حكاية صفقة في انتظار استكمال تحقيقنا الصحفي عن موضوع الانارة العمومية بولاية جهة طنجةتطوان، ووفاء بالتزامنا مع القارئ الشمالي بمواصلة الكشف عن الآليات والوسائل اليعقوبية في الاشراف على تدبير سير المؤسسات المنتخبة من جماعات حضرية وقروية، سنتطرق في هذه الحلقة لنمودج إجراء صفقة عمومية ومدى تطابقها مع مقتضيات القانون والمساطر المنظمة لها، وضمانها لمبدأ المنافسة والجودة وترشيد النفقات العامة. أجواء الربيع تُطل على المنطقة، وأصداء انتخابات 2009 لازالت تُخيم على تطوان ومدن الساحل، وآثار الأشغال وأوراش الاصلاحات الكبرى بادية على الشريط الساحلي من مرتيل إلى الفنيدق، ملامح العامل اليعقوبي (والي جهة طنجةتطوان حاليا) تنبعِثُ منها صرامة استثنائية وهو يعطي توجيهاته بتهيئة الطرق التي برمجت الولاية إنجازها قبل بداية صيف 2010. الوقت يضغط والأشغال يجب أن تنتهي قبل الزيارة الملكية، وبيروقراطية قانون الصفقات العمومية ومساطر التنفيد والانجاز تُهدِّد بتأخير المشاريع التي ستقلب وجه المنطقة وسترفع من أسهم العامل الطموح. التوجيهات كانت واضحة يُؤكد أحد المسؤولين في عمالة المضيق آنذاك باستدعاء شركة "بوياشطاط" (مقرها التجاري في فاس) للشروع فورا في فتح الطريق الرابط بين مرتيل وملتقى الطرق (رومبوان) بالملاليين الذي كان إنجازه من نصيب شركة المقاول "الهلاوي". انتهت شركة "بوياشطاط" من فتح الطريق التي تمر بمحاذاة مشروع صوفيا لصاحبه الجامعي، وربطه بطريق سبتة قبل متم شهر يونيو، وتحكي مصادر مقربة من المقاول "بوياشطاط" أنه رغم التطمينات كان متوترا ينتظر تفعيل الاتفاق بترتيب الاجراءات المسطرية من اعلان طلب عروض الأثمان والدراسات المفترض انجازها والموافقة على مشروع الميزانية قبل الشروع في التنفيد. وصلت تباشير الفرج في شهر شتنبر من 2010 حين استدعت الولاية المدير التقني لشركة "بوياشطاط" عبدالرزاق البقالي وتم الاتفاق معه على تفاصيل الصفقة المُنجزة أصلا والمنتهية اشغالها باستثناء التزفيت والترصيف، كما تم التدقيق معه في تفاصيل الانجاز من المواد والأثمنة وأحجام الحفْر وسمك الطريق وغيرها من الالتزامات التي يُفترضُ أنها مدرجة بدفتر تحملات اعلان العروض المفترض هو الآخر قبل الشروع في الانجاز. كما قامت المصالح المختصة وبأمر من العامل بإنجاز طلب الميزانية والتوصل بالموافقة عليها بقيمة 12 مليون درهم، وعلق أحد المقاولين الشماليين من المغضوب عليهم من طرف جناب الوالي بنغمة ساخرة: "تمت الصفقة في احترام كامل للفصلين 72 و90 من الدستور، ولمبادئ الصفقات العمومية وضمان الولوج لكل المتنافسين إلى الطلبية العمومية، والمساواة في التعامل معهم والشفافية في اختيار صاحب المشروع". تنفس المقاول الفاسي الصعداء بعد الاجتماع المذكور، وتم الاعلان عن طلب العروض في الآجال (21يوما) التي ينص عليها القانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة والمراسيم الحكومية المنظمة للصفقات العمومية، وتحكي بعض المصادر أن السيناريو تضمن مشاركة بعض المقاولين بعروض شكلية لتسقط الصفقة على شركة "بوياشطاط" التي أنجزت المشروع ، والتي تضمن عرضها الثمن والمواصفات التي تتطلبها الصفقة _ بمعنى أن طلب العروض لم يكن حتى بالانتقاء المسبق الذي سمحت به المادة 46 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية الذي صدر لاحقا في 20 مارس 2013، بل كان بالانتقاء والانجاز المُسبقيْن (هادي هي دولة الحق والقانون وإلاّ فلا). حالة من الهستيريا اصابت المقاول الفاسي لما علِم بمشاركة منافس قوي وبثمن ينافس الشركة التي أنجزت الطريق، وبدت على أطر العمالة علامات الاندهاش أثناء فتح الأظرفة واطلاعهم على عرض شركة إيماكوترا EMACOTRA لصاحبها "بوجمعة" الذي لم يكن يعرف بالسيناريو، وتحكي نفس المصادر أن توجيهات من العمالة جاءت بإلغاء الفرز وإعادة الاعلان عن طلب جديد للعروض، وترتيب مشاركة شكلية لشركة "إيماكوترا" بشكل يضمن فوز الشركة التي جازفت بإنجاز الطريق بضمانة شفوية أن الصفقة ستكون لصالحها. في جلسة مُغلقة تلت فوز شركة بوياشطاط بالصفقة شارك فيها مديرها التقني ومدير المختبر LPEE (المدعو "زريوح") الذي تعود إليه مهمة مطابقة الأشغال للشروط المنصوص عليها في دفتر التحملات وبحضور مهندس العمالة "خويا علي" (أو نائبه) تم تحرير محضر الإنجاز بتاريخ يتطابق مع تاريخ قرار الأمر ببداية الأشغال. علامات البهجة كانت بادية على "بوياشطاط" وهو يتهيأ لمشاريع مقبلة محفوفا برضى الوالي المنتظر، ويتابع آخر خطوات الصفقة المُنجزة بتوقيع الوالي والأمر بالصرف من الخزينة. كما كان للعامل ما أراده من السرعة في الانجاز التي فرضت تطبيقا مقلوبا للقانون، وبحسب أحد الظرفاء من أطر العمالة " غاية السيد العامل شريفة.. وهي بذلك تُبرِّرُ الوسيلة، وأرباح بوياشطاط كانت سمينة.. وهي بذلك تُبرِّر المغامرة" حكايات أخرى نمودجية عن تدبير مالية الدولة ومُنشآتها العامة في ولاية يعقوبيان تنتظركم في الحلقات القادمة…