يدخلنا الفنان التشكيلي محمد بوزباع بلوحة “الفرن” إلى عالم شاسع، حيث يرسم فنيا وتشكيليا رجلا داخل فرن يحمل صينية خبز، رجل بسيط، كنا نراه في أيام طفولتنا البعيدة الغور. ينبغي في الحال أن نقر، جوهريا، بأننا، وبلا أي بعد، أمام لوحة مذهلة، أو لنقل، بعبارة أخرى، أمام تحفة فنية آسرة. ثمة في هذه اللوحة ألوان مختلطة، الرمادي والأصفر وبعض الأحمر…، ومنظر خلفي لجزئية من الفرن، صينية الخبز التي يحملها الرجل بملبسه البسيط في حالة من الحالات ( نحن نعرف أن بوزباع يرسم الإنسان في كل حالاته)، وفي هذه الحالة الفنية التشكيلية تتمظهر الحالة الإنسانية التعبيرية الخالصة التي تثبت إبداعيا كدح الرجل، من دون أن تصدمنا، وإنما ترج وعينا بمحاولة الإنتباه إلى أن هناك أناس يأكل الشقاء أجسادهم. في هذه اللوحة ينتصر بوزباع تشكيليا للبسطاء من الناس، ويفضض ذلك النمط من التفكير المتعالي السائد بتحقير هؤلاء المقهورين في مجتمع يجعل منهم عبيدا للعمل الكادح، ويكلمنا فنيا وتشكيليا عن الشقاء الذي لايعرفه أو يعيشه مانسميهم بالأسياد المستعبدين للناس. يتوسط الرجل البسيط الكادح اللوحة وهو يحمل، من داخل الفرن، صينية الخبز كما لو أنه يمنحنا إياها، ولكن الخبز هذا لا نأكله، إنه خبز بوزباع. فالخبز رمزيا يصنع من الطحين، والطحين يأتي من الزرع، والزرع ينمو من الأرض، والأرض تراب ( أنظر اللوحة ثمة ألوان ترابية تحوطها، أيضا)، والتراب منه خلق آدم. إنه الطين. ثمة شيء يجعلنا نتمزق من الداخل في هذه اللوحة! شيء ما يقذفنا إلى الأرض، إلى الأرض والجذور. ثمة شيء ما يعود بنا الأصل في هذه اللوحة ” التحفة الفنية” الذي أصبحنا نشيح عنه بوجهنا.