ونحن في معمعان إصلاح التربية والتعليم ببلادنا، وقد فرضت شروط جديدة لمن سيتحملون هذه المسؤولية من الجيل الجديد الذي يراد لهم أن يكونوا "أكثر كفاءة بفعل تكوينهم الرصين وفق شروط جديدة"، تطرح إشكالية العلاقة بين التربية والتعليم. فالجهة الوصية يدل اسمها على أنها مسؤولة عن التربية الوطنية والتعليم، والحديث عنهما حديث ذو شجون. وسنكتفي في هذا المقام بإشارات حول سلطة ودور التأديب بالمدرسة المغربية، وضمنها مسؤواية نساء ورجال التربية وأولياء التلاميذ. فلا يخفى على أحد ما تعانيه العديد من مدارسنا- وخاصة الثانوية منها- من سلوكات تتطلب التقويم من خلال سلطة التأديب. ويعلم الجميع أن الأمر يتعدى فعل" التأديب التربوي'" ليصبح جنحة موضوعها "الضرب والجرح" في حق المتعلم والطرد من حصة الدرس.. وفي بعض الأحيان الطرد من المؤسسة التعليمية. وغالبا ما تكون النتيجة هي تدحرج كرة الثلج ليصل الأمر إلى ردهات المحاكم بين بعض نساء ورجال التعليم وبعض أولياء المتعلمين في ملفات موضوعها "الضرب والجرح المتبادل"! وهنا يجد المتابع للشأن التربوي والتعليم في بلادنا أمام إشكالية متفاقمة: كيفية الحد من ظاهرة الشغب المدرسي التي يتعدى حدوده ليصبح سلوكا عدوانيا في حق المربين من جهة، ويكتوي من جراءه زملاء المشاغبات والمشاغبين؟ وكيف يمكن القيام بفعل التقويم والتأديب مع الحفاظ على حق الطفل(ة) والمراهق(ة) المشاغب(ة)في متابعة دراسته(ها) وعدم تعريضه(ها) للطرد؟ يوجد حل هذا الإشكال نظريا ضمن الأدبيات والتعليمات والطرق البيداغوجية الواجب اعتمادها في مختلف الحالات، ويتم إخضاع المعلم(ة)/الأستاذ(ة)/المربي(ة) لتكوين أساسه المعرفة السيكولوجية للطفل والمراهق، والمعرفة السوسيوثقافية المتعلقة بالمتعلم، والطرق البيداغوجية للتعامل معه من أجل معالجة ما قد يصدر عنه من سلوكات تحتاج الى تقويم وإصلاح. لكن الواقع يتحدى" التعليمات الرسمية" و "الخبرة التربوية" في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للعديد من المتعلمين وأسرهم والعديد من المعلمين على السواء ، وهو ينعكس على سلوكاتهم التي تمس المدرسة كمؤسسة للتربية والتعليم. والنتيجة هي أن العديد من المتعلمين لا يرون فيها سوى أنها فضاء لممارسة انحرافات سلوكية في حق الأطر الإدارية والتربية، والتي تجد نفسها مكتوفة الأيدي بعد أن أصبحت سلطة" مجلس التأديب" لا تحد من تكرار نفس السلوكات بعد إلزام أصحابها بعقوبات نظير "تنظيف المؤسسة" أو"القيام بأعمال البستنة"، عوض" التوقيف عن الدراسة لوقت محدد" أو" الطرد من المؤسسة" كما كان الامر معمولا به قبل سنوات خلت، لردع باقي المشاغبين المحتملين. وبالتالي فإن العديد من العاملين بالمؤسسات التعليمية يخيرون بين أمرين: القيام بالواجب أو ترك الحابل على النابل لتعم الفوضى! وفي المقابل يتعلل العديد من أولياء التلاميذ المشاغبين ألا حق في تأديب وتوقيف أبناءهم عن الدراسة لمدة محددة، فما بالك بطردهم من المؤسسة، باعتبارهم مراهقين، رغم من أن بعض الأفعال تصبح مشينة وتدخل في باب الدوس على الأخلاق العامة التي تمس بشخصية المعلم وتؤذي بقية المتعلمين! وأمام هكذا وضع نجد فيه العديد من نساء ورجال التعليم يحترقون نفسيا، ويهدر الزمن المدرسي بسبب غياب العديد من الأولياء عن متابعة تمدرس أبنائهم، أو دفاعهم عن سلوكاته غير المقبولة ، فيصبح المربي خصما لذوذا يجرجر أمام المحاكم، وتصبح المدرسة ساحة لتفريغ المكبوتات النفسية لعدد من المتعلمين وأولياءهم من جهة، وفضاء لشحن الأعصاب وما تسببه من أمراض نفسية وعضوية للأسرة التعليمية..
وهنا تبقى ضرورة أن تسن الوزارة الوصية إجراءات ناجعة لفرض احترام شروط الانضباط داخل المؤسسة التعليمية، ولعل أولاها إلزامية حمل زي مدرسي موحد خاص بكل مؤسسة، يحمل اسمها واسم المتمدرس(ة) ورقمه(ها) وقسمه(ها)، وفرض الهندام الموحد أيضا على العاملين بالمؤسسة؛ وضبط المواظبة وحسن السلوك والتنقيط عليهما. وأيضا تفعيل سلطة التأديب ضمن قانون انضباط مدرسي وطني دقيق وواضح وملزم للجميع، لتحميل المسؤولية لكل من المتعلمين وأولياءهم من جهة والمعلمين والمربين من جهة ثانية. أما واقع التراخي في الصرامة مع الانضباط فنتيجته هي تكريس التردي، وعرقلة ما نطمح إليه من كون المدرسة الوطنية رافعة أساسية للتنمية المستدامة، وبفضلها يتم تكريس السلوك المدني من خلال تكوين أجيال متعلمة، على وعي بالحقوق والواجبات، مدركةلأهمية الانضباط واحترام القوانين. وبذلك سيعاد الاعتبار لمؤسسة اجتماعية يبقى دورها هو أداء رسالة سامية تحتل أهميتها المرتبة الثانية في سلم الأولويات الوطنية ، بعد قضية الوحدة الترابية. الله المعين.