قال وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة إن مشروع قانون المالية لسنة 2012 "يأتي متزامنا ومتفاعلا في إعداده وتقديمه مع ظرفية وطنية وإقليمية ودولية تطبعها العديد من التحولات السياسية٬ وكذا التطورات الاقتصادية المطردة على وقع الأزمة العالمية".
وأوضح بركة٬ امس الخميس في معرض تقديمه لعرض يتضمن الخطوط الرئيسية لمشروع قانون المالية خلال جلسة عمومية لمجلسي البرلمان في إطار دورة استثنائية٬ أن المملكة "شهدت في الفترة الأخيرة دينامية جديدة على مستوى الإصلاحات المؤسساتية والسياسية في تجاوب مع انتظارات المواطنين٬ بحيث شكل الخطاب الملكي التاريخي ليوم تاسع مارس 2011، دفعة قوية في اتجاه استكمال البناء الديمقراطي وترسيخ دولة القانون والمؤسسات٬ وإرساء تعاقد مجتمعي جديد للمستقبل من خلال إقرار دستور جديد يترجم طموحات الشعب المغربي بمختلف مكوناته وفئاته إلى المواطنة الكاملة والحياة الكريمة والتنمية الشاملة والارتقاء الاجتماعي".
كما قال الوزير إنه "في ظل هذه الظرفية الاستثنائية، حيث تتقاطع الانتظارات والرهانات والتحديات٬ حرصت الحكومة منذ تعيينها.. على إعطاء الأولوية مباشرة لمشروع قانون المالية لسنة 2012، حيث تمت المصادقة على توجهاته العامة من قبل المجلس الوزاري٬ وتكاثفت جهود مختلف القطاعات الوزارية من أجل الإسراع بعرضه على أنظار المؤسسة التشريعية٬ ومناقشة مضامينه في إطار التفاعل والتعاون والحوار الجاد والمثمر٬ الذي يقتضيه هذا القانون باعتباره أحد المكونات الأساسية للسياسة العامة للبلاد ومدخلا لتفعيل التدابير والإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي".
وأبرز نزار بركة أنّ مشروع قانون المالية |يستند إلى أولويات وأهداف البرنامج الحكومي كما هي محددة أساسا في تثمين الهوية الوطنية وتلاحم مكوناتها المتنوعة٬ وترسيخ دولة القانون والحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة٬ وتعزيز أسس نمو اقتصادي قوي ومستدام٬ وضمان الولوج العادل إلى الخدمات الاجتماعية وتكافؤ الفرص والتضامن بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات".
ووفق ذات العرض فإنّ مشروع قانون المالية "يقوم على ثلاثة مرتكزات كبرى نابعة من أولويات البرنامج الحكومي٬ تتمثل في تعزيز دولة القانون وتدعيم مبادئ وآليات الحكامة الجيدة٬ وتعزيز أسس نمو قوي ومستدام في إطار مواجهة تداعيات الأزمة العالمية واستعادة التوازنات الماكرو- اقتصادية٬ وكذا ضمان ولوج عادل للمواطنين للخدمات الأساسية وترسيخ مبادئ التضامن وتكافؤ الفرص".
"الحكومة تسعى إلى أن يشكل هذا المشروع سندا لترسيخ مسار البناء الديمقراطي وتفعيل الإصلاحات الأساسية والمؤسساتية العميقة٬ التي انخرطت فيها المملكة والمساهمة الواعية طبقا لأولويات البرنامج الحكومي في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد وفق مقاربة تشاركية٬ وفي مقدمتها تفعيل القوانين التنظيمية باعتبارها المحرك الحقيقي لما يفتحه من آفاق ديمقراطية واعدة وإرساء الجهوية المتقدمة من خلال وضع الإطار القانوني للجهة كمنطلق لإصلاح وتجديد هياكل الدولة.
كما يأتي ضمن أولويات المشروع ترسيخ نهج الحكامة الجيدة عبر عدة واجهات٬ في مقدمتها مواصلة جهود تحديث تدبير المالية العمومية بإصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية٬ سعيا إلى تحسين أداء التدبير العمومي٬ وتعميق شفافية المالية العمومية٬ وكذا تقوية دور البرلمان في مجال مراقبة المالية العمومية٬ فضلا عن كون هذا الإصلاح سيمكن من إدماج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن السياسات العمومية".. يورد بركة.
كما أضاف بركة أنه ستتم٬ في نفس السياق٬ "مباشرة الإصلاحات التشريعية الرامية إلى مراجعة مدونة الصفقات وتعميمها على إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية٬ وتوطيد دور المفتشية العامة للمالية وتحديث المنظومة المؤطرة لتدخلاتها وإصلاح القانون المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة"..
وبالموازاة مع ذلك سيتم، حسب الوزير، "تطوير مقاربة مندمجة لتدبير السياسات التنموية تعتمد البرامج التعاقدية القطاعية المندمجة٬ وتكرس مبادئ النجاعة والفعالية والتنسيق٬ مع تبويء الشراكة بين القطاعين العام والخاص مكانة متقدمة في تدبير إنجاز المشاريع بمختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية".
وتضمن العرض بأن الحكومة "ستوجه كامل عنايتها إلى تحديث الإدارة والارتقاء بالأداء والخدمات المقدمة للمواطنين إلى مستوى أعلى من النجاعة والفعالية والمردودية٬ من خلال مواصلة تبسيط المساطر وتيسير الولوج إلى الخدمات العمومية وتطوير خدمات الإدارة الإلكترونية وإصدار القانون المتعلق بالحصول على المعلومة تطبيقا للمادة 27 من الدستور.
كما تضع ضمن أولوياتها، برسم سنة 2012، تحسين مناخ الأعمال من خلال تقوية ورش الإدارة الإلكترونية٬ كما ستعمل على توطيد ركائز عدالة مستقلة وفعالة ومحاربة مختلف أشكال الفساد٬ والرشوة٬ والريع الاقتصادي والاحتكار والعمل على ضمان تكافؤ الفرص وحرية المبادرة الخاصة والشفافية والمنافسة الشريفة".
وسجل أن هذا المشروع يروم إقامة نموذج اقتصادي واضح المعالم والمرامي ينبني على تعزيز النمو الداخلي وتشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل٬ وتأهيل العنصر البشري٬ وتطوير آليات التضامن والحماية الاجتماعية٬ وإرساء تنمية مندمجة متوازنة ومستدامة ذات بعد ترابي.. أما في ما يخص السياق العام لإعداد هذا المشروع٬ يضيف الوزير٬ فقد تميز باستمرار الأزمة الاقتصادية الدولية وآثارها على الاقتصاد الوطني رغم أسس مناعته.
وعلى الرغم من هذه التحديات والصعوبات المرتبطة بآثار الظرفية الدولية وارتفاع العجز٬ يعتبر الوزير أن الاقتصاد الوطني "ظل يحافظ على مقومات المناعة الكفيلة بمواجهة الأزمة الدولية بشكل عام والتقليص من آثارها السلبية على القطاعات الأكثر ارتباطا بتقلبات الظرفية الخارجية واستثمار الفرص المتاحة٬ كما تؤكد ذلك مختلف التقارير الدولية٬ وخاصة من لدن وكالات التصنيف الائتماني التي حافظت للمغرب على تصنيفه في درجة الاستثمار في وقت تراجعت فيه درجات العديد من البلدان٬ خاصة منها بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
وقال وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة إن البعد المجالي لمشروع قانون المالية لسنة 2012 "يرتكز على منظور يوازن بين تأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية وضمان انخراط كافة الجهات في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمتضامنة والمستدامة".
ضمن عرضه المتضمن للخطوط العريضة للمشروع قال بركة إن تأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية يدفع مجهودات الحكومة للتركيز على توفير التجهيزات والخدمات الأساسية٬ وكذا تحسين ظروف عيش هذه الساكنة من خلال تخصيص ما يناهز 20 مليار درهم عبر مختلف البرامج العمومية.
وزاد أأنّ الإنجاز سيطال برامج محاربة الفقر بالوسط القروي في إطار المرحلة الثانية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2011-2015) والتي ستستفيد منها 701 جماعة قروية٬ إضافة إلى البرنامج الخاص بتأهيل المجال الترابي٬ الذي يهم حوالي مليون شخص من القاطنين ب 3.300 دوار تابعا ل 22 إقليما.
كما شدد وزير المالية على أن الحكومة ستعمل على توسيع مجال تدخل صندوق التنمية القروية ليشمل العمليات الخاصة بتنمية المناطق الجبلية مع تعزيز إمكانياته المالية لتبلغ 1 مليار درهم.