نظمت جمعية تيماتارين الدورة الأولى للجامعة الصيفية الشبابية، وذلك انسجاما مع المبادئ التي سطرتها مند تأسيسها، و تماشيا مع خطها النضالي الراديكالي و خطابها الفكري التحرري التنويري، و إيمانا منها بكونها امتدادا للحركة الأمازيغية داخل ربوع أشتوكن، و باعتبارها كذلك إضافة نوعية لا كمية-عددية للحقل الجمعوي بالمنطقة. إلا أن الظروف التي واكبت هذا التنظيم، لم تكن صحية ولا تليق بمستوى حدث هام كهذا. إذ جاء التنظيم في سياق حرب أعلنت سلفا من لدن لوبي الفساد الأسطوري بالمنطقة، ضد كل صوت حر نبيل يغرد خارج سرب الغوغاء، أو سار عكس اتجاه سير الدهماء، أولئك الذين تتزعمهم حفنة الأميين المسيطرين و المهيمنين على مختلف مناحي الحياة في البلدة. وتأكيدا منها على أن إرادة الطاقات الشبابية ل"تيماتارين"، لن تنال منها لا محاولات العرقلة و الفرملة، و لا الحصار التام الذي تفرضه عليها السلطات من خلال ممارسة عنف لا منظور ضدها، يعكسه التباطؤ و التماطل المميتين، في دراسة ملفها و إمهالها مدة 7 أشهر لتسليمها وصلا مؤقتا، والذي يمنح عادة في مدة أقصاها 48 ساعة، ما يعتبر خرقا سافرا وواضحا للقانون، علاوة عن رفض السلطات تسليم جمعية ،تيماتارين" وصلا نهائيا إلى حدود الساعة، و كدا إقصائها من الدعم الجمعوي لسنتين متتاليتين، دون أن ننسى ممارسة سياسة التهديد و الوعيد على مناضليها.
وبتنظيمها لهذا النشاط، ومن خلال فعلها النضالي هذا و الظروف التي انبجس منها، تكون تيماتارين قد بعثت برسالة واضحة المعالم إلى كل المتطفلين المتملقين، الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على النضال في المنطقة. وقد نظمت الأنشطة أيام 09 و 10 يوليوز الجاري، بكل من فضائي مقهى "تابريدا" المعلمة التاريخية الشاهدة على ماضي المنطقة و المركب الثقافي "سعيد أشتوك"، هدا الأخير الذي احتضن الجلسات النظرية الفكرية فيما باقي الأنشطة اتخذت فضاء "تابريدا" مكانا لها.
افتتحت الأنشطة صبيحة يوم السبت 09 يوليوز، بأروقة متنوعة بفضاء تابريدا، توزعت بين رواق للكتاب الأمازيغي بمختلف تلاوينه و رواق تأريخي لمسار الحركة الأمازيغية بالمغرب، و كذا رواق للصور الفوتوغرافية للجنوب الغربي، دون أن ننسى رواق المنتوجات الأمازيغية ذات الطابع الثقافي الرمزي.
و في نفس الفترة و بالموازاة مع الأروقة، كان ضيوف جمعية تيماتارين على موعد مع ورشة حول دور المجلات الثقافية الفكرية في إنماء الوعي الثقافي، سلط من خلاله المشاركون الضوء على الدور الهام الذي لعبته هده المجلات أو الدوريات في النهوض الحقيقي بالوعي الجمعي للشعوب، كما تمت صياغة تصور أولي عام حول الحلة التي ستظهر بها مجلة تيماتارين في عددها الثاني و ضرورة تدارك أخطاء العدد الأول..
واستمر المعرض الموازي، في فضاء تابريدا، زوال اليوم الأول، فيما افتتحت أشغال الجلسة النظرية الأولى، بالمركب الثقافي الرايس سعيد أشتوك، التي أطرها الأستاذ المحاضر لحسن زروال، وتمحور موضوعها حول الحراك السياسي غير المسبوق، الذي يطبع الظرفية الراهنة و كدا موقع الأمازيغية في هدا الحراك، علاوة عن التعديل الدستوري الأخير، وأكد المحاضر أن هذه المتغيرات جاءت في مرحلة استثنائية، لم يتوقعها أكبر المتفائلين من الديمقراطيين و لا أكثر المتسلطين تشاؤما. وأشار إلى أن الحراك السياسي أفرزته مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية، كالفقدان الشامل للثقة في الأحزاب و النقابات باعتبارها أبواقا مخزنية لا غير تساير المخزن و تطبل لقراراته، بالإضافة إلى الانتخابات المغشوشة التي تعفف ثلاثة أرباع المغاربة عن المشاركة فيها، لتتشكل حكومة صورية لا شرعية لها، و لا تمثل إلا رؤوس الفساد المنضوين تحت لواءها، تقودها مافيا فاشية لا برنامج لها، علاوة عن تفاقم المشاكل الاجتماعية كالبطالة و زيادة حدة الفقر المدقع، في ظل تنامي الغنى الفاحش لدى أقلية المحظوظين المنتفعين على حساب ملايين المفقرين و المجوعين، أضف إلى دلك، تأزم مختلف القطاعات الحيوية كالصحة و التعليم... مختلف هده العوامل الداخلية بالإضافة إلى مجريات الأحداث في الدول المغاربية، ولد حركة "20 فبراير" في المغرب كقاطرة شبابية للتغير، هذه الأخيرة التي تمكنت من إخراج الصراع السياسي، من الدوائر التقليدية كالأحزاب و قبة البرلمان و الكتابات الإقليمية للأحزاب، إلى الشارع كمعقل جديد للصراع السياسي، و هو ما كانت تخشاه الدولة. بعد ذلك، انتقل المحاضر للحديث عن الحضور الوازن للأمازيغية في خضم الحراك السياسي، الذي يشهده المغرب، وهو ما تعكسه التمثيلية القوية لشباب ءيمازيغن في مختلف تنسيقيات 20 فبراير، أو في دوائر الصراع السياسي الحديثة، ما دامت الأمازيغية غائبة أو مغيبة في أجندة كل الأحزاب المغربية التي تجاوزها الزمن. كما انعطف حديث المحاضر على التعديل الدستوري الأخير الذي خلص من خلال استقراء لفحواها، أنه لم يرق بتاتا إلى تطلعات و متطلبات الشعب المغربي الذي تاه بين ترسانة النعوت التي لفقت بالملكية المغربية العجيبة التي نص عليها الدستور، و عرج على معطى ما أسمته الدولة ب "الجهوية الموسعة الذي انتهجت فيه مقاربة أمنية محضة يرومها هدف تجزيئي تقسيمي تمزيقي محض لم يراع لا البعد الجيو-التاريخي و لا الثقافي و لا أي شيء أخر، أي أن هذه الجهوية كان الهدف من وراءها تمزيق المغرب و الحيلولة دون قيام أي وعي جمعي، ما يحتم على ءيمازيغن ضرورة رص الصفوف من أجل نظام ديموقراطي فيدرالي عادل يضمن التقسيم العادل للثروات..
في اليوم الموالي تواصل توافد الزوار على الأروقة بفضاء تابريدا، الذي شهد أشغال الورشة الثانية حول "الذاكرة الجماعية لأشتوكن" و هي الورشة التي أطرها المناضل "أوبها إبراهيم" عضو مؤسس لجمعية تيماتارين، وعرفت الورشة تدخلات متفرقة و نقاشا مستفيضا حول الوضع الحالي للذاكرة المادية واللامادية لأشتوكن، بعد أن طالت أيادي الدمار المخزنية كل دال و رامز يربط أبناء أشتوكن و مدينة بيوكرى على الخصوص -التي نالت حصة الأسد من تدمير معالمها التاريخية- بماضيهم، و بالتالي العيش على واقع الاغتراب الفاحش داخل أزقة مدينة إسمنتية يخيل للزائر، أن تشييدها لم يتجاوز عقدا من الزمن. وقد انتهت الورشة، بصياغة توصيات سيسهر مجلس مكتب تيماتارين على تنفيذها، كما سيسهر المجلس على متابعة هدا التنفيذ..
أما في الفترة المسائية، فقد كان الحضور على موعد هام مع جلسة نظرية فكرية ثانية حول ظاهرة "تازنزارت" كتأبين لروح فقيد الأغنية الأمازيغية لحسن بوفرتل فقيد مجموعة ازنزارن، نشطها الأستاذ المتخصص في سوسيولوجيا الموسيقى أحمد الخنبوبي، الذي استعرض في محاضرته عددا من المراحل المواكبة لظهور فرق المجموعات الغنائية الأمازيغية والظروف الاجتماعية والسياسية المواكبة لهذا البروز، باعتبار التأثر الكبير لفناني تازنزارت بموجة "الهيبيزم" ، كما قدم عددا من الحقائق المؤلمة حول التهميش الذي يتعرض له الفنان الأمازيغي، وقدم نموذج الراحل الذي لم تجد أسرته الماء لغسله يوم وفاته لأن منزله لا يتوفر على الربط بشبكة الماء الصالح للشرب، ما ينم عن حدة التهميش الذي يعاني منه الفنان الأمازيغي و الإقصاء الكلي من الإعلام بشتى أنواعه، بالرغم من كل ما أسدته تازنزارت للفن الأمازيغي، إلا أنها لم تنل حقها من الدراسة و التحليل فمعظم الدراسات حولها و مع قلتها دراسات أدبية، تميل إلى السرد و ألحكي و الوهم أحيانا، في مقابل الافتقار إلى دراسات علمية مبنية عل مقاربات سوسيولوجية للظاهرة.
بعد الندوة، تواصلت باقي فعاليات الجامعة الصيفية، إذ افتتح نقاش بالمقهى الأدبي تابريدا، حول سبل أجرأة توصيات الدورة و تفعيلها على مستوى الواقع، هدا بالموازاة مع فعاليات المعرض التي استمرت إلى نهاية اليوم. عن لجنة الإعلام و التوثيق : عبدالله بوعدي ياسين باسيد