نتيجة للتعاون بين علماء الآثار والتاريخ، وبعد فك لغز اللغة المسمارية، أدرك الباحثون ان كهنة معبد “وادي شمش” في بلاد ما بن الرفدين قد زوروا، في النصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد، أحداثا معينة، وكتبوها على أحد نصبهم، في سبيل منح أنفسهم ثمانية قرون من التواجد، و نجحوا، حتى وقت قصير، في زيادة حصة مؤسستهم الملكية في الحكم. وفي فترة متقاربة، غزا الهكسوس مصر- وهم شعوب بدوية آسيوية من أصول مختلفة- وحكموا مناطق في مصر لمدة 100عام تقريبا، ولكن بعد طردهم من الدلتا، تمكن الفراعنة اللاحقون من طمس آثارهم ومتبقياتهم وتاريخهم بأكمله، وتجاهلتهم مدونات الفراعنة، لدرجة أن الهكسوس، حتى الآن، ما يزالون لغزا غير مكتمل الحلول لدى الباحثن والمؤرخين وعلماء الآثار. وفي عام 213 قبل الميلاد أمر الإمبرطور الصيني(هو نغ دي) أن تتلف جميع الكتب الموجودة في مملكته، وأن يبدأ تدوين التاريخ من يوم جلوسه على العرش. وفي التاريخ الحديث، أدعى وزير الدعاية الألماني بول جوزف غوبلز، بأن اشهر قصيدة للشاعرهاينرش هاينه الألماني- السامي الأصل- هي قصيدة غنائية ألمانية قديمة، وقد سرقها الشاعر. وفي الأربعينيات من القرن الماضي أمر الرئيس السوفياتي جوزيف ستالين أن تمحى من الصور الرسمية صور أعضاءالحزب الذين فقدوا الحظوة عند ستالين، كي لا يبقي للمؤرخين آثارا تذكر على وجودهم السياسي. وفي التاريخ الحديث يرفض الحزب الشيوعي الصيني الاعتراف بأن مذبحة “ساحة تيانامين” قد حدثت في يوم من الأيام. ولا ننسى طبعا، غزو المغول لبغداد وإلقاءهم كافة كتبها في النهر، لكن ذلك كان مجرد غزو همجي، لم يكن يخطط لإلغاء التاريخ، لكن عدم القصدية تلك، لا تعفيه من المسؤولية التاريخية. المقصود أن التاريخ يتعرض دوما لمحاولات الإبادة أو التشويه لأغراض سياسية أو سيادية، وأن هذا الأمر حصل مرارا وتكرارا، لكن معظم هذه التشويهات تم اكتشافها في ما بعد، وربما مع التطور العلمي في المستقبل، يمكننا تفحص التاريخ بشكل أكثر دقة، وبمعزل عن روايات المنتصرين لتاريخهم. لكن – وللأسف – نحن نتعرض يوميا إلى تزوير منظم للأحداث والمجريات التي نراها بأمهات أعيننا على شاشات العرض، لكن كل جهة او دولة تحاول أن تعرضها بطريقة تناسب طريقة قراءتها للحدث، وليس لتبيان الحقيقة. تزوير التاريخ لم يعد أحداثا فردية وقليلة، لكنه صار ممارسة يومية حية لجميع دول العالم ….نعم، جميع دول العالم القادرة على التزوير. *كاتب أردني