رسم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي من خلال تقريرين "شديدي اللهجة" لوحة قاتمة عن الوضع الاقتصادي الكارثي بالجزائر، حيث فندا التفاؤل الخادع الذي يبديه الماسكون بزمام السلطة، المنشغلون ب"لفت أنظار" و"ترهيب" المواطنين الجزائريين، بما يسمى ب"تهديد" قد يأتي من "الخارج". وبالملموس تتمثل التوقعات القاتمة التي وضعتها المؤسستان للاقتصاد الجزائري في أفق عام 2020 في تراجع معدل النمو وتآكل احتياطات الصرف وتسارع وتيرة التضخم، وارتفاع معدل البطالة والفقر وتضاعف الإضرابات والحركات الاحتجاجية.
فالجزائر، واستنادا لتشخيص المؤسستين الدوليتين، ليست في منأى عن أزمة مالية خانقة، حذر منها الخبراء، غير أنه يبدو أن الحكومة والنظام غير مستعدين لاستيعابها، فهما منشغلان إلى حد كبير بالمشاورات مع مختلف الفرقاء تحسبا للانتخابات الرئاسية المقبلة، مع احتمال ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ليرهن بذلك مستقبل شعب بأكمله.
ففي الوقت الذي اعتبر فيه صندوق النقد الدولي، في مارس الماضي، أن "التدابير الجديدة التي اتخذتها الحكومة قد تؤدي إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية، ومعدلات التضخم، وتسارع وتيرة خسارة احتياطات الصرف"، جاء الدور على البنك العالمي ليعلين في أبريل الماضي أن "البلاد تتجه مباشرة نحو أزمة مالية".
وتتضافر هذه التوقعات لتخلص إلى مؤشرات مقلقة بخصوص مالية البلاد، وبالتالي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ستؤثر عليها بشكل مباشر. وتحدثت المؤسستان، اللتان أبديتا تحفظهما عن اللجوء إلى طباعة الأوراق النقدية، عن تسارع وتيرة التضخم اعتبارا من السنة المقبلة، حيث يظهر تحليل تطوره أنه سيمضي في منحى تصاعدي، إذ سينتقل معدل التضخم بالنسبة لصندوق النقد الدولي من 1ر8 في المائة سنة 2019 إلى 9 في المائة سنة 2020، في حين سيبلغ بالنسبة للبنك العالمي 6ر7 في المائة سنة 2019، وسيرتفع ليبلغ 9ر13 في المائة سنة 2023.
ومما يزيد من مخاوف الجزائريين، توقع البنك العالمي لمعدل نمو ضعيف خلال سنتي 2019 و2020، وهي توقعات تأتي لتشكك في التأكيدات المفرطة في التفاؤل للوزير الأول أحمد أويحيى، المتأكد، أكثر من أي وقت مضى، من أنه وضع البلاد على سكة التنمية الاقتصادية، ولكنه يبقى تائها وسط تصريحاته المتناقضة حول الوضع الاقتصادي للبلاد، حيث يدعو إلى "الاطمئنان" تارة، ويبدو "متشائما جدا" تارة أخرى.
فما يقدمه أويحيى على أنه طوق نجاة، ممثلا في طباعة الأوراق النقدية، ينظر إليه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، عكس ذلك على أنه عامل لتفاقم الوضع المالي. ويتعلق الأمر هنا بعنصر خطير بما أن الأزمة قائمة، وإلا لماذا اللجوء إلى طباعة العملة دون مقابل من أجل تمويل، من بين أمور أخرى، مشاريع البنيات التحتية الاقتصادية.
ولذلك، فإنه مهما كانت تكهنات الوزير الأول، فإن التمويل غير التقليدي وطباعة الأوراق النقدية دون مقابل حقيقي لا يمكنه إلا أن يقود إلى ظاهرة تضخم متسارع، بل وحتى إلى تضخم مرتفع جدا.
كما أن الآفاق الشاملة المقلقة بالنسبة للاقتصاد الجزائري برسم السنوات القليلة المقبلة، تثير المخاوف من تفاقم الأزمة الاجتماعية، علما بأن البطالة والفقر ما فتئا يرتفعان، وهو ما يتجسد بالملموس في الإضرابات والحركات الاحتجاجية المتعددة.
وأقل ما يمكن أن يقال عن توقعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي أنها جاءت لتذكر الجزائريين بالضرورة الملحة لتغيير الحكامة السياسية، ولربما تغيير نظام برمته، وهو ما من شأنه أن يفتح بارقة أمل للإفلات من تبعات سيناريو شبيه بالسناريو "الفنزويلي".