الصحافيون الشرفيون المتقاعدون يسلطون الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية    المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن الأسعار خلال سنة 2024    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    الكاف يؤكد قدرة المغرب على تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    إحباط محاولة تهريب 9 أطنان و800 كلغ من مخدر الشيرا وتوقيف ستة مشتبه فيهم    مراكش: توقيف 6 سيدات وشخص لتورطهم في قضية تتعلق بالفساد وإعداد وكر لممارستة    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    وهبي: مشروع قانون المسطرة الجنائية ورش إصلاحي متكامل له طابع استعجالي    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    ترامب يصفع من جديد نظام الجزائر بتعيين سفير في الجزائر يدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    تنفيذا للتعليمات الملكية.. تعبئة شاملة لمواجهة موجة البرد في مناطق المملكة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    خديجة الصديقي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    أمريكي من أصل مغربي ينفذ هجوم طعن بإسرائيل وحماس تشيد بالعملية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش الانتحار!
نشر في شمال بوست يوم 07 - 07 - 2019

لم يكن الانتحار موقفا عاديا، وكثيرون يعتبرونه عملا جبانا، يحرمه التشريع الديني، كما يحرمه القانون ويعاقب عليه في موقف يظهر عدم إدراك المشرع لفلسفة المنتحر أصلا..
الاستاذ عمر أمزاوري
الإنسان المنتحر كائن فقد الرغبة في الحياة، لم تعد لديه غاية، يرى أن فكرة الموت حتمية فيقوم باستعجالها، فالمسألة لا تتعلق بالجبن، بل بالإقدام على تحقيق انقلاب ثوري ضد الطبيعة نفسها: أي استمرار الكائن الحي الذي يعد الغاية القصوى لأي حيوان..
في الانتحار تتلاشى فكرة الخوف، وهذا الأخير يجعل الحيوان يستمر، ومن خلال السيطرة على الخوف نستطيع أن نستمر ونخطط ونضع تصورا لتجنب المخاطر المحتملة..
ذهب Camus إلى اعتبار الانتحار أشجع موقف فلسفي في مواجهة العبثية التي تحيط بالعالم، عالم عبثي لا معنى له في نظر المنتحر، الذي يعاني كثيرا مثل سيزيف الحامل لصخرة العذاب فوق ظهره صعودا ونزولا..
لم يكن الانتحار ليصير حراما إلا مع الأديان التوحيدية؛ خاصة في العهد المتأخر من اليهودية كدين وثقافة قومية للشعب العبري لأنها تحولت إلى ثقافة مهددة بالانقراض بسبب عمليات إبادة الذكور؛ وهنا ندرك كيف يجعل العبرانيون الأوائل نسبة الأطفال للأم اليهودية، لقد تعلق الأمر بلحظة فارقة من تاريخ هذا الشعب الذي اضطهد كثيرا على أيدي المصريين والبابليين، والكنعانيين.. والانتحار سيصبح حراما لأن شعب الله المختار في حاجة إلى مقاتلين ومؤمنين ومربين لاستمرار وجوده وثقافته. هذه هي أصول تحريم الانتحار في الديانات التوحيدية.. وعطفا على ذلك استمرت التشريعات الوضعية المتأثرة بها في تحريم الانتحار.
وعلى عكس ذلك فإن الانتحار يعد فعلا مجيدا في الأديان القديمة، ولازال يحتفى به في اليابان التي توجد فيها ثقافة انتحار ذات جذور دينية وفلسفية..
مؤخرا ظهر مفهوم الموت الرحيم، اختراع آلة موت رحيم بالإنسان.. ذلك الإنسان المريض والفقير الذي لا يملك المال لتجميد نفسه والبقاء خالدا أو أن يفكر في استبدال جسده بالترانتزستور الذي يحمل الوعي البشري.
يظهر الانتحار مدى ألم الإنسان في عصر ما بعد الحداثة، ألم تغذيه مشاعر العجز الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار سلوك التفاخر والتنمر الاقتصادي والاجتماعي على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب جهل الإنسان..
إن الإنسان يرى الصور والتدوينات ولا يرى حقيقة الإنسان في الواقع، يسمع الكلام مثلا دون أن يرى الفعل، يرفض الإنسان اليوم الإقرار بكونه صار وحيدا بلا صديق، لا يصدق أحدا، ويشكل الأثموسفير عالمه الحقيقي، حيث يتغذى إيديولوجيا ودينيا ليظل صاحب معنى، أي لديه موقفا رغم أنه لا أحد ممن يضع اللايكات يكترث في الحقيقة له، فإن جاع أو فشل فلا صديق ولا قريب يواسيه، وإذا شاخ فلا حفيد يؤنسه، وإن مات فلا أحد يسير في جنازته.
يرى الإنسان المنغمس في الوهم السيارة ولا يدرك مصاريف السيارة؛ يرى النجاح ولا يدرك ضريبة النجاح من عمل وإجهاد، يقرأ عن فلان المثقف ولا يدرك كم قضى فلان في المطالعة والبحث، يرى فلانا سعيدا ولا يعرف كم معاناة يخفيها بابتسامة مصطنعة.
لكن الحقيقة تختلف، لا يوجد إنسان لا يعاني، وكلما تقدم في السن، فإنه معاناة الإنسان تصير أكبر وأكبر..
كتبت هذا لأن حوادث الانتحار في مدينة تطوان مرتفعة جدا في الآونة الأخيرة، لا أدري السبب.. لكن ما ألمسه فإن منسوب الطاقة السلبية مرتفع جدا في واقع مدينتي، الوضع الاقتصادي شبه متوقف لأن المدينة محاصرة بين الجبال، تعرف نزوحا من ذوي الكفاءات نحو طنجة، فيها أيضا استهلاك عال من المخدرات، إضافة إلى نمط حياة سيء للغاية يعادي العمل التجاري ويعزز من الزينوفوبيا، بل الأكثر من ذلك هو أن الجيل الأخير نشأ على بحبوحة اقتصادية وهمية شعارها: (تطوانيين برزقنا ماشي سعايه)، في حين أن الواقع الإقتصادي مؤلم ولم يتحدث عنه أحد..
أتذكر في الصيف كان والدي رحمه الله يأخذني إلى المحل.. ليس لدي مفهوم اسمه الشاطئ صيفا، حتى إذا ما قمت وقلت له لماذا؟ قام رحمه الله وحكى لي طفولته القاسية.
وبعدما كبرت وعملت في عمل تطلب مني السفر بين مدن المغرب، لاحظت أن المرأة عندنا تتلقى تربية سلبية تترواح بين عالم زمردة وكتب تحفة العروس وفي أقصى الحالات نوال السعداوي بحمولتها المعادية للروح الرأسمالية العظيمة، لا تستطيع في تطوان أو الشمال بما فيه الريف أن ترى سيدة تركب دراجة نارية! رغم أن جدتي كانت تركب حمارا أو بغلا لتنتقل وتقضي أعمالها اليومية..
لا يمكن في الشمال اليوم أن يرى الناس شابا ببذلة محترمة دون أن يستغربوا، طبعا هناك طاقة سلبية كبيرة جدا تحيط بنا جعلت الكثيرين يعيشون على أمجاد الماضي العتيد، أو قصص المجد في الثمانينيات، أو صناعة قصص سعيدة جديدة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو الانتحار في حالة تلاشي الأمل وانسداد الأفق، وفقدان الثقة في كل القيم الدينية والثقافية.. الانتحار موقف متمرد، والعبثية عند علي عزت بيغوفيتش هي احتجاج على غياب الألوهية، أي غياب المعنى الذي قتله عصر مفرط في المادية والهيدونية، استحال فيه التدين إلى طقوس وثنية، والتفسلف إلى فكر عقيم يدعي أنه عميق..
في كل الأحوال دون إدراك روح المقاولة (روح الرأسمالية) كما نظر لها فيبر فإن الانتحار دائما يفوز، هذا على الشق الفكري والفلسفي أما الشق الاقتصادي والاجتماعي فهو من اختصاص أهل الاقتصاد والهندسة الاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.