يجمع معظم الباحثين على أن الديمقراطية مجموعة من الإجراءات والآليات التمثيلية والتعبيرية عن تطلعات الشعب والمجتمع، كما أنها تجسد القيم والمبادئ التي تحكم علاقات الأفراد والجماعات في تدبير المصالح المختلفة. فهي ليست فقط وسيلة لضمان التداول السلمي على السلطة، وإنما هي آلية تتوخى تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية باعتماد الإجراءات الكفيلة ببلوغها وإحقاقها. د. أنس اليملاحي ومن بين أهم المبادئ التي تستلزمها الديمقراطية، بل وتعتمدها معيارا في قياس درجتها داخل المجتمعات، نجد مبدأي التجديد والتشبيب، والذي لا يمكن أبدا الحديث عن قيام نموذج ديمقراطي من دون ضمان إحقاقهما. ذلكم أن أخطر المآزق التي تواجه أي نموذج ديمقراطي، هو مأزق "شيخوخة النخب" والتي تعني بالضرورة شيخوخة النموذج الديمقراطي. لذلك، يربط جل المنظرين للديمقراطية، سواء بالمرجعية الاشتراكية الاجتماعية أو بالخلفية الليبرالية الجديدة، نجاعة أي نموذج ديمقراطي بقدرته على تجديد النخب وتشبيبها. ولقد عمل المغرب على ضمان تشبيب وتجديد مؤسساته، من خلال ضمان تمثيلية الشباب المغربي فيها، عبر ضمان ولوجه إليها عن طريق آلية التمييز الإيجابي من خلال تخصيص عدد من المقاعد التمثيلية للفئة الشابة. ، ومن المفروض أن هذه الآلية قد تكون انعكست بالإيجاب على فهم وقناعة الفاعلين الحزبيين، والمفروض فيهم أن يعملوا اليوم على استمرار ضمان هذه التمثيلية، وبالتالي ضمان تكريس مبدأ التشبيب حتى بعد أن تم التخلي عن آلية اللائحة الوطنية. وربما هذه هي القناعة التي حكمت الحكومة المغربية عند إعلان تخليها عن اللائحة الوطنية المخصصة للشباب عند تقديمها للقوانين الانتخابية، فقد تابعنا جميعا كيف أكد السيد وزير الداخلية، على أن ضمان تمثيلية الشباب في المؤسسات المنتخبة، هي مسؤولية حزبية صرفة، حيث على الفاعل الحزبي ضمان تقوية حضور الشباب فيها من خلال تزكيته وترشيحه والرهان عليه. مسألة التجديد والتشبيب ليس ترفا فكريا، ولا جدلا ثانويا زائدا وفي هذا الصدد، ينبغي أن نستحضر التوجيهات الملكية السامية بضرورة الإشراك الفعلي للشباب في الحياة السياسية والاجتماعية، ولعل خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد الشباب لسنة 2020 خير دليل على ذلك، حيث يترجم الالتزام الملكي لفائدة الشباب لجعله في صلب البناء السياسي والمؤسساتي والتنموي. ومن هذا المنطلق، سيكون مفيدا لجميع الفاعلين، كل في موقعه، في استلهام الرؤية الملكية الواقعية والطموحة والمساهمة في إشراك الشباب في عملية بناء مجتمع متطور ومتماسك وحداثي، وإدماجهم في المسار السياسي والتنموي للبلاد، وتمكينهم من الأدوات والوسائل الضرورية التي تجعلهم قيمة مضافة حقيقية في كسب رهانات التقدم والازدهار. ويبقى الأساسي في النقاش العمومي الذي راج مؤخرا في المشهد السياسي والحزبي أن مسألة التجديد والتشبيب ليس ترفا فكريا، ولا جدلا ثانويا زائدا، بل إنها عبارة عن موضوع يشكل منهجا وفيصلا: منهج من الواجب أن يحكم اختيارات كل من يعلن نفسه مساهما في بناء النموذج الديمقراطي المغربي، وفيصل بين الديمقراطي وغير الديمقراطي إذ لا يمكن الحديث عن فاعل ديمقراطي إن هو لم يدافع على تكريس مبادئ الديمقراطية التي يأتي التجديد والتشبيب في مقدمتها. اعتبارا لكل ذلك، وانطلاقا من قناعة راسخة تشكلت لدي كشاب ديمقراطي يمارس السياسة من جهة، وكشاب مساهم في تجربة شبيبية تقدمية رائدة من جهة أخرى، لا أجدني إلا في صف المدافعين عن الديمقراطية، في صورتها القيمية قبل الإجرائية، ولا أجد نفسي إلا منخرطا، في الصف الأمامي، من أجل الدفاع عن ضمان تمثيلية الشباب المغربي في المؤسسات المنتخبة من خلال خوض غمار الاستحقاقات المقبلة في مختلف الواجهات الميدانية والمواقع المحلية والجهوية والوطنية.