الاتحاد الأوربي يدين اعتقال الجزائر للكاتب بوعلام صنصال ويطالب بإطلاقه    الشركة الوطنية للطرق السيارة توصي بتنظيم التنقلات قبل السفر بمناسبة العطلة المدرسية    تعادل مثير بين نهضة بركان وآسفي    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم بالإجماع المبادرة المغربية للحكم الذاتي لصحرائه    أمن أيت ملول يوقف شخصا بشبهة قتل ابنة زوجته    شخص يقتل زوجته بسبب رفضها للتعدد    الرباط ونواكشوط نحو شراكة استراتيجية تاريخية في الطاقة والبنية التحتية    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    شركة "باليراريا" تطلق أول خط بحري كهربائي بين إسبانيا والمغرب    نقابة موخاريق تهدد بالكشف عن "جهات" تفرض عليها "ضغوطا" خلال مناقشة قانون الإضراب في البرلمان    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقيف شرطي بسبب شبهة تحرش    حادثة سير مروعة تسفر عن وفاة 3 أشخاص (صور)    "الكوديم" يفرض التعادل على الجيش    الحكومة تطمئن المغاربة: وضعية تموين الأسواق ستكون جيدة في رمضان    النهضة التنموية للصحراء تستأثر باهتمام برلمان مجموعة وسط إفريقيا    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    بايتاس : الشائعات حول التلقيح تزيد من تفشي داء الحصبة    إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.. وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين وتحفيز الموارد البشرية    فيلم "إميليا بيريز" يتصدر السباق نحو الأوسكار ب13 ترشيحا    مجلس النواب يعقد جلسته العمومية    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    حركة "حماس" تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    لحجمري: عطاء الراحل عباس الجراري واضح في العلم والتأصيل الثقافي    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    المغرب يلغي الساعة الإضافية في هذا التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    دوري لبنان لكرة القدم يحاول التخلص من مخلفات الحرب    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أبطال أوروبا.. فوز مثير ل"PSG" واستعراض الريال وانهيار البايرن وعبور الإنتر    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأصيل النظري لمفهوم الثورة و المفاهيم المرتبطة بها 2
نشر في شورى بريس يوم 06 - 05 - 2017


2
5خامساً‮- ‬أنواع وأنماط الثورة‮:‬
للثورات أنماط متعددة،‮ ‬وترتكز عملية تحديد نمط الثورة على طبيعة التغيير الذي‮ ‬يتحقق في‮ ‬المجتمع وحجمه،‮ ‬ويمكن التمييز بين نمطين أساسيين للثورات‮:‬
النمط الأول لا‮ ‬يؤدي‮ ‬لأي‮ ‬تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة،‮ ‬ولكنَّه‮ ‬يُحقِّق بشكل تراكمي‮ ‬امكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى،‮ ‬حيث‮ ‬يشمل التغيير جزءاً‮ ‬من المجتمع،‮ ‬أو حقلاً‮ ‬من حقول المعرفة فيه،‮ ‬مثل الثورة العلمية،‮ ‬والثورة الثقافية،‮ ‬والثورة الصناعية التي‮ ‬برزت في‮ ‬القرن الثامن عشر،‮ ‬والتي‮ ‬حملت معها العوامل والمرتكزات التي‮ ‬أدت إلى الثورات التي‮ ‬شهدتها القارة الأوروبية في‮ ‬القرن التاسع عشر‮.‬
النمط الثاني‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تغيير جذري‮ ‬شامل في‮ ‬البنية السياسية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كافة،‮ ‬ويحدث تغييراً‮ ‬جذرياً‮ ‬للنظام القديم،‮ ‬واستبداله بآخر جديد بمؤسسات جديدة،‮ ‬ويوصف هذا النمط الثوري‮ ‬بإحداث قفزة نوعية للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدُّماً‮ ‬وتطوراً‮. ‬الثورة هي‮ ‬بمثابة حركة شعبية وتلقائية لتغيير الأوضاع في‮ ‬المجتمعات،‮ ‬وهذا النوع بدوره‮ ‬ينقسم إلى ثلاث فئات؛‮ ‬
الفئة الأولى‮:‬
ثورات أحدثت تغيرات جذرية على صعيد البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‮. ‬فالثورة الفرنسية عام‮ ‬1789،‮ ‬أنهت حكم الملك‮ "‬لويس السادس عشر‮" ‬وقامت بتحويل الحكم إلى نظام جمهوري،‮ ‬ورفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة،‮ ‬وأعلنت قيام دولة المؤسسات ممثلة في‮ ‬الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية‮. ‬وعندما قامت الثورة الروسية في‮ ‬عام‮ ‬1917م لم تكتف بعزل القيصر،‮ ‬بل عملت على إحداث تغييرات جذرية في‮ ‬المجتمع ومثلها الثورة الصينية‮ ‬1949م‮. ‬كما‮ ‬يندرج تحت هذا النوع ثورات أوروبا الشرقية عام‮ ‬1989‮ ‬ وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في‮ ‬نوفمبر‮ ‬2004.
الفئة الثانية‮: ‬
هي‮ ‬ثورات تحررية ولكنها لا تحدث تغير في‮ ‬بنية المجتمع‮. ‬ومن هذه الثورات الثورة الأمريكية‮ (‬1773‮ ‬‮ ‬1775م‮)‬،‮ ‬فكانت ذات طابع حركة تحرير وطني؛ إذ اكتفت بالمطالبة والنضال في‮ ‬سبيل الاستقلال من الحكم البريطاني‮ ‬دون إحداث تغييرات رئيسية في‮ ‬البنية الاجتماعية‮. ‬وفي‮ ‬أمريكا اللاتينية نموذج آخر من نماذج الثورات التي‮ ‬تمكنت من تغيير بعض الحكام المستبدين،‮ ‬دون أن‮ ‬يصاحب ذلك إحداث تغييرات أساسية في‮ ‬أنظمة الحكومة أو في‮ ‬البنية الاجتماعية للدولة‮. ‬ويطلق علماء السياسة على هذا النوع من الثورات ثورات ضد السلطة لكونها ذات هدف محدود هو الإطاحة بالحكومة الفاسدة القائمة‮.‬
الفئة الثالثة‮:‬
هي‮ ‬ثورات تحريرية تحدث تغييراً‮ ‬في‮ ‬بنية المجتمع،‮ ‬مثل الثورات التي‮ ‬كانت موجهة ضد الاستعمار في‮ ‬دول العالم الثالث،‮ ‬وكانت تهدف إلى تحقيق السيادة والاستقلال،‮ ‬ويطلق على هذا النوع من الثورات‮ »‬الثورات الوطنية‮«. ‬ويحدث هذا النوع من الثورات تغييرات جذرية في‮ ‬بنيان المجتمع؛ ومن أمثلتها ثورة الجزائر‮ ‬.1954‮ ‬‮ ‬1962‮ .‬
وفي‮ ‬إطار الحديث النظري‮ ‬عن مصطلح الثورات وأنواعها،‮ ‬لعله‮ ‬يكون من المفيد أيضًا الإشارة إلى أحد التقسيمات المهمة التي‮ ‬طرحها بعض المفكرين السياسيين لأنواع الثورات،‮ ‬حيث‮ ‬يرون أن هناك نوعين من الثورات‮:‬
النوع الأول هو‮ "‬الثورات التأسيسية‮" ‬Foundational Revolutions :
حيث لا تمحى بنية سياسية واجتماعية واقتصادية قديمة فحسب،‮ ‬وإنما تضع الأساس لبنية جديدة لا‮ ‬يمكن محوها إلا بثورة أخرى أكثر قوة وتأثيرًا‮.‬
النوع الثاني،‮ ‬يطلق عليه‮ "‬الثورات التحويلية‮" ‬Transformational Revolutions:
وهي‮ ‬ثورات مهمة تقوم بتحويل المجتمع ونقله من وضع إلى آخر،‮ ‬ولكنها لا تتمتع بالديمومة والاستمرار لأسباب مختلفة بعضها أيديولوجي،‮ ‬والبعض الآخر سياسي‮ ‬واستراتيجي‮.‬
وفي‮ ‬هذا الإطار‮ ‬يوجد العديد من أنماط الثورة التي‮ ‬يشهدها المد الثوري‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬ومن أهمها‮:‬
الثورة البرجوازية‮:‬
تُعد نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬وقد قاد هذه الثورة الطبقة البرجوازية الناشئة في‮ ‬المدن،‮ ‬وكان جماهير الفلاحين والفئات الفقيرة من سكان المدن والطبقة العاملة الناشئة القوى المحركة لهذه الثورات،‮ ‬وكانت موجهة ضد الأنظمة والحكومات الإقطاعية،‮ ‬والملكية،‮ ‬بهدف تحرير المجتمع من سيطرة هذه الفئات،‮ ‬وإلغاء الألقاب والامتيازات،‮ ‬وتحرير الاقتصاد من العقبات التي‮ ‬كانت تقف أمام تطوره،‮ ‬وإقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬جديد‮ ‬يرتكز على الحرية،‮ ‬ويعتمد الإنجاز سبيلاً‮ ‬للارتقاء في‮ ‬سلم التمركز الاجتماعي‮. ‬
وشكَّلت الثورات البرجوازية خطوةً‮ ‬متقدمةً،‮ ‬وانتصاراً‮ ‬كبيراً‮ ‬لنظام اجتماعي‮ ‬سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬بديلٍ‮ ‬عن النظام الإقطاعي‮ ‬القائم،‮ ‬وتعنى الثورات البرجوازية بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي‮ ‬الإقطاعي‮ ‬أو شبه الإقطاعى،‮ ‬والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي‮ ‬التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي،‮ ‬فهي‮ ‬تترك أساس المجتمع البرجوازي‮ ‬دون تغيير،‮ ‬ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج،‮ ‬ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في‮ ‬ألمانيا في‮ ‬القرن‮ ‬16‮ ‬والثورة اليابانية‮ ‬1867،‮ ‬ والثورة الروسية‮ ‬1905‮ ‬‮ ‬1907‮ .‬
الثورة الاشتراكية‮ ‬
تعتبر نمطاً‮ ‬من الثورة الاجتماعية،‮ ‬التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إلى تغييرات جذرية وشاملة في‮ ‬البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية،‮ ‬وتسهم في‮ ‬تغيير التكوين الطبقي‮ ‬للمجتمع،‮ ‬والسير به على طريق النظام الاشتراكي،‮ ‬وتحدث الثورة الاشتراكية نتيجة للتناقضات الموجودة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ولتطور نضال الجماهير ضد الفئات المسيطرة نتيجة اتساع وعيها وزيادة تنظيمها‮.‬
ويتمثل المحتوى الأساسي‮ ‬للثورة الاشتراكية في‮ ‬إقامة نظام سياسي‮ ‬اقتصادي‮ ‬اجتماعي‮ ‬جديد،‮ ‬يُسهم في‮ ‬تغيير السيادة الاجتماعية،‮ ‬وطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية،‮ ‬وتغيير شكل السلطة القائمة،‮ ‬وأساليب عملها،‮ ‬وإقامة طراز جديد للدولة‮ ‬يعبر عن مصالح الأكثرية من أفراد الشعب،‮ ‬وتحقيق العدالة الاجتماعية،‮ ‬وبناء قاعدة واسعة من الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وإطلاق قدرات الجماهير من خلال توعيتها وتنظيمها،‮ ‬وإغناء حياة مجموع الناس في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وتحرير العلاقات الإنسانية من الاستغلال،‮ ‬وإحلال المساواة المعنوية والمادية،‮ ‬وتوسيع مساهمة مجموع الناس في‮ ‬بناء المجتمع الجديد‮. ‬وثمة مدارس مختلفة من حيث نظرتها إلى الثورة الاشتراكية‮.‬
وترى الماركسية أن الثورة الاشتراكية نتاج طبيعي‮ ‬لتطور المجتمع،‮ ‬ونمو الطبقات الاجتماعية،‮ ‬خاصة الطبقة العاملة القادرة على القيام بالثورة الاشتراكية،‮ ‬وتقويض الدولة البرجوازية،‮ ‬وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة إلغاءً‮ ‬للملكية الفردية،‮ ‬وتصفية للطبقات المالكة القديمة‮. ‬وطوَّر لينين هذه النظرية من خلال تحليله للنظام الرأسمالي‮ ‬ورأى إمكانية قيام الثورة في‮ ‬الحلقة الإمبريالية الأضعف،‮ ‬وضرورة العمل لبناء الاشتراكية في‮ ‬بلد واحد أو عدة بلدان،‮ ‬واتباع سياسة التعايش السلمي‮ ‬بين الأنظمة المختلفة،‮ ‬وذلك بهدف حماية الثورة الاشتراكية وتوفير عوامل تطورها‮. ‬وذهب لينين إلى إمكانية تحول الثورات الوطنية البورجوازية الديمقراطية إلى ثورات اشتراكية‮.‬
أمَّا مفكرو اليسار القومي‮ ‬وأنصار الثورة الاشتراكية في‮ ‬الدول النامية فيرون أن الثورة الاشتراكية حصيلة النضال للتحرر من السيطرة الاستعمارية الخارجية،‮ ‬والاستغلال الداخلي‮ ‬بهدف تحقيق العدالة والمساواة وإطلاق قدرات الجماهير من خلال الديمقراطية الشعبية،‮ ‬وتحويل الدولة إلى أداة للتغيير الثوري،‮ ‬وتأميم وسائل الإنتاج الرئيسية،‮ ‬وإعادة هيكلة الاقتصاد وتخطيطه،‮ ‬وتطوير التربية والتعليم والثقافة والإعلام،‮ ‬بهدف نشر الثقافة الثورية على أوسع نطاق بين الجماهير‮. ‬وتعد ثورة‮ ‬1917 في‮ ‬روسيا مثالاً‮ ‬واضحاً‮ ‬على هذا النمط من الثورات‮.‬
الثورة السياسية‮ ‬
وهي‮ ‬تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن أكون هدفها إحداث تغيير جذري‮ ‬وشامل في‮ ‬الأوضاع الاجتماعية،‮ ‬فالثورات السياسية تشتمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي‮ ‬تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في‮ ‬المجتمعات والتي‮ ‬تقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري‮ ‬والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة،‮ ‬التي‮ ‬لا تتسم بالعدالة،‮ ‬وقد تسهم القوات المسلحة في‮ ‬دعم ومساندة هذه الثورات،‮ ‬ويكون لها دور بارز في‮ ‬نجاحها‮..‬
ثورات التحرر الوطني‮:‬
هي‮ ‬نمط خاص من أنماط الثورة الاجتماعية هدفها إحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية في‮ ‬حياة الدول والشعوب التي‮ ‬كانت خاضعة للسيطرة الاستعمارية وإقامة الدول الوطنية المستقلة‮. ‬ونمت هذه الثورات على أرضية تطور حركة التحرر الوطني‮ ‬واتساعها وتقويتها نتيجة ضعف الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية،‮ ‬وبروز التنظيم الدولي،‮ ‬وانتشار الأفكار المنادية بالحرية،‮ ‬وحق تقرير المصير،‮ ‬وإنهاء السيطرة الاستعمارية‮. ‬وتتحدد المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورات،‮ ‬بطبيعة الظروف الداخلية لكل دولة أو شعب وبطبيعة المرحلة التاريخية التي‮ ‬تحدث فيها‮.‬
والمسألة الأساسية في‮ ‬هذه الثورات كما في‮ ‬كل ثورة اجتماعية هي‮ ‬مسألة السلطة السياسية،‮ ‬حيث‮ ‬يتم نقل السلطة إلى القوى الوطنية والديمقراطية‮. ‬والقوى المحركة لهذه الثورات من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة،‮ ‬والبورجوازية الوطنية،‮ ‬والمثقفين والضباط الوطنيين‮.‬
وشهد القرن العشرون ثورات تحرر وطني‮ ‬واسعة ومتعددة ضد السيطرة الاستعمارية،‮ ‬فى العالم الثالث وانتقلت بعض هذه الثورات من النضال في‮ ‬سبيل التحرر الوطني‮ ‬إلى النضال لتحقيق تحولات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تنهي‮ ‬من خلالها مظاهر الاستغلال والسيطرة،‮ ‬وترسخ مظاهر التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية‮.‬
سادساً‮- ‬مراحل الثورة‮:‬
إن الثورة عملية تغيير سريع وجذري‮ ‬للنظام السياسي‮ ‬بما‮ ‬يؤدي‮ ‬للإطاحة بالنظام القديم،‮ ‬والنخبة التابعة له‮. ‬والثورة مختلفة عن عمليات التغيير الصغيرة أو المتوسطة،‮ ‬والتي‮ ‬تحافظ على النظام القديم؛ فالتغييرات عادة ما تكون تجميلية‮. ‬ويمكن اختبار الثورة الحقيقية عن طريق رؤية ما إذا كانت قد أطاحت بالنخبة القديمة أم لا،‮ ‬فإذا ظلت في‮ ‬مكانها فما حدث لا‮ ‬يعتبر ثورة‮. ‬وقد حدد‮ "‬كران برينتون‮" ‬في‮ ‬كتابه الذي‮ ‬صدر عام‮ ‬1938 بعنوان‮ "‬تشريح الثورة‮" ‬The Anatomy of Revolution ‮ ‬خمس مراحل تمر بها كل الثورات،‮ ‬واختبر هذه المقولة بدراساته للثورة الإنجليزية في‮ ‬أربعينيات القرن السابع عشر،‮ ‬والثورة الأمريكية عام‮ ‬1776 والثورة الفرنسية عام‮ ‬1789 والثورة الروسية عام‮ ‬1917. وتتمثل هذه المراحل في‮ ‬الآتي‮:(‬4‮)‬
مرحلة انهيار النظام القديم‮: ‬في‮ ‬هذه المرحلة تتطور مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الحكومة،‮ ‬نتيجة تعطل الإدارة وتزايد الضرائب،‮ ‬وتبدأ تدريجيًا ثقة الشعب في‮ ‬الحكومة تتآكل‮. ‬كما تبدأ الحكومة فى فقدان ثقتها في‮ ‬نفسها،‮ ‬ويحول المفكرون ولاءهم من النظام القائم إلى نظام آخر مقترح‮ ‬يحمل قدرًا من المثالية،‮ ‬ويتزامن هذا مع بدء عملية تحديث اقتصادي،‮ ‬تلعب دوراً‮ ‬كبيرًا في‮ ‬إثارة مشاعر السخط والحقد‮.‬
المرحلة الأولى للثورة‮: ‬وتبدأ ببدء التحرك من أجل تغيير الوضع القائم،‮ ‬فيبدأ التآمر على النظام القائم من خلال تشكيل اللجان والشبكات والخلايا،‮ ‬واتخاذ الإطاحة بالنظام القديم هدفًا لها،‮ ‬وتبدأ بعض مظاهر التمرد الشعبي‮ ‬على النظام،‮ ‬ويبدأ تطور مأزق سياسي‮ ‬يستعصي‮ ‬حله،‮ ‬وتلجأ الحكومة إلى استدعاء قوات الأمن،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى عكس النتائج التي‮ ‬يبتغيها النظام نظرًا لزيادة‮ ‬غضب الشعب،‮ ‬وفي‮ ‬النهاية‮ ‬يصبح النظام القائم خارج نطاق الخدمة‮.‬
مرحلة تولي‮ ‬المعتدلين السلطة‮: ‬خلال هذه المرحلة‮ ‬يتولى القيادة المعتدلون،‮ ‬وهم الذين عارضوا النظام القديم،‮ ‬ولكنهم مازالوا مرتبطين به،‮ ‬ويبدأون إصلاحات معتدلة‮ ‬غير جذرية،‮ ‬وغير كافية أيضًا بالنسبة للمتشددين الموجودين بين الثوار،‮ ‬ويتهم هؤلاء المعتدلون بالجبن والتوافق مع قوى النظام القديم،‮ ‬وربما‮ ‬يعود ذلك إلى أنهم لا‮ ‬يتمتعون بالصرامة الكافية‮.‬
مرحلة تولي‮ ‬المتشددين السلطة‮: ‬حيث‮ ‬يقوم المتشددون الأكثر صرامة،‮ ‬والأفضل تنظيمًا من المعتدلين،‮ ‬والذين‮ ‬يعرفون ما‮ ‬يريدون تحديدًا بالإطاحة بالمعتدلين،‮ ‬وتولى قيادة الثورة،‮ ‬ويتم التخلص من أي‮ ‬بقايا للنظام القديم،‮ ‬ويفرض المتشددون على الشعب طاعة النظام القديم بقيمه وقوانينه،‮ ‬ويتعرض المخطئون للعقاب‮.‬
في‮ ‬النهاية‮:‬‮ ‬لا‮ ‬يستطيع المجتمع تصعيد الثورة ويصبح الشعب‮ ‬–حتى الثوريين منهم‮ - ‬منهكًا،‮ ‬ويتوق إلى الاستقرار وتسيير عجلة الاقتصاد مرة أخرى،‮ ‬والتمتع بالأمن الشخصي‮. ‬ويصف‮ "‬برينتون‮" ‬هذه المرحلة بأنها فترة‮ "‬نقاهة ما بعد الحمى‮".‬
وتختلف الثورة عن الانقلاب العسكري‮ ‬في‮ ‬كون هذا الأخير‮ ‬يتمثل في‮ ‬قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم،‮ ‬بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي‮ ‬الحكم‮. ‬
وفي‮ ‬هذا الإطار،‮ ‬قد أوضح‮ "‬كرين برينتون‮" ‬أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في‮ ‬المجتمع لا تكون واضحة،‮ ‬ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة‮ ‬يؤدي‮ ‬تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي،‮ ‬وعندما تتفكك الشرعية‮ ‬يعمد النظام إلى الوسائل القسرية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الوقت تكتسب جماعات لم‮ ‬يكن لها وزن من قبل قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية،‮ ‬وترفع شعار إسقاط النظام القائم،‮ ‬ويمر المجتمع بأربع مراحل أساسية،‮ ‬هي‮:‬
الأولى‮:‬‮ ‬وتتميز بالآمال الطوباوية حيث‮ ‬يلتف الثوار خلف الشعارات والآمال العريضة،‮ ‬ولا تدوم هذه المرحلة طويلاً‮.‬
الثانية‮:‬‮ ‬وهي‮ ‬مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين،‮ ‬وغالبا ما تنتهي‮ ‬هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين،‮ ‬وتركز السلطة في‮ ‬أيدي‮ ‬المتطرفين أو المحافظين،‮ ‬وقد‮ ‬يستخدم العنف في‮ ‬هذا الصراع البيني‮ .‬
الثالثة‮:‬‮ ‬وفي‮ ‬هذه المرحلة،‮ ‬وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة،‮ ‬تسعى لتحقيق الأهداف الثورية بأي‮ ‬ثمن‮ .‬
الرابعة‮:‬‮ ‬تخف في‮ ‬هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية،‮ ‬وتتراجع الحماسة،‮ ‬وعادة ما‮ ‬يتولى الحكم فيها رجل قوي‮ ‬يحمل صدى الثورة،‮ ‬وتعتبر مرحلة حكمه هي‮ ‬المرحلة الخامسة‮.‬
ويجب التنويه هنا إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في‮ ‬كل الثورات،‮ ‬فقد تتقاطع الثورات في‮ ‬بعضها،‮ ‬وقد تختلف في‮ ‬البعض الآخر لأن كل ثورة هي‮ ‬وليدة ظرف خاص أدى لظهورها،‮ ‬وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه‮ .‬
في الحلقة القادمة :
سابعاً‮ - ‬المداخل المفسرة للثورة‮:‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.