أعادت مصادقة مجلس النواب، امس الاثنين، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بترسيم الامازيغية، الجدل حول هذه الأخيرة إلى واجهة الاحداث، وأجّجت غضب الفاعلين في مجال الدفاع عن الأمازيغية بسبب الغموض واللبس الذي اكتنف مقتضيات هذا المشروع، رغم ان الوضوح والدقة يجب أن يميزا اللغة القانونية.. وكما كان الشأن بالنسبة للمادة الخامسة من الدستور، التي نصت على ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، فإن الوضوح والدقة لم يجدا طريقهما إلى هذا القانون التنظيمي، سواء في تحديد مفهوم اللغة الامازيغية أو حصر الجهات المسؤولة عن تفعيل هذا القانون وكذا مراحل وآليات التفعيل..
وللتدليل على ذلك نورد بعض الأمثلة وهي لامحالة، غيض من فيض، حيث إن المشروع يعج بالغموض والمتناقضات التي لن تسعف في "تنزيل"(كما يحلو لحزب العدالة والتنمية ان يصف ذلك) الطابع الرسمي للامازيغية، ولن تعمل إلا على تأجيج الخلافات والصراعات حول الموضوع، وبالتالي تأجيل التفعيل إلى أجل غير مسمى..
نصت مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الاولى من الباب الأول المتعلق بالاحكام العامة في مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الاولوية، على أن اللغة الامازيغية يقصد بها "في مدلول هذا القانون التنظيمي مختلف التعبيرات اللسنية الامازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة".
وبالرجوع إلى مطالب الحركة الامازيغية والاتجاه العام للمهتمين والمتخصصين في شؤون الامازيغية، فإن هذا التعريف يعتبر تراجعا وضربا لما تحقق من تراكم في مسار معيرة وتوحيد الامازيغية، كما أن هذه الفقرة تناقض مقتضيات المادة الخامسة من الدستور التي تنص على أن الأمازيغية تعد "أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"، هذه الفقرة تتحدث عن "لغة" وبالتالي فإن التفعيل يخص اللغة الامازيغية كلغة رسمية، وليس تفعيل ترسيم "التعابير" التي يتحدث بها المغاربة في مختلف المناطق شأنها شأن الدارجة المغربية بمختلف تلاوينها..
ويرى العديد من الفاعلين في الحركة الامازيغية ان مشروع القانون التنظيمي عندما عرف اللغة الامازيغية بكونها "مختلف التعبيرات اللسنية الامازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة"، إنما حاول تعويم القضية ووضع العراقيل أمام توحيد ومعيرة اللغة الامازيغية رغم ما تم تحقيقه ومراكمته في هذا المجال..
وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة الثامنة من مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 نجد مقتضياتها تنص على أنه "يراعى في إعداد المناهج والبرامج الدراسية الخاصة بتدريس اللغة الامازيغية مختلف التعبيرات الأمازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب"، وهذا يتنافى مع ما جاء في مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الاولى من الباب الأول المتعلق بالاحكام العامة، حيث تتماها فيه اللغة بالتعابير المختلفة؛ وكان حريا بمدبجي المشروع ان يكونوا منسجمين مع انفسهم، فإما تغيير التعريف في المادة الأولى أو تغيير الفقرة الأولى من المادة الثامنة من مشروع القانون التنظيمي حتى لا يكون هناك تناقض لأن هناك فرق بين تدريس اللغة الامازيغية التي تتحدث عنها الفقرة الأولى من المادة الثامنة من المشروع، والتي جب ان تأخذ بعين الإعتبار "مختلف التعبيرات الأمازيغية المتداولة في مختلف مناطق المغرب"، وتدريس التعابير التي يعتبرها المشروع هي اللغنة الامازيغية نفسها، حسب منطوق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الاولى من الباب الأول المتعلق بالاحكام العامة في ذات المشروع..
وفي الباب الثاني بخصوص إدماج الأمازيغية في مجال التعليم، تنص المادة الثالثة على أن تعليم اللغة الامازيغية يعد "حقا لجميع المغاربة بدون استثناء"، وهو ما يؤكد أن تعليم هذه الأخيرة(أو لنقل تعابيرها) ليس واجبا على كل المغاربة بل هو حق يمكن ان يفرطوا فيه أو يتنازلوا عليه، وهو ما حدث في الجزائر حيث رفض العديد من الآباء تدريس ابنائهم الأمازيغية بدعوى انهم ليسوا امازيغ، وهو ما يرددجها العديد من المناهضين للامازيغية بالمغرب بدعوى أن لا طائل من تدريسها، ويجب عوض ذلك تدريس اللغات العالمية النافذة اليوم، وهو ما يتناقض مع مواقفهم عندما يتعلق الأمر بالعربية في مواجهة هذه اللغات الاجنبية، وما رفضهم لتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية والانجليزية إلا دليل على ما نقول..
أما بخصوص مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبعه، فإن الأمر يثير العديد من الشكوك حول نيّة مدبجي المشروع ومدى توفر الإرادة السياسية لديهم لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إذ أن مقتضيات المادة 31 من الباب التاسع المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبعه، يتحدث عن مددٍ تتراوح ما بين 5 سنوات و 15 سنة.
وهكذا سيكون على الامازيغية انتظار سنوات عديدة اخرى ستنضاف الى السبع سنوات المنصرمة التي قضاها حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه في تسيير الشأن العام، عقب دستور 2011 الذي نص على ان اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية.
ونصت مقتضيان المادة 31 سالفة الذكر على أنه "يعمل بأحكام المواد 4 (الفقرة 2) و7و9و10 (الفقرة الاولى) و12 و13 و14 و15و 20و27 و28 و29 من هذا القانون التنظيمي داخل اجل خمس سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
ويعمل بأحكام المواد 4(الفقرة3) و6 10و(الفقرة 2) و 21و22 و26 و30 من هذا القانون التنظيمي داخل اجل عشر سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية..
ويعمل بأحكام المادتين 11 و23 من هذا القانون التنظيمي داخل أجل خمسة عشر سنة على الأكثر ابتداء من تاريخي نشره بالجريدة الرسمية."
وسنعود للموضوع في مقال آخر للحديث عن مراحل هذا التفعيل وآليات تتبعه..