لم تكد تنتهي الأزمة التي خلقها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي هاجم روسيا، حتى نطق حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال مهاجما الجارة موريتانيا. وكما يقال فإن كل نقمة في طيها نعمة، فإن ترهات الزعيمين مفيدة في دراسة درجة الوعي السياسي والديبلوماسي لدى من خولته صناديق الاقتراع أن يقود الحكومة، أو من يتشبث بدخولها لو بالسيف. ما فاه به بنكيران زاعما أن روسيا الاتحادية تقوم بتخريب سوريا جر عليه متاعب كثيرة، إذ لا يعقل أن يصدر مثل هذا الكلام عن رجل دولة لو كان فعلا يحمل هذه الصفة، لأن رجل الدولة يتميز بواجب التحفظ دائما، ولا يطلق الكلام على عواهنه، بل يحسب كلامه ولا تهمه مواقف حزبه بقدر ما تهمه مواقف البلاد التي يمثلها.
عندما هاجم بنكيران روسيا واتهمها بتخريب سوريا لم يضع نصب عينيه الاتفاقيات التي وقعها جلالة الملك في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تروم تحويل العلاقات بين البلدين من علاقات عادية إلى علاقات استراتيجية، وتصريح رئيس الحكومة يسير في اتجاه تخريب هذه العلاقات. فبنكيران لما تم تعيينه رئيسا للحكومة كان عليه أن يعرف أنه أصبح رئيسا لحكومة عموم المغاربة وليس حكومة العدالة والتنمية أو حكومة الأغلبية أو حكومة من صوتوا عليه، بل حكومة تمثل المغرب.
أما حميد شباط، الذي قرر بداية المشاركة في الحكومة قبل أن يقرر بنكيران ذلك، لم يضع نصب عينيه أن يفوز حزب الاستقلال بحقيبة الخارجية لو شارك في الحكومة. ماذا كان سيقول وزير خارجية المغرب الاستقلالي للأشقاء الموريتانيين؟ هل كان سيتعامل معهم على أساس دولة مستقلة أم إقليما مغربيا منفصلا؟
آفة الأفكار أن يتحدث سياسي يحترف المزايدات في التاريخ. فلا هو يتقن تحقيق الوقائع التاريخية ولا هو يعرف كيف يوظفها. فشباط لا يعرف السياق التاريخي الذي قال فيه علال الفاسي كلاما عن موريتانيا ولا يعرف أن موريتانيا استقلت عن الاستعمار الفرنسي وأصبحت دولة ذات سيادة ولا يمكن التعامل معها إلا على هذا الأساس من قبل أي سياسي مغربي مهما كانت نوع العلاقة التي تربطنا بها.
ما قاله بنكيران في روسيا وما قاله شباط في حق موريتانيا هو دليل على الدرجة الصفر في الوعي السياسي والديبلوماسي لدى الزعماء المغاربة، وبالتالي ينبغي إخراج حقيبة الخارجية من المفاوضات بين الأحزاب.