اختتام فعاليات جمعية صدى الشمال في النسخة الثانية من مهرجان الطفل    عامل إقليم الدريوش يترأس مراسم الإنصات للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة    هذه انعكاسات عودة ترامب إلى البيت الأبيض على قضية الصحراء المغربية‬    ذكرى "المسيرة الخضراء" تطلق عشرات الأوراش التنموية المستعجلة بكلميم    "خطاب الحسم".. الملك يوجه رسائل قوية إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب    رسميا.. الكشف عن عدد سكان المغرب وفق إحصاء 2024    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    عامل سيدي إفني يترأس مجموعة من الأنشطة احتفاء بعيد المسيرة الخضراء        الملك محمد السادس يوجه خطابا بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء    ولاية أمن الرباط… فرقة مكافحة العصابات تضطر لاستعمال السلاح الناري لتوقيف مشتبه فيه هاجم المواطنين بسلاح أبيض    الجمعية والرابطة يتفقان على المضي قدما في معركة حماية وصون استقلالية التنظيم الذاتي للصحافيين الرياضيين    الملك محمد السادس يتخذ قرارات جديدة خدمة لمصالح الجالية المغربية المقيمة بالخارج    الدكيك بعد الخسارة ضد فرنسا: "المرجو التحلي بالصبر لأننا في مرحلة جديدة ورهاننا هو الحفاظ على ألقابنا"    الإصابة تبعد تشواميني عن ريال مدريد نحو شهر    المسيرة ‬الخضراء.. أول ‬حركة ‬تحرير ‬في ‬التاريخ ‬البشري ‬لم ‬ترق ‬فيها ‬قطرة ‬دم ‬واحدة    جائزة عالمية تصنف المغرب في صدارة البلدان المضيافة في العالم    وزير: تحويلات الجالية استهلاكية فقط ولا تستغل في الاستثمار بالمغرب        إضرابات الإطفائيين الفرنسيين تلغي رحلات بين البيضاء ونانت    الجمهوريون يقتربون من السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي    شركة "إنيرجين" تتجه لإيقاف أعمال التنقيب عن الغاز بالعرائش    تنسيق قطاع الصحة يراسل البرلمان لتعديل مشروع مالية 2025    الفرقة الوطنية تستمع لشباب مغاربة زاروا إسرائيل بتهمة الإساءة للرسول    انطلاق مهرجان وجدة الدولي للفيلم المغاربي في نسخته 13    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    تحديد 13 نونبر موعدا لأولى جلسات محاكمة القاضية المتقاعدة مليكة العامري استئنافيا            انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    أغناج ل" رسالة 24 ": نعيب على الحكومة ووزير العدل الاستقواء بالأغلبية الأتوماتيكية    حماس: فوز ترامب يختبر وعده بوقف الحرب خلال ساعات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مكتب الفوسفاط و"إنجي" الفرنسية يتجهان لإنشاء مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر في الصحراء    بعد احتفاء ترامب بالفوز في الانتخابات .. صعود الدولار يخفض أسعار النفط    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    نتنياهو: ترامب يحقق "عودة تاريخية"    في خطاب النصر.. ترامب يتعهد بوقف الحروب وعودة العصر الذهبي لأمريكا    قطر تعلن إقرار التعديلات الدستورية    الجديدة : لقاء تواصلي حول برنامج GO SIYAHA بحضور فاعلين في مجال السياحة    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    لحماية القطيع.. وزير الفلاحة يمنع ذ بح الإناث القادرة على التكاثر    اختتام فعاليات الدورة التدريبية لحكام النخبة (أ)    ترامب: حققت فوزا تاريخيا وسنغلق الحدود أمام المجرمين    كيوسك الأربعاء | مقترح جديد ينهي أزمة أطباء المستقبل    الانتخابات الأمريكية..ترامب يتقدم على هاريس في ولاية بنسلفانيا            أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأصيل النظري لمفهوم الثورة و المفاهيم المرتبطة بها 2
نشر في شورى بريس يوم 06 - 05 - 2017


2
5خامساً‮- ‬أنواع وأنماط الثورة‮:‬
للثورات أنماط متعددة،‮ ‬وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي‮ ‬يتحقق في‮ ‬المجتمع وحجمه،‮ ‬ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات‮:‬
النمط الأول لا‮ ‬يؤدي‮ ‬لأي‮ ‬تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة،‮ ‬ولكنَّه‮ ‬يُحقِّق بشكل تراكمي‮ ‬امكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى،‮ ‬حيث‮ ‬يشمل التغيير جزءاً‮ ‬من المجتمع،‮ ‬أو حقلاً‮ ‬من حقول المعرفة فيه،‮ ‬مثل الثورة العلمية،‮ ‬والثورة الثقافية،‮ ‬والثورة الصناعية التي‮ ‬برزت في‮ ‬القرن الثامن عشر،‮ ‬والتي‮ ‬حملت معها العوامل والمرتكزات التي‮ ‬أدت إلى الثورات التي‮ ‬شهدتها القارة الأوروبية في‮ ‬القرن التاسع عشر‮.‬
النمط الثاني‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير جذري‮ ‬شامل في‮ ‬البنية السياسية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كافة،‮ ‬ويحدث تغييراً‮ ‬جذرياً‮ ‬للنظام القديم،‮ ‬واستبداله بآخر جديد بمؤسسات جديدة،‮ ‬ويوصف هذا النمط الثوري‮ ‬بإحداث قفزة نوعية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً‮ ‬وتطوراً‮. ‬الثورة هي‮ ‬بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في‮ ‬المجتمعات،‮ ‬وهذا النوع بدوره‮ ‬ينقسم إلى ثلاث فئات؛‮ ‬
الفئة الأولى‮:‬
ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‮. ‬فالثورة الفرنسية عام‮ ‬1789،‮ ‬أنهت حكم الملك‮ "‬لويس السادس عشر‮" ‬وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري،‮ ‬ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة،‮ ‬وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في‮ ‬الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية‮. ‬وعندما قامت الثورة الروسية في‮ ‬عام‮ ‬1917م لم تكتف بعزل القيصر،‮ ‬بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في‮ ‬المجتمع ومثلها الثورة الصينية‮ ‬1949م‮. ‬كما‮ ‬يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام‮ ‬1989‮ ‬ وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في‮ ‬نوفمبر‮ ‬2004.
الفئة الثانية‮: ‬
هي‮ ‬ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في‮ ‬بنية المجتمع‮. ‬ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية‮ (‬1773‮ ‬‮ ‬1775م‮)‬،‮ ‬فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في‮ ‬سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني‮ ‬دون إحداث تغييرات رئيسية في‮ ‬البنية الاجتماعية‮. ‬وفي‮ ‬أمريكا اللاتينية نموذج آخر من نماذج الثورات التي‮ ‬تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين،‮ ‬دون أن‮ ‬يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في‮ ‬أنظمة الحكومة أو في‮ ‬البنية الاجتماعية للدولة‮. ‬ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة‮.‬
الفئة الثالثة‮:‬
هي‮ ‬ثورات تحريرية تحدث تغييراً‮ ‬في‮ ‬بنية المجتمع،‮ ‬مثل الثورات التي‮ ‬كانت موجهة ضد الاستعمار في‮ ‬دول العالم الثالث،‮ ‬وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال،‮ ‬ويطلق على هذا النوع من الثورات‮ »‬الثورات الوطنية‮«. ‬ويحدث هذا النوع من الثورات تغييرات جذرية في‮ ‬بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر‮ ‬.1954‮ ‬‮ ‬1962‮ .‬
وفي‮ ‬إطار الحديث النظري‮ ‬عن مصطلح الثورات وأنواعها،‮ ‬لعله‮ ‬يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي‮ ‬طرحها بعض المفكرين السياسيين لأنواع الثورات،‮ ‬حيث‮ ‬يرون أن هناك نوعين من الثورات‮:‬
النوع الأول هو‮ "‬الثورات التأسيسية‮" ‬Foundational Revolutions :
حيث لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب،‮ ‬وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا‮ ‬يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا‮.‬
النوع الثاني،‮ ‬يطلق عليه‮ "‬الثورات التحويلية‮" ‬Transformational Revolutions:
وهي‮ ‬ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر،‮ ‬ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي،‮ ‬والبعض الآخر سياسي‮ ‬واستراتيجي‮.‬
وفي‮ ‬هذا الإطار‮ ‬يوجد العديد من أنماط الثورة التي‮ ‬يشهدها المد الثوري‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬ومن أهمها‮:‬
الثورة البرجوازية‮:‬
تُعد نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬وقد قاد هذه الثورة الطبقة البرجوازية الناشئة في‮ ‬المدن،‮ ‬وكان جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة القوى المحركة لهذه الثورات،‮ ‬وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية،‮ ‬والملكية،‮ ‬بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات،‮ ‬وإلغاء الألقاب والامتيازات،‮ ‬وتحرير الاقتصاد من العقبات التي‮ ‬كانت تقف أمام تطوره،‮ ‬وإقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬جديد‮ ‬يرتكز على الحرية،‮ ‬ويعتمد الإنجاز سبيلاً‮ ‬للارتقاء في‮ ‬سلم التمركز الاجتماعي‮. ‬
وشكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً‮ ‬متقدمةً،‮ ‬وانتصاراً‮ ‬كبيراً‮ ‬لنظام اجتماعي‮ ‬سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬بديلٍ‮ ‬عن النظام الإقطاعي‮ ‬القائم،‮ ‬وتعنى الثورات البرجوازية بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي‮ ‬الإقطاعي‮ ‬أو شبه الإقطاعى،‮ ‬والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي‮ ‬التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي،‮ ‬فهي‮ ‬تترك أساس المجتمع البرجوازي‮ ‬دون تغيير،‮ ‬ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج،‮ ‬ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في‮ ‬ألمانيا في‮ ‬القرن‮ ‬16‮ ‬والثورة اليابانية‮ ‬1867،‮ ‬ والثورة الروسية‮ ‬1905‮ ‬‮ ‬1907‮ .‬
الثورة الاشتراكية‮ ‬
تعتبر نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تغييرات جذرية وشاملة في‮ ‬البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬وتسهم في‮ ‬تغيير التكوين الطبقي‮ ‬للمجتمع،‮ ‬والسير به على طريق النظام الاشتراكي،‮ ‬وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها‮.‬
ويتمثل المحتوى الأساسي‮ ‬للثورة الاشتراكية في‮ ‬إقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬اجتماعي‮ ‬جديد،‮ ‬يُسهم في‮ ‬تغيير السيادة الاجتماعية،‮ ‬وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية،‮ ‬وتغيير شكل السلطة القائمة،‮ ‬وأساليب عملها،‮ ‬وإقامة طراز جديد للدولة‮ ‬يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب،‮ ‬وتحقيق العدالة الاجتماعية،‮ ‬وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها،‮ ‬وإغناء حياة مجموع الناس في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال،‮ ‬وإحلال المساواة المعنوية والمادية،‮ ‬وتوسيع مساهمة مجموع الناس في‮ ‬بناء المجتمع الجديد‮. ‬وثمة مدارس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية‮.‬
وترى الماركسية أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي‮ ‬لتطور المجتمع،‮ ‬ونمو الطبقات الاجتماعية،‮ ‬خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية،‮ ‬وتقويض الدولة البرجوازية،‮ ‬وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة إلغاءً‮ ‬للملكية الفردية،‮ ‬وتصفية للطبقات المالكة القديمة‮. ‬وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي‮ ‬ورأى إمكانية قيام الثورة في‮ ‬الحلقة الإمبريالية الأضعف،‮ ‬وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في‮ ‬بلد واحد أو عدة بلدان،‮ ‬واتباع سياسة التعايش السلمي‮ ‬بين الأنظمة المختلفة،‮ ‬وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها‮. ‬وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية‮.‬
أمَّا مفكرو اليسار القومي‮ ‬وأنصار الثورة الاشتراكية في‮ ‬الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية،‮ ‬والاستغلال الداخلي‮ ‬بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري،‮ ‬وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية،‮ ‬وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه،‮ ‬وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام،‮ ‬بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير‮. ‬وتعد ثورة‮ ‬1917 في‮ ‬روسيا مثالاً‮ ‬واضحاً‮ ‬على هذا النمط من الثورات‮.‬
الثورة السياسية‮ ‬
وهي‮ ‬تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن أكون هدفها إحداث تغيير جذري‮ ‬وشامل في‮ ‬الأوضاع الاجتماعية،‮ ‬فالثورات السياسية تشتمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي‮ ‬تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في‮ ‬المجتمعات والتي‮ ‬تقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري‮ ‬والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة،‮ ‬التي‮ ‬لا تتسم بالعدالة،‮ ‬وقد تسهم القوات المسلحة في‮ ‬دعم ومساندة هذه الثورات،‮ ‬ويكون لها دور بارز في‮ ‬نجاحها‮..‬
ثورات التحرر الوطني‮:‬
هي‮ ‬نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في‮ ‬حياة الدول والشعوب التي‮ ‬كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة‮. ‬ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني‮ ‬واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وبروز التنظيم الدولي،‮ ‬وانتشار الأفكار المنادية بالحرية،‮ ‬وحق تقرير المصير،‮ ‬وإنهاء السيطرة الاستعمارية‮. ‬وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات،‮ ‬بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب وبطبيعة المرحلة التاريخية التي‮ ‬تحدث فيها‮.‬
والمسألة الأساسية في‮ ‬هذه الثورات كما في‮ ‬كل ثورة اجتماعية هي‮ ‬مسألة السلطة السياسية،‮ ‬حيث‮ ‬يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية‮. ‬والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة،‮ ‬والبورجوازية الوطنية،‮ ‬والمثقفين والضباط الوطنيين‮.‬
وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني‮ ‬واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية،‮ ‬فى العالم الثالث وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في‮ ‬سبيل التحرر الوطني‮ ‬إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي‮ ‬من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة،‮ ‬وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية‮.‬
سادساً‮- ‬مراحل الثورة‮:‬
إن الثورة عملية تغيير سريع وجذري‮ ‬للنظام السياسي‮ ‬بما‮ ‬يؤدي‮ ‬للإطاحة بالنظام القديم،‮ ‬والنخبة التابعة له‮. ‬والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة،‮ ‬والتي‮ ‬تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية‮. ‬ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا،‮ ‬فإذا ظلت في‮ ‬مكانها فما حدث لا‮ ‬يعتبر ثورة‮. ‬وقد حدد‮ "‬كران برينتون‮" ‬في‮ ‬كتابه الذي‮ ‬صدر عام‮ ‬1938 بعنوان‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬The Anatomy of Revolution ‮ ‬خمس مراحل تمر بها كل الثورات،‮ ‬واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في‮ ‬أربعينيات القرن السابع عشر،‮ ‬والثورة الأمريكية عام‮ ‬1776 والثورة الفرنسية عام‮ ‬1789 والثورة الروسية عام‮ ‬1917. وتتمثل هذه المراحل في‮ ‬الآتي‮:(‬4‮)‬
مرحلة انهيار النظام القديم‮: ‬في‮ ‬هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة،‮ ‬نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب،‮ ‬وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في‮ ‬الحكومة تتآكل‮. ‬كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في‮ ‬نفسها،‮ ‬ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح‮ ‬يحمل قدرًا من المثالية،‮ ‬ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي،‮ ‬تلعب دوراً‮ ‬كبيرًا في‮ ‬إثارة مشاعر السخط والحقد‮.‬
المرحلة الأولى للثورة‮: ‬وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم،‮ ‬فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا،‮ ‬واتخاذ الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها،‮ ‬وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي‮ ‬على النظام،‮ ‬ويبدأ تطور مأزق سياسي‮ ‬يستعصي‮ ‬حله،‮ ‬وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى عكس النتائج التي‮ ‬يبتغيها النظام نظرًا لزيادة‮ ‬غضب الشعب،‮ ‬وفي‮ ‬النهاية‮ ‬يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة‮.‬
مرحلة تولي‮ ‬المعتدلين السلطة‮: ‬خلال هذه المرحلة‮ ‬يتولى القيادة المعتدلون،‮ ‬وهم الذين عارضوا النظام القديم،‮ ‬ولكنهم مازالوا مرتبطين به،‮ ‬ويبدأون إصلاحات معتدلة‮ ‬غير جذرية،‮ ‬وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين الموجودين بين الثوار،‮ ‬ويتهم هؤلاء المعتدلون بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم،‮ ‬وربما‮ ‬يعود ذلك إلى أنهم لا‮ ‬يتمتعون بالصرامة الكافية‮.‬
مرحلة تولي‮ ‬المتشددين السلطة‮: ‬حيث‮ ‬يقوم المتشددون الأكثر صرامة،‮ ‬والأفضل تنظيمًا من المعتدلين،‮ ‬والذين‮ ‬يعرفون ما‮ ‬يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين،‮ ‬وتولى قيادة الثورة،‮ ‬ويتم التخلص من أي‮ ‬بقايا للنظام القديم،‮ ‬ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه،‮ ‬ويتعرض المخطئون للعقاب‮.‬
في‮ ‬النهاية‮:‬‮ ‬لا‮ ‬يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب‮ ‬–حتى الثوريين منهم‮ - ‬منهكًا،‮ ‬ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى،‮ ‬والتمتع بالأمن الشخصي‮. ‬ويصف‮ "‬برينتون‮" ‬هذه المرحلة بأنها فترة‮ "‬نقاهة ما بعد الحمى‮".‬
وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري‮ ‬في‮ ‬كون هذا الأخير‮ ‬يتمثل في‮ ‬قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم،‮ ‬بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي‮ ‬الحكم‮. ‬
وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬قد أوضح‮ "‬كرين برينتون‮" ‬أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في‮ ‬المجتمع لا تكون واضحة،‮ ‬ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة‮ ‬يؤدي‮ ‬تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي،‮ ‬وعندما تتفكك الشرعية‮ ‬يعمد النظام إلى الوسائل القسرية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الوقت تكتسب جماعات لم‮ ‬يكن لها وزن من قبل قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية،‮ ‬وترفع شعار إسقاط النظام القائم،‮ ‬ويمر المجتمع بأربع مراحل أساسية،‮ ‬هي‮:‬
الأولى‮:‬‮ ‬وتتميز بالآمال الطوباوية حيث‮ ‬يلتف الثوار خلف الشعارات والآمال العريضة،‮ ‬ولا تدوم هذه المرحلة طويلاً‮.‬
الثانية‮:‬‮ ‬وهي‮ ‬مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين،‮ ‬وغالبا ما تنتهي‮ ‬هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين،‮ ‬وتركز السلطة في‮ ‬أيدي‮ ‬المتطرفين أو المحافظين،‮ ‬وقد‮ ‬يستخدم العنف في‮ ‬هذا الصراع البيني‮ .‬
الثالثة‮:‬‮ ‬وفي‮ ‬هذه المرحلة،‮ ‬وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة،‮ ‬تسعى لتحقيق الأهداف الثورية بأي‮ ‬ثمن‮ .‬
الرابعة‮:‬‮ ‬تخف في‮ ‬هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية،‮ ‬وتتراجع الحماسة،‮ ‬وعادة ما‮ ‬يتولى الحكم فيها رجل قوي‮ ‬يحمل صدى الثورة،‮ ‬وتعتبر مرحلة حكمه هي‮ ‬المرحلة الخامسة‮.‬
ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في‮ ‬كل الثورات،‮ ‬فقد تتقاطع الثورات في‮ ‬بعضها،‮ ‬وقد تختلف في‮ ‬البعض الآخر لأن كل ثورة هي‮ ‬وليدة ظرف خاص أدى لظهورها،‮ ‬وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه‮ .‬
في الحلقة القادمة :
سابعاً‮ - ‬المداخل المفسرة للثورة‮:‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.