطفية بعد أن تم القبض عليه بايت باعمران. منذ تلك الاحداث التي عبرت عن روح وطنية عالية، وسلطات الاستعمار فتحت أعينها بترقب شديد و يقظة في سائر قبائل أيت باها. وعملت على ترسيخ صورة مشوشة على اولئك المقاومين من خلال نشر الإشاعات المغرضة في حقهم. وبقي وضع أولئك على حاله بعد الاستقلال إلى يومنا هذا دون أدنى اعتراف بما قدّموه في سبيل الوطن واستقلاله. فإلى متى سننسى جميل هؤلاء؟ ألم يحن الوقت بعد لإنصافهم وأخذ بيد أراملهم و ذويهم؟ ألا يستحق هؤلاء أن تحمل شوارع وساحات مدن المنطقة أسماءهم؟ فإلى متى سنعتمد على الآخر في كتابة تاريخنا المحلي؟ و أي موقع لهذه المعركة في التاريخ الرسمي المدرس؟ وإلى متى سنبقى رهائن التاريخ الرسمي الذي يمجد الآخر و يحتقر الذات؟ طالب باحث ماستر اللغة و الثقافة الأمازيغيتين جامعة محمد الخامس – أكدال- الرباط Email : [email protected]