تدبير الازمات العامة والازمات العمومية هو علم يعتمد دراسة المخاطر وتقييم الوقع والاستشراف، وهو كذلك فن لأنه يتطلب التواصل والمراوغة وتحقيق الاهداف من دون الاعلان عنها. الحجر الصحي، عطل الى حين نتائج نشاهدها اليوم. صحيح انه أعطى للمسؤولين هامش وقت للاستفادة من التجارب وابعاد عامل المفاجئة والاستعداد أكثر ولكنه، من المنظور البعيد المدى، لم يحقق مبتغاه بل زاد من تفاقم الوضع بفعل رد الفعل التلقائي للمواطنين من بعد فترة حرمان وتخزين المكبوتات. كل التقارير (وآخرها تقرير البنك العالمي الاخير عن تفاقم الفقر) يؤكد بأن الحجر الصحي عبر العالم سيؤدي الى نتائج اقتصادية كارثية. تداعيات كوفيد الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية والصحية لربما تكون أكثر من مخلفات كوفيد نفسه، بفعل عامل كرة الثلج effet boule de neige. تجربة الدول الاسكندنافية في التعامل مع الكوفيد اصبحت رائدة. هذه الدول لم تلجأ الى الحجر الصحي الشامل بل اختارت التشخيص المبكر وعلى نطاق واسع لمحاصرة الداء. وهذه العملية، بعد مرور الوقت، اصبحت تبين بأنها الاحكم والاعقل حتى من الناحية الاقتصادية. الاستثمار في الوقاية والتشخيص بغض النظر عن ثمنه الآني، فإنه يظل اقل تكلفة من تداعيات كوفيد وتداعيات تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية وغير ذلك. تماما كما هو الشأن بخصوص المقارنة بين الاستثمار في التعليم وتداعيات الجهل الاقتصادية والثقافية والدينية والسياسية. الاجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة اتخاذها لصالح الاقتصاد الوطني، في إطار تدبير الازمات مسألة مرحب بها من حيث المبدأ. من حيث المبدأ فقط، ولكن يجب البدإ بدراسة الوقع واستشراف المخاطر والمكاسب. لأن التجارب السابقة أبانت بأن القنوات العمومية في تحفيز الاقتصاد في بلدنا غالبا ما تتحول الى أنفاق ضخ ريعي يستفيد منها فلان وعلان باسماء مجهولة الاسم، على حساب المديونية العمومية التي وصلت اليوم، وبفضل استدانة حكومة بنكيران والعثماني، الى نسبة قياسية (أكثر من مستوى السكتة القلبية التي نبه اليها المرجوم الحسن الثاني في 1995). تدبير الازمات العمومية هي مسألة متشابكة ونسقية وتتطلب التقائية وحكامة وديمقراطية في التفكير واتخاذ القرار واشراك في تنفيذه واقتسام خيراته أو مخاطره. إن انفراد وزارة بعينها بتدبير الازمة من منظور واحد لن يزيد الوضع الا تأزما على المدى المتوسط والطويل. إن تدبير الازمة الحالية يقتضي وضع اجندة على مقاييس زمنية ومجالية وقطاعية وفق الاسس العلمية المعتمدة في الاستشراف والتخطيط. فليس من الضروري أن ننتصر اليوم. ولكن الاساس هو بناء لبنات، لمجتمع ودولة واقتصاد، متينة ومهيكلة وقوية قادرة على الصمود في وجه تحديات الغد. فشلنا اليوم هو نتاج المعالجة الظرفية التي تبنتها حكومات بلدنا منذ زمن بعيد، فلم تؤسس لمجتمع متعلم واع متخلق مواطن ولم تعمل على بناء دولة المؤسسات والقوانين والكفاءات. تماما كما هو الشأن في الدول التي أشرت اليها سلفا والتي استطاعت اليوم احتواء الوباء والتقليل من تداعياته.