شهادة في حق الفنان رشيد غلام : رشيد غلام واحد من عباقرة الفن الرسالي.. صدفة وصلني رابط أغنية له عن القدس والخليل من قبل صديق مغربي لطالما تحدثنا في هموم الأمة وقضاياها. ففي إحدى الليالي بعد أن أعيانا الألم، أرسل لي هذا الرابط ليخفف عني.. ولقد أحسن صديقي المغربي أيما إحسان فلقد أدخلني عوالم أخرى لم تكن تتسنى لمن هو مثلي العازف عن الغناء والموسيقى ليس فقط لشبهة حولها أو خوفا من تصيد المتنطعين إنما لضحالة كثير منها وبعده عن الإنسان واحتياجاته وملكاته. رشيد غلام.. كان مدخلي إليه أغنيته الفذة “توأم النصر”.. وهو يتغنى للقدس والخليل يعصر الغيوم فتتهاطل نصرا على عنب الخليل وصخرة القدس.. وأشتّم من حروفه ريح الجنة والوعد الحق.. لم أبت ليلتي حتى طفت معه في جولاته وتجديفه المستمر أستمع إليه متحدثا، ومحاورا، ومغنيا، ومناقشا، أرى فيه المناضل العنيد، والفنان العميق، والشاعر الرقيق، والرسالي الفذ، ومتى تجمعت هذه الصفات في رجل حتى أصبح معلما؟ تجمع منه في ليلتي تلك ما لم يجتمع إلي من أي أحد دفعة واحدة.. فلقد جلا همي بفيض ذكره العرفاني، وقادني من عنائي وشقوتي إلى يقين الانتصار وفرح التوكل المطلق على الله.. كما ضرب لي موعدا مع العزة والكرامة إن واصلت تحدي الطواغيت وأعرضت بوجهي عن زيفهم وإغرائهم.. وفتح أمام عيني أفقا واسعا من إنسانية طامحة للحرية ونيل حقها في التعبير. لم ينبهني لمضي وقتي إلا أذان الفجر في ليلة باردة يزخ المطر الطهور على الأرض برشاقته يتداخل مع ما تسلل إلي من مشاعر فأجد وحدة كونية فائقة الروعة، ليتوحد كل شيء في الشيء فأسبح بحمد ربي الذي أوجد لكل شيء سببا. رشيد غلام كنز من كنوز حضارتنا، وهبة إلهية معجزة في زمان القحط، ورغم كل ما تمارسه ضده قوى الظلام والتهميش، إلا أنه من أولئك الذين لا تحيط بهم القيود ولا تحدهم حدود.. إنّه في حفظ مكنون تظهر نورانيته رغم حجب الظلام. رشيد غلام مفكر وضابط للعلوم الشرعية، وهو صاحب رؤية ووجهة نظر وابن مدرسة متميزة في المغرب بطريقتها العرفانية وسبيلها الراشد في الدعوة إلى الله ومكافحتها من أجل حرية التعبير وإنهاء أسباب الظلم والطاغوت.. فلاقى جراء مواقفه العملية من السجن إلى المنع من أي نشاط فني في بلده أو حتى في أي بلد آخر ما يوقع له بتوقيع النبل والطهر والصدق.. لكن ذلك كله لم يثنه عن أصالة موقفه ونقاء روحه وانخرط بكل ما يستطيع في الدفاع عن الإنسان، حيث هو إنسان فكان رساليا بحق. رشيد غلام.. قريب من القلب، حبيب إلى الروح، ومنعش للعقل، وصديق للطبيعة بطهرها، ونقائها، يصغي إلى قلبه المرهف ويحلق مع روحه السامية، فيمنح مستمعيه إبداعات قلّ نظيرها في تاريخنا الحضاري. أشكر صديقي المغربي الذي أهدى إلي رابط أغنيته ولقد أسعدني بأن دلني على مصدر من مصادر الفرح في الحياة.. تولانا الله برحمته.