الأستاذ عصام احميدان* قبل أيام تتبعنا حالة التوتر بين السعودية وإيران على خلفية القضية المفترضة لمحاولة اغتيال السفير السعودي في الولاياتالمتحدةالأمريكية عادل الجبير، وقد لاحظنا كيف أن الولاياتالمتحدة عملت على تضخيم هذا الملف لخلق حالة كبيرة من التوتر بين البلدين في ظرفية دقيقة وحساسة، خاصة وأننا نستعد لموسم الحج، وقد يتم افتعال بعض الأعمال بين الحجاج الإيرانيين و السلطات السعودية. إن أي محاولة لقراءة هذا الحدث أو أي حدث آخر، لابد أن تتم من خلال مرجعية محددة للتحليل السياسي، هذه الأخيرة لابد أن تستحضر الوضع الدولي والسياق الإقليمي في كل تحليل لكل حدث محلي أو إقليمي.. ومساهمة في تقديم مرجعية للتحليل السياسي، فإنني أعتقد أنه يجب توضيح طبيعة المشاريع الإقليمية في المنطقة، فهناك ثلاث مشاريع إقليمية بارزة: المشروع التركي، المشروع الإيراني، المشروع السعودي. إنه بدون فهم طبيعة وخلفيات كل مشروع من المشاريع الثلاث لا يمكن قراءة وتحليل الأحداث السياسية في المنطقة، ومن الواضح أن الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية تساند المشروع التركي والذي يتم التسويق له بطريقة غير مباشرة من قبل قطر التي تعتمد كثيرا على القوة الناعمة "قناة الجزيرة مثلا"، والدليل على الدعم الغربي لهذا المشروع تمثل في أن أوباما اختار تركيا لتوجيه كلمته للعالم الإسلامي بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، لأن الغرب يعتقد أن المشروع التركي يقدم حلا لمشكلة الأصولية ويمكن أن تحد من تقدم المشروع الإيراني، لأن تركيا حزب العدالة والتنمية قدمت وتقدم نموذجا للإسلام العلماني المتعامل مع الكيان الصهيوني وفق منطق سياسي غير ديني وأيضا لأن تركية حزب العدالة والتنمية هي عضو في الحلف الأطلسي. إن الثورات العربية يراد لها أن تغير خريطة القوى في المنطقة، وهي إن كانت تستهدف شيئا فإنها تستهدف ضرب المشروع القومي العربي الذي عانى من غياب قيادة سياسية موحدة ومتجانسة "البعث العراقي، البعث السوري، النظام السعودي، النظام الليبي، النظام المصري.." وقد ظنت كل دولة عربية أن التخلص من رأس عربي سيسمح لها ببسط النفوذ على المنطقة العربية، غير أن الذي تبين بعد فوات الأوان أن لا مشروع عربي سيتم مساندته غربيا، وقد انتبه متأخرا وزير الداخلية السعودية نايف بن عبد العزيز إلى أن الثورات العربية قلصت من النفوذ الإقليمي للسعودية وحاصرت هذه الدولة التي كانت تتطلع للعب دور قومي في المنطقة. إن النموذج التركي والذي تجسده حكومة حزب العدالة والتنمية يجسد التحالف الثلاثي: " الغرب، الإسلاميون، المؤسسة العسكرية"، هذا النموذج هو الذي يراد تصديره بفضل الثورات العربية حيث يراد أن يلعب إسلاميو سورية والغرب والمنشقين من العسكر البديل الجديد، كما يراد أن يلعب الإخوان والسلفيين المصريين مع الغرب والمجلس العسكري البديل السياسي، وذات الشيء في ليبيا حيث نجد التحالف الثلاثي "الناتو – الإسلاميون – المنشقون من المؤسسة العسكرية الليبية" وفي اليمن أيضا نقف عند التحالف بين المنشقين عن المؤسسة العسكرية لنظام صالح والإسلاميين والدعم الغربي غير المباشر من خلال المشروع التركي والقوة الناعمة القطرية. إن الثورة الوحيدة التي أتت خارج السياق المبرمج هي الثورة البحرينية، وهي الثورة التي لم يخطط لها الغرب ووجدت نفسها محاصرة من المشروعين "السعودي" وأيضا "التركي" لأن كلا المشروعين يعتقدان في الثورة البحرينية فرصة لتقوية المشروع الإيراني في المنطقة، لذلك التزم الغرب وتركية بالصمت وتدخلت السعودية عسكريا ضد الثورة وصمتت القوة الناعمة القطرية. إن الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية باتت متأكدة من أن المشروع العربي السعودي بعد أحداث 11 أيلول لم يعد قادرا لا على الحد من تقدم المشروع الإيراني ولا خدمة المصالح الغربية وتأمينها بعد أن خرج الإرهاب الوهابي ليضرب المصالح الأمريكية في قلب أمريكا.. كما أن الغرب يتوجس من المشروع الإيراني لأنه يستهدف أمن الكيان الصهيوني و يعرقل الطموحات الغربية. إن المشروع التركي بات يقلق الكثير من الأنظمة العربية لأنه المشروع الذي قدم الدعم اللامحدود للثورات العربية التي أطاحت ببعض العروش، وتهدد العروش الأخرى المتبقية، كما أن المشروع التركي يقوي دور الإسلاميين السنة، ولا أدل على ذلك من أنه في الوقت الذي يتحرك فيه محمود عباس أبو مازن المحسوب على المشروع العربي السعودي في ملف الاعتراف الدولي بفلسطين، تم التحرك لتقديم صفقة الأسرى لتقوية موقع حركة "حماس" التي يراد تحويلها من المشروع الإيراني إلى المشروع التركي القطري، ومن شأن تقويتها إضعاف حركة فتح والمشروع السعودي في فلسطينالمحتلة. من الناحية العملية، يمكن القول أننا نتجه تدريجيا إلى درجة يضمحل فيها المشروع العربي السعودي، ففي شمال إفريقيا بسبب استقبال السعودية للرئيس المخلوع بن علي وأيضا بسبب دعم الرئيس المصري السابق حسني مبارك وأيضا بسبب تنامي الحركة الأمازيغية في شمال إفريقيا في كل من تونس وليبيا والجزائر والمغرب فإنه لا يعقل أن يجد المشروع العربي السعودي دعما من الأمازيغ مادام الحركة الأمازيغية المعاصرة تعلن المواجهة مع المشاريع العروبية، وهو ما فسر استياء أمازيغ المغرب من فكرة دخول المغرب لمجلس التعاون الخليجي. إن الولاياتالمتحدة كانت تريد إبقاء بعض قواتها في العراق لضرب الحكومة العراقية المتحالفة مع إيران، غير أنها لما شعرت بأن الوقت لم يعد كافيا ولقيت معارضة من إيران والحكومة العراقية للبقاء بعد نهاية 2011 وبداية سريان الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية.. فإنها عملت على ضرب المشروعين الإيراني بالمشروع السعودي وهي بذلك تريد التخلص منهما معا، لتخلو الساحة الإقليمية للمشروع التركي. إن تراجع قوة الخطاب الديني السياسي للقاعدة وتنامي قوة الإخوان المسلمين وتحول التيار السلفي نحو المشاركة السياسية وتعديل مواقفها من الغرب، وتفكك العقدة بين الإسلاميين والعسكر وبداية التحالف بينهما، وتزايد حدة الصراع السعودي الإيراني وأيضا الصراع الطائفي وتنامي النزعات الدينية والقومية، كل ذلك يراد له أن يشكل الأرضية المناسبة لاستقبال المشروع التركي الإسلامي العلماني الغربي. إن الدور التركي في الأزمة السورية ليس صدفة ولا عبثا، كما أن الدور القطري المتناغم مع المواقف التركية في كل المحطات من تونس ومصر وليبيا وسورية.. ليس صدفة أو عبثا، كما أن الدور القطري غير المتناغم بشكل تام مع الدور السعودي ولا مع الدور الإيراني.. كل ذلك، يسمح لنا بالقول أن الثورات العربية باستثناء الثورة البحرينية أداة لدخول المشروع التركي لقيادة المنطقة. *باحث في القانون والفقه والمقارن ومحامي بالمغرب