"...كنت أتهرب من إجراء التحاليل خوفا من الصدمة..."، .. أخذتني الطبيبة بالحضن و قالت " ما عندي ما نخبي عليك فيك مرض السيدا.." ميمونة (اسم مستعار) 1- ظروف معيشية أولية الحالة الاجتماعية الصعبة جعلتني أخرج في الربيع العشرين من عمري، تجولت في كل المدن بما فيها المدن الصحراوية ، امتهنت الدعارة بشكل مستمر و أنا الآن في الأربعينيات تخلى عني الجميع، مررت من حياة قاسية (عمليات إجهاض،زواج و طلاق) بدأت حياتي بصورة طبيعية في البادية ، تزوجت في سن السادسة عشرة ، في ظل ظروف معيشية صعبة ، و بعد سوء تفاهم مع الزوج انفصلت عنه ، و خرجت من القرية طفلة صغيرة ، استغلني جنسيا الرجال و النساء بفعل عدم خبرتي في الميدان ، حتى بطاقة التعريف الوطنية قمت بإنجازها بسرية ، عشت المعاناة لمدة طويلة ، خضعت لعمليات إجهاض ، و مستواي الدراسي متوسط ، رغم أن أكبر مدرسة لي هي الحياة ، فأصبت بعدوى السيدا ؟ 2- كيف ؟ لم أتذكر ، و لكن بفعل سفري إلى عدة مدن كان لي علاقات جنسية متعددة ، و لم تكن وسائل الوقاية و التحسيس بهذا المرض متوفرة، و لكن أقول لكم أنه بين يوم خروجي من البيت و يوم اكتشافي الإصابة بالمرض 20سنة ، و لم أكن أعلم بذلك ، إلى يوم أغمي علي في منزلي فتم نقلي إلى المستشفى إذ قضيت هناك شهرا كاملا ، و بعد ذلك قصدت المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالعيون ، التي دعمتني ووقفت إلى جانبي في هذه المحنة ، مع العلم أنني كنت أتهرب من إجراء التحاليل خوفا من الصدمة. 3 – ماذا بعد الصدمة و اكتشاف انك حاملة للفيروس؟ أولا الطبيب في المستشفى الإقليمي ، قال لي " أنك تعانين من مرض ليس لدينا دواء له " ، هو كان يعلم الحقيقة و لم يجرأ على البوح بها خوفا علي ، و لكن في مقر المنظمة بالمدينة سحبتني الدكتورة جانبا و أخذتني بالحضن و قالت " ما عندي ما نخبي عليك فيك مرض السيدا"، بكيت كثيرا و بقا فيا الحال ، و ما زاد من معاناتي أن صديقاتي عندما علموا بذلك رمو الأفرشة الخاصة بي في الشارع ، و كانوا بداية يقومون بعزلي في الأكل و الشرب ، هذا بداية الأمر أما الآن فهناك من تلبس ملابسي و تنام بجانبي. 4 – لماذا هذا التحول؟ أولا لأن حالتي تحسنت ، و استرجعت صحتي بفعل أخذ الأدوية يوميا ، و أصبحت قوية ، و عدت إلى المجتمع و إلى حياتي الطبيعة ، و عرفت قيمة الصحة و حقيقة أناس كثيرين قريبين مني. 5 – ألم تفكري في الانتقام من ذاك المجتمع؟ لم أفكر في ذلك لأنني قلت " تعذبت في الدنيا و لا أريد الزيادة في المنكر ، و حتى في السجن كان يقوم النساء بإهانتي بشتى الوسائل ،و في نفس الوقت يخافون مني بسبب قدرتي على نقل المرض ، فهن يضحكن معي و لكن يحتاطون مني و أقسم بالله أن فكرة نقل المرض غير موجودة في مخيلتي . 6 – هل تعتبرين هذا المرض عذابا إلهيا ؟ عندما أكون وحدي أسأل ربي لماذا أعطاني هذا المرض دون الآخرين، و في نهاية هذا التفكير أحمد الله كثيرا و أصلي، و الآن أعيش حياة طبيعية ، لأن الله غفور رحيم. 7 – لديك ابنة يافعة بالتبني ، كيف تنظرين إلى مستقبلها ، خصوصا أنها لا تحمل الفيروس ؟ أنا أحبها كثيرا ، فهي ثروتي الحالية ، بعد تخلي الجميع عني ، بما فيهم العائلة ، أدرسها و أعتني بها لكي لا تسقط في أخطائي ، أريد لها مستقبلا دراسيا و عمليا رائعا. فهي متعلقة بي و تناديني بكلمة "ماما". 8 – ما هي التغييرات المؤثرة في حياتك بعد تأكيد إصابتك بالمرض ؟ منعني صاحب الحمام بالحي الذي أقطن به من الاستحمام بعد وشاية صديقة لي للمكلفة بالحمام ، و حتى طبيب الأسنان و الحلاقة رفضوا التعامل معي خوفا من انتقال العدوى. 9 – كلمة أخيرة ؟ أنا الآن في شبه ضياع ، أطالب الدولة بالوقوف إلى جانبي و دعمي ماديا و معنويا باعتباري مريضة بالسيدا، و كذلك يجب على السلطات المحلية دعم فرع المنظمة الإفريقية لمكافحة السيدا بالعيون لأنها تشرف على عدة حالات من مختلف الأوساط ، تعاني هي أيضا من هذا المرض الخطير ، لأنه عند توعية المجتمع بحالة المرض سيتم إعادة إدماجنا داخله ، و هذا لن يتأتى إلا بتعاون المسؤولين و المنتخبين و المحسنين و جميع طاقات المجتمع المدني، مع المنظمة من خلال الدعم المعنوي و المادي الذي سينعكس على أوضاعنا كمرضى بالسيدا لتكتيف الحملات التحسيسية و التوعوية في هذا المجال ، بإشراك المنابر الإعلامية في هذا المجال . و في الأخير أقول لكم أن التنمية البشرية التي دعا بها صاحب الجلالة لم تقدم مند 18 ماي 2005 أي خدمة للمصاب بالسيدا مع العلم أنه مواطن.
و أشكر الجريدة الفتية"دعوة الحرية" على إيصال معاناة كل مريض ، و على التحسيس بخطورة هذا الداء ، و تكسير جدار الصمت الذي يلزم هذا النوع من الأمراض الفتاكة الذي تعاني منه شريحة واسعة من ساكنة المداشر الصحراوية.