ليس ثمة مسافة بين الموسيقى والفن التشكيلي لدى الفنان التشكيلي والموسيقي يوسف الحداد. ففي لوحاته تغدو الألوان عازفة لموسيقى حالمة، متجانسة ، حيث تنبجس من اللوحات كنغمات موسيقية، تسكن المتلقي في دهشة، وتطرح عليه أكثر من سؤال. بل إنها تجعله يعيد الاقتراب أكثر إلى هذه اللوحات لاكتشاف الجديد. إن فرادة يوسف الحداد في هذا المزج الرائق للألوان والموسيقى إلى درجة التنثير، إذا صح القول. وهذا الأمر ليس بعيدا عن شخصية الفنان التشكيلي يوسف الحداد الذي يعزف الموسيقى وكأنه يرسم لوحة تشكيلية، ويرسم وكأنه يعزف لحنا الموسيقى. ومن هنا استطاع أن يؤسس لنفسه، وبعد مسار فني طويل، إسما، وخصوصية، ونغمة تشكيلية متفردة. ويشهد بعض المتتبعين للأعمال التشكيلية ليوسف الحداد أن معالمه الفنية التي تميز تجربته الفنية يقيمها على البحث في قوالب تشكيلية تختلط فيها الألوان والأشكال بالأصوات والنغم وتستدرج المتلقي على نحو فني ماكر إلى استعمال كل حواسه للاستمتاع بالتشكيل. يقول الناقد مصطفى الشرفي في تقديمه لأحد معارض يوسف الحداد: " يوسف الحداد لا ينطلق من حدود الواقع ولكن يسير نحوه، نحو الذي يجب أن يكون، فضرباته التي تعدو بين السريعة والبطيئة خاضعة لمنطق الصدفة والارتجال". ويضيف الشرفي مبرزا بخصوص الألوان وانزياحاتها قائلا: " إن الألوان لا تستقر على حال، رمزيتها ودلالتها تتبدل من حقل ثقافي لآخر، كما داخل الحقل الواحد، بانزياحاتها وهجراتها وتداولها : الأزرق مثلا ينوب عن الأبيض وأحيانا أخرى كما الأسود عن الأخضر"، وهكذا.يشير الشرفي إلى أن " القراءة في مستويات اللون داخل أعمال يوسف الحداد لا تتحقق إلا نسبية وافتراضية القصد منها ليس تحديد الألوان الأساسية : تواجدها أو عدمه، صفاؤها أو هجنتها، دلالاتها الظاهرة والخفية، بل ظلالها، لونياتها، هويتها، حينما تترادف وتتناغم أو تتضاد وتتنافر.. إن الألوان محققة بهذه الكيفية تشكل هارمونية متنوعة دون هيمنة أي لون ودون احتجاب بعضها في الظلام والعماء، لأن الإطار يوحدها والوعاء الشفاف يعطيها إمكانية الإضاءة الذاتية النابعة من خصوصية كل لون. يوسف الحداد عاشق الموسيقى وعازف القيثارة، ترجم رناته الموسيقية إلى ألوان تسبح في بحر مقامات الصمت والمساحة والزمن لتتشكل منها انزياحات اللون". لنقف الآن عند إحدى لوحاته، حيث نلمس عن كثب هذا التمرد على التناغم التقليدي بين الألوان، كمالوكانت هي التي تعزف موسيقاها الخاصة، وليس فقط الشخص الذي يعزف على البيانو أو الواقف أمامه، ذاك المتأمل. إن كل لون – منزاح- يمتلك إضاءته الخاصة، و دلالته، فاسحا بذلك المجال للصمت والزمن ليرسما عنفوان اللحظة، وبريقها.