إذا تتبعت قارئنا الكريم ما ينشر حول مدينة وزان في الجرائد الورقية و الإلكترونية و الصفحات و الحسابات و المجموعات العنكبوتية ، تصاب بهلع شديد ، جراء ما أصاب المدينة المقدسة وزان عاصمة مملكة الأرواح من فساد و إقساد طال كل مناحي الحياة و شمل كل الشرائج الاجتماعية بلا استثناء ، و لم يسلم مما أصاب المدينة من وباء وبيل سوى القلة القليلة بلطف رباني . يرجع تاريخ مدينة وزان إلى قرون سحيقة خلت ، حيث اختلف المؤرخون في شأنها في سبب تسميتها بهذا الإسم المميز "وزان" ، لكن الراجح منطقيا و واقعيا بناء على ما قام به شيوخ الزاوية و مؤسسها مولاي عبدالله الشريف ، أن إسمها مشتق من الميزان ، ميزان تواترت الروايات أنه لشخص كان يقف في باب المدينة سوق و معه ميزان نادر يزن به البضائع و ما حملته أيدي المزارعين من خيرات ، عرفت بها المنطقة دون غيرها لكثرتها و جودتها . و على صعيد العلم و التصوف و السلوك إلى الله ، فيستحيي المرء من أن يقارن تلك الحقب التاريخية الطويلة الأمد التي سطع فيها نجم المدينة بين مدن و عواصم عالمية و عربية و إسلامية ، تحفيظا و تعلما و تسليكا و رباطا و رقيا أخلاقيا ، لأننا نوجد في مرحلة ضمر فيها كل ذلك النور و خبت فيها كل تلك الإشراقات ، بسبب تطفل قوم على ما هو أعظم منهم و على ما لا يليق بهم البتة ، و هم أدرى من غيرهم بعدم أهليتهم للنطق باسم وزان و لا بحمل ما حمله آل وزان للعالمين ، و هم أدرى أيضا بأنهم ليسو لأمانة مولاي عبدالله الشريف و خلفه أهلا و لا استطاعة لهم أن يظهروا لا سرا و لا علنا بمظهر أهل الله و خاصته من عظماء وزان ، و نستثني من آل وزان النزر القليل ممن هم لازالوا على عهد الأجداد ، و هم مهمشون على كل حال من طرف الذين سطوا على السطح كقشور خاوية فوق الماء . حينما تمر بدروب وزان و بشوارعها ، أو تستوقفك أطوار جولتك أمام بيوت الله العتيقة و الحديثة ، لا تكاد تسمح لترتيل القرآن الكريم صوتا ، لا شباب و لا أطفال و لا حتى "مسيد" لازالت المدينة تحتفظ به كتراث منه انبثقت الأنوار المحمدية و فيه تربت الرجال صاحبة الفهوم اللدنية الدنيوية و الأخروية ، و بالكاد نجد مسيدا هنا أو هناك يبعد عن الآخر أميالا تمحو عن ذهنك صورة المدينة القرآنية المحمدية . و أما على صعيد التصوف و مسلك طريق المعرفة بالله ، فلا تسمع أيضا ولا ترى للمريدين عددا ولا أثرا ، و إن ظهر لك ذلك في مواسم و أعياد إنما يكون فقط سحابات صيف "معبرة" عابرة ، معبرة عن سخطها العميق الصامت على محدودية دور الزاوية الوزانية في الدلالة على الله و في الأخذ بيد عباد الله و إيصالهم إلى الله ، يقول محدثنا في هذا الشأن " فاقد الشئ لا يعطي" ، مستطردا بالقول ، و كيف تتكاثر أعداد المريدين و تتظم و تزخر الزاوية ، و أهلها عن الله غافلون و على الدنيا مقبلون و في بحر الشنآن و الصراعات منغمسون ، أنى لهم يقول أن يعيدوا لزاوية أسلافهم أمجادها و هو لا يفقهون من أبجديات التصوف و الدلالة على الله إلا المظاهر ، جلابيب حبة و صوف و عمامات قصار و طوال و سبحة غليضة و أخرى رقيقة و غيرها من الشكليات التي "تجوع" و لا "تغذي" ، تنفر و لا تجذب . ماذا بقي من وزان في مجال الصنائع و الحرف و الأعمال اليدوية التي كان أحد شيوخ الزاوية سببا في استجلابها للمدينة ؟ هنا لابد من الإفصاح عن أرقام حقيقية ، فيما يخص عدد الصناع و أنواع الصنائع و الحرف ، إلى إلى غير ذلك مما له بالموضوع اتصال ، كأعداد العاطلين و المشردين ، الذين لو وجدوا من بقايا للرفاه التجاري و الصناعي للمدينة لما رأيناهم على الحالة التي هم فيها الآن . وزان "دار الضمانة" و الأمانة ، التي وصفت عن جدارة و استحقاق بهذا الوصف العظيم ، لجأ إليها الفارون و المتهمون بالتمرد و الملاحقون من طرف السلاطين و طالبو اللجوء السياسي و الجوعى و الضمآى و من هم بلا مأوى ، فآوتهم و أطعمتهم و ضمنت لهم الأمن و الأمان و وفرت لهم ظروف العيش الكريم ، و أما الآن يا للمهزلة فإن أحفاد مولاي عبدالله الشريف المستحقين في أجدادهم كل ما ورث عنهم رضي الله عنهم فإن أبناء الدار يبيتون في الفنادق عندما يزورن رموزهم و أجدادهم أو يستضافون من طرف قريب صديق ، بسبب استيلاء من لا ضمير له على كل ما يتصل بممتلكات مولاي عبدالله الشريف و أحفاده و زاويته . و فيما يخص الدعارة فأستحيي الخوض في الموضوع ، لأن له علاقة وطيدة بدور الزاوية "الأم" و بدور المجتمع المدني و السلطة و المجالس المنتخبة ، و بالاختصار المخل ، فإن تراجع المدينة المخيف على كل المستويات يعتبر وصمة عار في جبين الذين يحكموننا مركزيا ، و في جبين الذين يقودون الزاوية الوزانية تحديدا ، على اعتبار ألا أحد حكم وزان و أدار شأنها الداخلي على مر الزمان سوى مشايخ زاويتها ، بل هم من كان يشير على الحاكم أن يقوم بكذا أو بألا يفعل كذا و كذا ، بسبب ما كانوا يتمتعون به من قوة الشخصية و من مصداقية و قبول لدى الخاص و العام ، و بما كان لهم من يد التأثير المباشر على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و القيمي ، و أما الآن فالأفضل أن نسكت إلى حين "أن يجرنا من يعنيه الأمر لنتكلم بصوت رصاصي يخترق القلوب فضلا عن الآذان" . وزان ، أيتها المدينة المغبونة المهشمة المهمشة ، المهجر أهلها ، و المفقر أكثرها ، لقد أرداك قتيلة شهيدة ، ذووك و من يحكمنا ، لقد أمعنوا في قتلك و في إبعادك عن مسرح الحياة ، الحياة التي أنت كنت السباقة لبعث الروح في شرايينها لدى أبناءك و أبناء الوطن و أبناء كثر خارج الوطن .