يتأهب المغرب للتوفر لأول مرة في تاريخه على قانون في موضوع الوصول إلى المعلومات، وذلك في محاولة لتطبيق الفصل 27 من دستور 2011 ، بحيث تم إيداع نص مشروع قانون الولوج للمعلومات 13/31 بمجلس النواب من طرف الحكومة يوم الاثنين 8 يونيو 2015 ، والمحال حاليا على أنظار لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان. إن تطبيق مشروع هذا القانون ، حسب ما تشير إليه المادة 30 التي تذيله ،من كون مساطر تنفيذه ستسري على مرحلتين، أولها بعد سنة من الصدور وثانيها بعد سنتين من ذلك، وكأننا بواضعي هذا النص قد أغفلوا مدار العصر الذي نعيش فيه، وتجاهلوا عقارب ساعتهم التي صارت تدور خارج الزمن بل وخارج عالم يسير وبسرعة ضوئية ، في اتجاه مجتمع معلوماتي بامتياز. وإلا، كيف السبيل لخلق الثروة في عصر العولمة ومجتمع المعرفة والإعلام ، بقانون لا يستجيب لحاجة المقاولة الدائمة و المستمرة للحصول على المعلومات، التي صارت اقتصاديا وماليا ، مصدرا للاغتناء و خلق الثروة ،علما بأن أهم مقومات تنافسية الإقتصاد الوطني اليوم ، باتت تتمثل في سهولة الحصول على المعلومات في الوقت المناسب و مرونة تداولها، ذلك أن عدم استعمال المعلومة في الوقت المناسب تكون له تكلفة اقتصادية. بل وكيف العمل على كسب الرهانات وقهر التحديات ، في عصر لا سيادة ولا استقرار فيه إلا للدول التي تضع أمنها الإعلامي ، وعبر بوابة الحق في النفاذ إلى المعلومة واستخدامها ، عمودا فقريا لهيكل مجتمعاتها وقلبا نابضا لجسم ديمقراطيتها . من المعلوم ،أن غالبية التشريعات المتعلقة بحق الولوج للمعلومات تبني مشروعيتها من خلال مبدأ الإشهار أو الكشف الأقصى وهو ما حاول الإيحاء إليه المشروع الحكومي بتصنيفه بالنشر الاستباقي للفصل 10 ملزما الإدارات والهيئات الملزمة بالكشف عن المعلومات ونشرها “في حدود الإمكان”، الذي يحيل ضمنا وصراحة على السلطة التقديرية للإدارة إن لم نقل مزاجيتها، كما هو حال الاعتراض المريب والشاذ لكل من وزارتي الداخلية والفلاحة ،الأولى بخصوص تعديلات على مشروع القانون المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، تنص على إلزامية نشر نتائج انتخابات 4 شتنبر، والثانية بخصوص تعديلات تلزم الإدارات بنشر “أسماء الحاصلين على التراخيص والأذونات ورخص الاستغلال، سواء أكانوا أشخاصا ذاتيين أم أشخاص اعتباريين. وهكذا تضع الإدارة نفسها خارج القانون وفوق قواعد المشروعية حد الاستئثار بمجال القانون ، في الوقت الذي نستحضر فيه موقف فرق المعارضة البرلمانية، من عملية إحالة مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومة منذ البداية على مجلس الحكومة ، وعلى غرار ما حدث في القانون الخاص بلجان تقصي الحقائق، والذي اعتبرتها قرصنة لاختصاصات ممثلي الأمة و احتكار لمجال التشريع.، ذلك أن الأمر يتعلق بالحقوق والحريات التي تدخل في مجال القانون أي في مجال اختصاصات السلطة التشريعية . و في هذا السياق، وجب التسطير على أن مشروع قانون الحق في الوصول إلى المعلومة قد ووجه و منذ نسخته الأولى ، بجملة من الانتقادات من قبل فعاليات مدنية وحقوقية وطنية ومنظمات غير حكومية دولية ،باعتباره مخيبا للآمال المعقودة على تبني المغرب لتشريع سليم بشأن الحق في الحصول على المعلومات بما يتواءم و المعايير الدولية ، وإلى حد تشديدها على ضرورة الطعن في دستوريته بحكم تنافيه ومقتضيات الفصل ال27 من دستور يوليوز ،وهذا إلى جانب جمعيات مغربية والسفارة البريطانية بالمغرب والبنك الدولي الذين تقدموا ب 138 ملاحظة ،بعدما خلصوا إلى كون مشروع القانون لا يقر حق الحصول على المعلومات بالقدر المناسب، وأنه يهدد حرية التعبير. إن نص مشروع قانون الحق في الولوج إلى المعلومة الذي نحن بصدده ، يعد ثالث نص يرتبط بالمعلومة والخبر، بعد قانون المعلومات الشخصية و قانون الأرشيف، والمفروض أن تحيل مقتضياته وجوبا ، على الفصل 27 من دستور يوليوز 2011 الذي ينص على: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة..” فإلى أي حد استحضر مشروع قانون الحكومة ، في إطار تنزيله لأحكام الفصل 27 من الدستور الذي يعد تحولا عميقا في مفهوم الدولة ومفهوم المواطنة ، الحق في الحصول على المعلومات كحق من الحقوق والحريات الأساسية، وكذلك في إطار تنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب، لا سيما المادة 19 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والتي تحظى بالأولوية على التشريع الوطني،وهذا فضلا عن توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة المرتبطة بالحق في الحصول على المعلومات والتي تتمثل في ضرورة النشر ألاستباقي للقرارات المتعلقة بالتدخلات الأمنية محليا ووطنيا . علما، بجملة من التراجعات الجوهرية التي طبعت محتوى مشروع القانون في صيغته الجديدة، مقارنة حتى مع المسودتين الأولى والثانية منه، والتي مست أغلب أبوابه ومواده ،لاسيما فيما يخص المقتضيات المتعلقة بتدقيق الاستثناءات، والحذف الكامل للمقتضيات المتعلقة بهيئة ضمان حق الحصول على المعلومات ، إضافة إلى إدخال مقتضيات مجحفة تضع قيوداً على طالب المعلومة العمومية وحذف المقتضيات الزجرية المحدودة إزاء المخالفين المكلفين بإعطاء المعلومة المطلوبة. وهذا، في غياب بنود لتنفيذ الحق في الحصول على المعلومات، والذي نص عليه قانون الصحافة والنظام الأساسي للصحافيين في المغرب، إن لم يكن في حقيقة الأمر ، تغييب من شأنه منح المؤسسات العامة السلطة الكاملة لحجب المعلومات وإخفائها، علما بالارتباط الوثيق بين الحق في المعلومة و الحق في الإعلام ، حد أن منسوب التدفق الذي تكون فيه المعلومات متاحة لعامة المواطنين، من شأنه أن يرقى بدور الصحفي الذي لن يقتصر على البحث عن المعلومات ونشرها، وإنما سيتجاوز ذلك إلى إنجاز التحقيقات ومساءلة الأطراف المعنية بمعلومة ما، وهو ما يشكل المهمة الحقيقية التي يتعين على الصحفيين الاضطلاع بها. هذا ، ورغم تفاعل المشروع الحكومي مع آراء و مقترحات بعض الفاعلين و المهتمين،وطنيا ودوليا ، من قبيل حذف شرط الجنسية في ممارسة حق الحصول على المعلومات ،تضل ذات التساؤلات والإشكالات التي طرحت قبل وبعد تنظيم المناظرة الوطنية حول الحق في الحصول على المعلومات في يونيو 2013،منتصبة في وجه هذا المشروع المشوب بعيوب فادحة لا سيما بسبب استمرار التقيد بلائحة فضفاضة للغاية من الاستثناءات. وهي استثناءات كثيرة و إلى درجة الاستنتاج ، بأن هذا النص لا يقر حق الولوج بل ينحو لسن تشريع للاستثناءات التي تمنع الولوج للمعلومات والأخبار، بل ويضيف إليها لائحة أخرى من الاستثناءات من ضمنها المعلومات التي “يؤدي الكشف عنها إلى إلحاق ضرر بالعلاقات مع دولة أخرى أو منظمة دولية حكومية أو غير حكومية” أو بالسياسة النقدية أو الاقتصادية أو المالية للدولة ” وهذه مصطلحات فضفاضة تسيد الخطاب الرسمي ضدا على حرية الصحافة وحق المجتمع في الإعلام ، بل وضدا على المعايير الدولية التي تقضي بواجب إخضاع كافة الاستثناءات لاختبار ضرر جوهري وتقديم للمصلحة العامة، بحيث لا يحق رفض طلب الحصول على المعلومات ،إلا في حال كان الضرر بالمصلحة التي يحميها الإعفاء ذي الصلة والذي سينشأ عن كشف المعلومات ،يفوق بشكل واضح المصلحة العامة في الكشف عنها، وهذا فضلا عن واجب تعريف المصالح المحمية المدرجة في مشروع القانون،بشكل ضيق وأكثر دقة،وواجب حماية المصالح المشروعة المعترف بها في المعايير الدولية فقط. وفي الاتجاه المعاكس دائما ، يتجاهل هذا المشروع انتظارات المجتمع المدني ، القاضية بأن يكون هذا التشريع مدخلا لعملية تنقية شاملة للنصوص “الجاري بها العمل” من شوائب تضر بالشفافية في مجال المعلومات وبالحكامة في تدبير الشأن العام وتعدم قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة ، يأتي هذا النص في مادته السابعة ب فقرة تقول ” تستثنى أيضا من الحق في الحصول على المعلومات تلك المشمولة بطابع السرية بمقتضى النصوص التشريعية الخاصة الجاري بها العمل”. كما تستثنى حسب النص المذكور “المعلومات التي من شأن الكشف عنها الإخلال ب “سرية الأبحاث والتحريات الإدارية ” وهذا يعني عمليا استحالة تحريك مسطرة قضائية ضد أي عسف إداري جاري واستحالة قيام الإعلام بدوره النقدي والرقابي بشكل مؤسساتي. ويزيد الفصل 9 من لائحة الاستثناءات ليربط بعض المعلومات المتوفرة لدى الإدارات بمصدرها الأصلي ويرفض منحها إلا برضا المصدر المعني. و في هذا الصدد ،يثور الفصل 22 الذي ينصب لجنة لدى رئيس الحكومة يطلق عليها “لجنة إعمال الحق في الحصول على المعلومات ” يرأسها رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي المحدثة بموجب المادة 27 من القانون رقم 08-09 ويسندها جهاز إداري تابع للرئيس من خلال مهامه في اللجنة الوطنية المذكورة، ونحن هنا إزاء منطق التقشف والاستهانة بالموضوع تماما، فمن جهة يتم إعطاء توأم للجنة الوطنية، ويكلف جهازها الإداري بتدبير المجال الإداري للحصول على المعلومات وكأن متطلبات هذا الأخير لن تكون كثيرة. وقد يحسب لهذا الفصل أنه تذكر بعض مهام اللجنة المهمة مثل تقديم اقتراحات للحكومة من أجل ملائمة النصوص التشريعية الجاري بها العمل مع مبدأ الحق في الحصول على المعلومات، ولكن نظرا لكثرة النصوص التي تحتاج للمراجعة يمثل هذا الورش الضخم لوحده عملا لن تتمكن من القيام به لجنة وإدارة من الحجم المقترح، والتي سيوكل إليها أيضا إبداء الرأي في مشاريع النصوص التي تعرضها عليها الحكومة وإعداد تقرير سنوي حول الحصيلة يتضمن بصفة خاصة تقييما لحصيلة إعمال المبدأ المذكور. وفي الواقع تبدو اللجنة المذكورة استشارية جدا ويعين رئيس الحكومة عضوان منها ومجلس المستشارين والنواب عضوان آخران إضافة إلى ممثل عن مؤسسة أرشيف المغرب والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط أي ما مجموعه 7 أعضاء إضافة للرئيس. وهي تفتقد للاستقلالية والوسائل التي تجعلها قادرة على تحمل مسؤولياتها وبالتالي ستنضاف إلى لائحة المؤسسات التي تفتقد للروح وتؤثث للعقم المهيكل. كما أن إمكانات الطعن في قرارات الإدارة إزاء رفضها تسليم المعلومة، تضل تمييزية لأنها مشروطة بالقدرة المالية على أداء الكفالة ، وهذا علاوة على تقزيم دور المجتمع المدني وتغييب ممثلي وسائل الإعلام والمستهلكين وكل ذي مصلحة في إدارة الشأن العام ورقابته ، وبالتالي فإن كل هذه الأسباب مجتمعة ، تجعلنا أمام هندسة قانونية ستقلص بشدة الحق في الوصول إلى المعلومة في الوقت الذي تمنح فيه الإدارة كل الحرية لكي تخرج القانون إلى الوجود متى شاءت وبحسب النصوص التطبيقية التي تتحكم في صوغها. ويثور في هذا الصدد ،عدم تضمين مشروع القانون مادة تحظر التمييز في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الطلبات بناء على هوية الطالب ،وتقضي بإمكانية تسليم طلبات مجهولة الاسم للحصول على المعلومات، وهذا في الوقت الذي يسجل فيه مستعملو الإنترنيت تعارض مشروع الحكومة مع المقتضى الموجب لتمتع المواطنين المغاربة بهذا الحق لوحدهم ودون غيرهم من الأجانب المقيمين بالمغرب ، بدعوى”الأولوية الوطنية”. وتفيد مجمل القراءات لهذا المشروع ،في ديباجة أهدافه ومقتضيات مواده، ومن زاوية استحضار المعايير والمواثيق الدولية ذات الصلة في مجال إقرار الحق في الوصول إلى المعلومة واستخدامها، وتمثل مقتضيات الفصل 27 من دستور يوليوز، أن مسودة مشروع هذا القانون لا ترقى إلى ما هو معمول به في بلدان أقل تطورا من المغرب،وأن جملة من الهواجس والتخوفات قد استبدت بواضعيه حد تقييدهم للحق في الوصول إلى المعلومة ، بل وحد إزاحتهم لضرورة ملائمة جميع النصوص التشريعية التي تقيد الحق في الولوج إلى المعلومة تفاديا لحالات التنافي ولقواعد أولوية هذا القانون ،باعتباره قانونا عاما ،على باقي النصوص القانونية الأخرى. و تتجلى هذه التقييدات في ضرب مجانية الحصول على المعلومات والتضييق على استعمالها وحصرها بشروط بل وتعريض الأشخاص الذين استعملوا المعلومات المحصل عليها في غرض غير الذي تم الإعلان عنه في الطلبات المقدمة، ولو كان هذا الغرض مشروعا لعقوبات جنائية من جهة ،وفي عدم التنصيص على إجبارية تقديم المعلومات من قبل السلطات المعنية وترتيب جزاءات في حال امتناعها عن ذلك من جهة ثانية،وهذا علاوة على إحالة قانون الحق في الوصول إلى المعلومة على قوانين أخرى ، بما فيها عدة فصول من القانون الجنائي تصل عقوبة بعضها إلى 10 سنوات سجنا لمعاقبة طالب المعلومة ومن قانون الوظيفة العمومية الذي يلزم كل موظف بواجب كثمان السر المهني. والحالة هاته، هل تستجيب الحكومة لانتظارات الرأي العام الوطني وبما يتواءم مع المعايير الدولية، في وضع تشريع سليم للحق في للمعلومة باعتباره حقا إنسانيا ،عبر مشاركة المواطن في صناعة القرار وتقييمه،وباعتباره أوكسجين الديمقراطية، عبر تكريسه الشفافية من خلال سيادة منطق المساءلة، ذلك ما تأمله وتترافع من أجله الأوساط الحقوقية والقوى الديمقراطية، لقطع الطريق على من يسعون إلى قراءة الفصل 27 خارج دستور يوليوز، حتى لا نزيغ عن محجة الاستعانة بالكتمان في قضاء حوائجنا ، ونسقط بالتالي في مطب كم حاجة قضيناها بتركها.