لم يستسلم المجاهد الخطابي إلا بعدما تحالفت ضده القوى الاستعمارية الصلبية في مقدمتها فرنسا و إسبانيا ، إنه المجاهد المغربي الفريد من نوعه ، لقب بأسد الريف، لأنه قاد الثورة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي، وأوقع في جنود الإسبان هزيمة ساحقة في معركة أنوال يوم 22 يوليو/تموز 1921. ولد محمد بن عبد الكريم الخطابي عام 1882 في بلدة أجدير بالقرب من مدينة الحسيمة شمال المغرب. الدراسة والتكوين : حفظ القرآن في سن مبكرة، ثم أرسله والده إلى جامعة القرويين في مدينة فاس لدراسة العلوم الشرعية واللغوية. بعد تخرجه عمل في تحرير جريدة "تلغراف الريف" بمدينة "مليلية" بالموازاة مع عمله في القضاء الشرعي، مما ساهم في تكوين شخصيته السياسية والقيادية. الوظائف والمسؤوليات : بعد تخرجه في جامعة القرويين عاد المجاهد الخطابي وفق الجزير إلى مدينة مليلية وعمل معلما ثم قاضيا، ثم قاضيا للقضاة عام 1914، وبعد وفاة والده تولى زعامة قبيلة بني ورياغل. التجربة السياسية: بعد فرض إسبانيا نظام الحماية على شمال المغرب، رفض والد الخطابي الخضوع للإسبان، فعزلت إسبانيا الخطابي الابن عن القضاء وسجنته نحو سنة. ولما أطلق سراحه وجد أباه يعد لمقاومة الاستعمار الإسباني لكن الموت عاجله عام 1920، فخلفه -وهو في التاسعة والثلاثين- في زعامة القبيلة وإكمال ما بدأه، وقد استطاع رجاله مهاجمة المواقع التي احتلها الإسبان ومحاصرتها. وقد أوقع الخطابي بالإسبان هزيمة تاريخية في معركة أنوال يوم 22 يوليو/تموز 1921، حيث قتل 15 ألف جندي إسباني على رأسهم قائدهم الجنرال "سلفستر"، كما أسر 570 جنديا. فانسحب الاستعمار من منطقة الريف وأجبرت القوات الإسبانية على مغادرة إقليم جبالة كله والتراجع إلى السواحل. وأعلن الخطابي حكومة خاصة بمنطقة الريف في 18 سبتمبر/أيلول 1921 دون التنكر لسلطان المغرب. وحول رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي وسعى إلى تنظيم الإدارة المدنية ووضع دستور وتشكيل مجلس عام (جمعية الوطنية)، مسطرا أهداف حكومته في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق المحتلة، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول. انزعج الاستعمار الفرنسي من الواقع الجديد في منطقة الريف فقرر التدخل لمصلحة الإسبان، لخشيته من أن يكون نجاح ثورة الخطابي بمثابة وقود للمغاربة في باقي المناطق وللثورات في شمال أفريقيا كلها ضد الاستعمار. وقد قاوم الخطابي العمليات العسكرية للفرنسيين والإسبان ببسالة وقوة، فاستعانوا بإمدادات عسكرية هائلة وحاصروه وأنهكوه بالقنابل غير التقليدية، فاستسلم عام 1926 خوفا من سقوط مزيد من الشهداء واستمرار القتل. بعد ذلك أعلن عن تخليه عن مشروع جمهورية الريف ونادى باستقلال كامل التراب المغربي، فنفاه الاحتلال الفرنسي مع عائلته وبعض أتباعه إلى جزيرة "لارينيون" النائية في المحيط الهندي. وبعد عشرين عاما وفي سنة 1947 تقرر نقله إلى فرنسا، وأثناء نقله توقفت الباخرة في ميناء بورسعيد المصري واستطاع بعض المغاربة زيارته، واقترحوا عليه طلب اللجوء السياسي من الملك فاروق الذي استجاب له رغم احتجاج السفير الفرنسي بمصر. بقي في مصر مع عمه عبد السلام وعائلاتهم حتى وفاته، وفي القاهرة استأنف المقاومة وساند -عبر راديو "صوت العرب"- الحركات التحررية في شمال أفريقيا وباقي الدول العربية والإسلامية. وأسس عام 1947 مع ثلة من أبناء المغرب العربي لجنة "تحرير المغرب العربي" وتولى رئاستها، وتعرف على الإمام حسن البنا وعدد من رجالات مصر ورجال المقاومة من دول عربية وإسلامية. الوفاة : توفي عبد الكريم الخطابي حسب نفس المصدر في الأول من رمضان 1382 للهجرة الموافق 6 فبراير/شباط 1963 بالقاهرة ودفن فيها في مقبرة الشهداء.