طنجة عاصمة الشمال، تحولت في فترة وجيزة إلى قبلة للمشاريع العملاقة الوطنية والدولية، كما أن سحر المدينة وجمالها جعلها تحتل مراتب متقدمة من حيث توافد السياح، وهو ما أتاح لها فرصة تصدر المراتب الأولى وطنيا في مجال الدعارة والمتعة الجنسية خاصة من الخليجيين. ففي مرحلة الاستعمار الدولي للمدينة، ونظرا للرواج الاقتصادي والحرية غير المسبوقة التي عاشتها المدينة كان هناك أكثر من "بورديل" يقدم خدمات جنسية يضاهي دور المتعة بفرنسا وهولندا وباقي الدول الأوربية. طنجة اليوم لم تتخل عن عادتها، فقد تحولت اليوم قبلة للباحثين عن المتعة الجنسية من داخل المغرب وخارجه، ويكفي الباحث أن يقوم بجولة صغيرة في وسط المدينة وكورنيشها، وسيقف بنفسه سيما بالليل، أمام "جيش" من بائعات الهوى مهنتهن تقديم خدمات جنسية مقابل تعويض مادي يخضع للتفاوض. الطيب بوشيبة الحقوقي و"منسق جمعية ماتقيش ولدي" بالشمال، عزا في حديثه حول أسباب انتشار الدعارة بشكل كبير في طنجة، إلى الطفرة التي عرفتها طنجة في مجال استقطاب العاملات بعد إحداث المنطقة الصناعية التي استقطبت السيدات والفتيات من كل أنحاء المغرب بحثا عن لقمة العيش، غير أنهن يصدمن بواقع مرير لا يرحم يقذفهن طوعا أو كرها في أحضان الرذيلة والاستغلال الجنسي. عاملة بالنهار بائعة هوى بالليل في السادسة من صباح كل يوم، تقف حميدة ب"شارع فاس" تنتظر حافلة نقل ستقلها إلى جانب عدد غير قليل من العمال إلى المنطقة الصناعية، حيث تعمل في مصنع للثوب. هناك تقضي يوم كاملا من العمل باستثناء نصف ساعة تمنح لهم لتناول وجبة الغذاء، قبل أن يستمر عملها إلى حدود الساعة السابعة مساء. "أعود متعبة إلى المنزل الذي أكتريه رفقة ثلاث فتيات بحي المصلى" تقول حميدة، قبل أن تفصح عن ثمن الكراء الذي يبلغ حوالي 750 درهم للفرد، والمقابل هو غرفة داخل بيت". ومن خلال جواب الفتاة، يتبين أن ثمن المنزل الذي تكتريه حميدة وصديقاتها يصل إلى 3000 درهم بحي المصلى وهو بالمناسبة حي شعبي وسط المدينة. فبعد يوم عامل شاق، كان يفترض في حميدة أن تخلد للنوم، إلا أنها لا تفعل ذلك، وتبدأ في الاستعداد لعمل من نوع خاص بعد حلول الظلام، وهو ممارسة الدعارة. أين تذهبين بالليل؟ سؤال يطرح على الفتاة ذات 27 سنة، فتجيب: "عادة لا أتأخر عن الواحدة بعد منتصف الليل إذا جاب الله شي حاجة هو هداك ماكانش كنرجع لدار". تتحدر حميدة من إقليمبني ملال، ومنذ سنة 2006 وهي تعمل بمدينة طنجة، لكن تعاطيها للدعارة لم يبدأ إلا بعد عامين من مجيئها أي سنة 2008، وإليكم القصة على لسانها. "منذ جئت إلى طنجة وأنا أكتري مع فتيات لا عمل لهن إلا في مجال الدعارة، ينمن طول النهار ولا يستفقن إلا عن السادسة أو السابعة مساء، كنا حوالي أربع فتيات اثنين منهن كانا يؤدين ثمن الكراء والأخريات كن نزيلات عند صديقاتهن. بحكم وجودنا داخل منزل واحد كنا نتحدث في مشاكل العمل وضعف الراتب الشهري فاقترحن علي الخروج معهن وكذلك فعلت، وأنا اليوم أرسل أجرة الشهر إلى أهلي ببني ملال وما أوفره من الدعارة أعيش به وأدفع به ثمن الكراء". شهادة بائعة هوى بغرفة التحقيق قبل أيام قليلة قامت فرقة الأخلاق العامة بحملة ضد بائعات الهوى اللواتي بدأن يزعجن الأمن من خلال تواجدهن الكثيف في الشوارع الرئيسية للمدينة وفي بعض جنباتها. أسفرت هذه الحملة عن اعتقال ما لا يقل عن ثمان فتيات، كلهن يمتهن الدعارة، ورغم أن المسطرة التحقيق تمر في أجواء عادية وروتينية وفق ما يؤكده مصدر أمني، إلا أن إحدى الفتيات أصرت على الاستماع إليها. قالت الفتاة للمحققين، إنني "أمارس الجنس من أجل أن أعيش، أجابها المحقق بأن جميع الفتيات يصرحن بهذا الكلام. صمتت الفتاة ثم عادت لتوجه كلامها إلى المحقق، فقالت له:" إذا سجنت فلن أقضي فترة طويلة ثم سأعود للممارسة الدعارة، وإذا أطلقتم صراحي، فسوف أعود أيضا للممارسة الدعارة، فلم أتعلم لكي أحصل على وظيفة، لكن إذا كان هذا هو سبيلي للحصول على لقمة العيش فلماذا تريدون قطعه؟". يقول الشرطي الذي حضر هذه الواقعة إن المحقق نظر إلى الفتاة نظرة عطف وأسى لكن جوابه كان غير ما تحمله تعابيره وجهه. قال لها:" سيري قولي هاد شي للوكيل". في إشارة إلى أنه ليس مختصا في إطلاق سراحها بل النيابة العامة هي من تقرر في ذلك. "أمارس الدعارة لأحصل على ثمن الجرعة" الحديث إلى بائعات الهوى والاستماع إلى شهادتهن وتصريحاتهن حول قصة ولوجهن لعالم الدعارة، هو عمل يتسرب إليه أحيانا الملل لأن الأسباب التي تدفع إلى الدعارة لا تختلف من بائعة هوى لأخرى، فالجميع يتحدث عن الفقر والحاجة إلى المال، وقلما تستمع إلى شهادة فتاة تحمل قيمة مضافة غير تلك التي نجدها عند فتيات أخريات. سمية واحدة من الفتيات التي تحل بالمركز الخاص بعلاج الطب النفسي، وهي تتعالج بمادة "الميطادون" لأنها كانت مدمنة على الكوكايين، وقد بدت الأسباب التي دفعتها للارتماء في مستنقع الدعارة مختلفة عن باقي الشهادات. تعاطي الكوكايين هو الأمر الذي يشغل سمية، صباح مساء، بيد أن الحاجة إلى مصاريفه تتفاقم يوما عن يوم، لأن ثمن الجرعة تصل في بعض الأحيان إلى 100 درهم، ولأنها بدون عمل فلم تجد سوى الولوج إلى عالم الدعارة من أجل تحصيل ثمن الجرعة. "مارست الجنس، مع أنواع مختلفة من الناس" تقول سمية في شهادتها قبل أن تضيف:" لم يكن هدفي المتعة الجنسية بقدر ما كان الحصول على ثمن جرعتين أو ثلاثة، أما المتعة فتقول عنها سمية بأنها "مفقودة". قبل أن تأتي سمية إلى العلاج بالمركز، كانت تتعاطى الفتاة لدعارة الرصيف سيما في شارع "الكورنيش" وتضيف: "عندما أحصل على مبلغ 500 درهم، فأغيب عن الشارع لمدة ثلاثة أيام، قبل أعود إليه في اليوم الرابع للبحث عن الأشخاص الراغبين في ممارسة الجنس. ما يقرب من أربعة سنوات، تعيش سمية على هذا الإيقاع جنس ومخدرات، حتى إنها حملت ذات يوم من أحد الأشخاص رفض الاعتراف لها بابنها، ورفضت هي إجهاضه وهو يعيش معها بعد مرور سنة ونصف على ازدياده. أوكار الدعارة بطنجة بائعات الجنس ينتشرن اليوم في أكثر من شارع بطنجة ويقفن في أكثر من نقطة يتجمع فيها الشباب أو بمعنى أصح الباحثين عن المتعة الجنسية. هؤلاء، (أي الباحثون عن المتعة الجنسية)، لن يجدوا صعوبة في الحصول على الوكر الذي سيقضي فيه وطره مع المومس، فالفضاءات المخصصة لهذا الغرض موجودة وسط المدينة وفي أطرافها وبين أزقتها وشوارعها، وبأثمنة لا تزيد عن 500 درهم في الليلة، و ما بين 100 إلى 200 درهم لمدة ساعة. هكذا يجري التفاهم مع الوسطاء والسماسرة الذين يتوفرون على مفاتيح شقق أو أوكار الدعارة بمدينة البوغاز. مصدر أمني بالدائرة الأمنية الثانية حيث تحيط بها عدد من شقق الدعارة قال إن "الحرب على دور الدعارة متواصل ولم يتوقف أبدا"، ويضيف: "عندما نتوصل بإخباريات حول الموضوع فإننا نخبر النيابة العامة ونقوم بمداهمة بيوت الدعارة ونوقف من يوجد بداخلها". شارع "موسى بن نصير" ،يقع وسط المدينة، وعلى بعد خطوات قليلة من مركز الدائرة الأمنية الثانية، يعج بشقق الدعارة وهو ما أكده، موح السوسي، صاحب محل تجاري بالمنطقة الذي قال إن هذه المنطقة توجد بها بيوت دعارة كثيرة والدليل كما يقول هو تجول العشرات من المومسات هنا بشارع موسى ابن نصير. وأكد المصدر أيضا أن هناك من الفتيات من يأتين من مقاهي قريبة وسط المدينة لممارسة الجنس في عدد من الإقامات السكنية الموجودة هنا بهذا الشارع. وكشف موح أن السكان قدموا شكايات إلى الدائرة الأمنية القريبة منهم، ومع ذلك فإن الدعارة متواصلة في الحي، وعملية استقطاب الزبناء وإدخالهم إلى البيوت تتم في واضحة النهار وتتضاعف بعد حلول الظلام وفي منتصف الليل. مصدر أمني: لا نتوفر على عدد دقيق لممتهنات الدعارة بطنجة "لا نتوفر على رقم دقيق حول عدد المتعاطيات للدعارة بطنجة لأن التوافد على المدينة يزداد يوما بعد يوما بسبب المشاريع الاقتصادية والرغبة في الحصول على العمل لكن عندما تفشل الفتاة في إيجاد عمل فإن غالبيتهم يتعاطين للدعارة" يقول مصدر أمني مجيبا عن سؤال حول عدد ممتهنات الدعارة في طنجة. وهناك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن عددهم قد يفوق 600 فتاة، وهو ما علق عليه الحقوقي الطيب بوشيبة قائلا:" أظن أن العدد أكبر بكثير وقد يتضاعف في فصل الصيف". أما أوكار الدعارة في طنجة فهي كثيرة، منها من بات معروفا، فتلك الشقق الموجودة في منطقة خليج طنجة، أو تلك الموجودة في أحياء المدينة وبعض شوارعها كشارع موسى ابن نصير أو شارع المقاومة. هناك أيضا أوكار معروفة لدى فرقة الأخلاق العامة التابعة لولاية أمن طنجة، التي تقوم بمداهمات من حين لآخر لهذه الأوكار وتقوم بإغلاقها وتعتقل صاحبها والتهمة هي: إعداد محل للدعارة والفساد. الإحصائيات المتعلقة بأوكار الدعارة في طنجة تشير إلى أن الأمن عالج سنة 2014، نحو 20 قضية مرتبطة بإعداد أوكار الدعارة، أما عدد بائعات الهوى الذين تم إيقافهم، فلم يتم تحديدهم وهم يندرجون ضمن الإحصائيات التي قدمت حول عدد الأشخاص الذين قدموا إلى العدالة والذي وصل عددهم إلى 38 ألف شخص، في الفترة المتراوحة ما بين 16 ماي 2014 وشهر أبريل من سنة 2015. ويوجد ضمن هؤلاء الموقوفين وسطاء ووسيطات الدعارة بالإضافة إلى بائعات الجنس، وهؤلاء سرعان ما تطلق النيابة العامة سراحهن بعد أدائهم لغرامة مالية لا تتعدى 2000 درهم. بتصرف عن جريدة "أخبار اليوم"