بالموازاة مع نضالات الحراك الشعبي في الريف ، تروّج جهات سياسية وإعلامية منها حتى من داخل الدولة المغربية لفرضية وقوع الفتنة والفوضى في المغرب واستحضار سيناريوهات ليبيا وسوريا. وهربا من مواجهة الواقع المرير الذي يمر منه المغرب في قطاعات استراتيجية وهامة لمستقبل الشعب المغرب وهي الصحة والتعليم والشغل والمحافظة على ثروات البلاد من نهب ممنهج، وهربا من تمظهرات هذه المطالب في حراك شعبي سلمي في مناطق متعددة ومنها منطقة الريف التي تطالب بمشاريع ملموسة وواقعية بعيدا عن الشعارات والوعود، تميل الدولة الى سياسة العنف وكذلك تبخيس هذه المطالب بفرضيات سياسية ومنها استحضار فرضية الانفصال وفرضية الحديث عن تعرض المغرب لواقع مثل ليبيا وسوريا. وجاء على لسان أكثر من مسؤول مغربي الدعوة الى تجنب الفوضى في تعليقه على حراك الريف، ويقوم مواطنون في الفايسبوك بعضهم عن حسن نية وآخرون بشكل متعمد باتهام الحراك الشعبي في الريف بجر البلاد الى الفوضى. وقراءة لتاريخ الشعوب، سيقف أي متتبع على أن وقوع انتفاضات والتي قد تتخذ شكل فوضى أحيانا يحصل في الدول التي لا يحترم حكامها الديمقراطية كما يحدث في الدول التي تقوم فيها الطبقة الحاكمة بنهب ممتلكات الشعب. ولنتساءل: لماذا لا تقع الفوضى في الدولة التي تحترم المنهجية الديمقراطية سواء التي لها تاريخ ديمقراطي مثل فرنسا وبريطانيا أو الحديثة مثل الهند والتشيلي والبانيا؟ ثم، لماذا لا تقع الفوضى في الدول التي يحمي فيها القضاء ممتلكات الشعب من النهب؟ في الوقت ذاته، إن الجهات الاعلامية والسياسية التي تحذر من سيناريو شبيه بليبيا وسوريا وتحاول نشر هذه الأطروحة وسط الرأي العام المغربي، إما تقوم بذلك عن جهل حقيقي بالعلاقات الدولية، أو أنها متعمدة للتغطية على الفساد، وفي كلتا الحالتين فهي تضرب صورة البلاد داخليا ودوليا وتحاول الإيحاء بأن الاستقرار في البلاد هو على حافة الهاوية. في هذا الصدد، لا يمكن تكرار ما حصل في سوريا وليبيا لأسباب متعددة نذكر منها: أولا، الأنظمة السورية والليبية هي أنظمة دموية بامتياز، وهذا يعني وجود نسبة هامة من الشعب تريد الانتقام من السلطة وهو ما يفسر رهان جزء من الشعب على السلاح. وهذا المعطى غير موجود في المغرب، فرغم تدحرج النظام ما بين الدكتاتورية والديمقراطية الواجهة، غاية الشعب أو على الأقل جزء منه هو الانتقام من الفساد عبر فتح تحقيق ومحاكمات من سرق أموال الشعب. ثانيا، انهيار الوضع الأمني في ليبيا ثم في سوريا قبل استعادة بشار الأسد السيطرة النسبية على البلاد يعود أساسا الى التدخل العسكري الأجنبي الغربي والعربي لإسقاط هذه الأنظمة. فقد تدخلت قوات عسكرية خاصة غربية في البلدين وقصفت طائرات فرنسية وبريطانية وأمريكية للبنيات العسكرية لليبيا وسوريا. في الوقت ذاته، شاركت دول عربية ومنها الإمارات والسعودية ودور غامض للمغرب في إسقاط نظام القذافي. وفي حالة السورية، فقد مولت بعض الدول العربية الخليجية الحركات الإرهابية لتدمير سوريا، وسمحت أوروبا وبعض الدول العربية باستقطاب الإرهابيين وتسفيرهم الى منطقة الشام. وارتباطا بهذه النقطة الثانية، نستحضر التساؤلات التالية: هل سيتعرض المغرب لقصف غربي لينهار جيشه وإسقاط الملكية؟ وهل ستعمل الدول العربية على تسفير الإرهابيين نحو المغرب لنشر الفوضى؟ المغرب حليف للدول الغربية وحليف للدول الخليجية. فمن جهة لن يتعرض لأي هجوم غربي لأنه يساير السياسة الغربية، ومن جهة أخرى، لن نتصور إقدام دول مثل قطروالإمارات العربية والسعودية على تسفير إرهابيين نحو المغرب وتجهيزهم بالأسلحة. في الوقت ذاته، من يروجون من داخل الدولة أو الجهات القريبة منها لفرضية الفتنة على شاكلة سيناريو ليبيا وسوريا يوجون بأن الاستقرار في المغرب على حافة الهاوية وأن جميع مؤسساته من ملكية وجيش وأحزاب ومجتمع مدني هشة وستسقط. وعليه، ترويج فرضية الفتنة والتحذير من تكرار سيناريو ليبيا وسوريا في المغرب يعتبر "خرافة سياسية" للتغطية على العامل الحقيقي الذي قد يقود الى انتفاضات شعبية وسلمية، هذا العامل هو: أين ثروة الشعب المغربي؟ وبعبارة أخرى التستر على الفساد والمفسدين ومن نهبوا ممتلكات الشعب.