يبدو أن صبر الدولة وحلمها المصطنع تجاه الحراك السياسي والاجتماعي قد انتهى، ورجعت إلى تقاليدها القديمة في القمع والتنكيل، لا لشيء سوى أن كافة المتظاهرين يجمعون على ادانة الفساد ورموزه، بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية، خاصة شباب العدل والاحسان الذين يحاولون الركوب على هذه الموجة و الاستفادة منها لإسماع صوتهم بعد ضرب مصداقية الجماعة من لدن مريدها أنفسهم، الذين ملوا من ثقافة الرؤى و أضغاث الأحلام التي خيمت على تفكيرهم في 2006، وروجوا لها،وبالتالي فإن هذا الحراك يشكل فرصة تاريخية لتزايد نفوذ الجماعة الأكثر عددا من منخرطي الأحزاب أنفسهم،وبالتالي فإن قمع الدولة لحركة عشرين فبراير بعدلييها وسلفييها ويسارييها لخطأ جسيم،إذ سيشكل فرصة ذهبية ليظهر العدلييون بمظهر المظلوم، خاصة وأنهم سلبيون،فإن كانوا يعتدون بقوتهم العددية، وتنظيمهم المحكم،لما لا يساهمون بإيجابية بهذا الحراك السياسي ،وليشكلوا حزبا سياسيا،وليتقدموا بآراهم وتصوراتهم حول قضايانا الوطنية ،لتعم الفائدة، أما انتظار الرؤى والأحلام وهذا "الغودو " الذي سيأتي وقد لا يأتي، لمضيعة للوقت، لأن الشعب المغربي لم ولن يقبل أن يتحدث عنه هؤلاء او يستغلوا مطالبه المتلخصة في اسقاط الفساد ورموزه،والحق بحياة كريمة، خدمة لأجندة عبد السلام ياسين القائلة " بمنهاج حكم قائم على الخلافة"، لذا فإن قمع المحتجيين سيجرنا إلى ما لا يحمد عقباه،وسيضرب سمعة المؤسسة الأمنية في الصميم ، وسيغذي مشاعر الحقد والكراهية بين المواطنين ورجال الأمن،لنرجع إلى سنوات الرصاص التي حاول المغرب لملة الجراح وجبر الضرر عبر الانصاف والمصالحة التي أصبحت مثالا يحتذى به في العالم العربي. يجب أن لا ينساق شباب 20 فبراير ومعهم عامة المواطنين،لمثل دعوات احد قياديي العدل والاحسان الذي يقول في أحد أشرطة الفيديو المنشورة في الأنترنت: " خليونا نقادوا الاعتصام" ، ولن ينظف الشوارع إلا الدماء"،لأن مثل دعوات التحريض هاته شاذة ودموية وتضرب في الصميم الطابع الاحتجاجي السلمي والحضاري لحركة 20فبراير،كما يناقض مبدأ الجماعة الداعي إلى نبذ العنف.ثم من سمح لهذا العدلي أن يتكلم باسم الفبراريين؟ ثم من أين أتى بهذه الأفكار الدموية؟ خاصة وأن الرجل أستاذ،والخوف كل الخوف أن يزرع ويروج لمثل هاته الأفكار المشجعة على الحقد والعنف والكراهية في صفوف تلاميذه،ونحن حديثي عهد بأعمال إرهابية هزت مراكش. إن الاحتجاج الحقيقي يجب أن يوجه إلى النخب السياسية المغربية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من جراء سكوتها وتواطئها،ألم تقايض الأحزاب الدولة مرات عديدة ولوحت بالتعديل الدستوي طمعا في الكراسي؟ أوليس هنالك أمناء أحزاب خالدون قد شاخوا ومازالوا ملتصقين بكراسيهم أسوة بأعتى الدكتاتوريين؟ ألم تزك هاته الأحزاب مرشحين أميين في الانتخابات الجماعية والبرلمانية؟ الذين سعوا إلى مصلحتهم الشخصية العليا؟ ثم ألم يبع بعض المواطنين أصواته بدراهم معدودات ووعود كاذبة؟،لذا لا بد ان يوجه الاحتجاج إلى الأحزاب أيضا، التي همشت شبيبتها، وجعلت دورهم ينحصر في توزيع الدعوات وإعداد الشاي والحلوى،وترتيب الكراسي في المؤتمرات، والهتاف ملء حناجرهم في الحملات الانتخابية.
إن مغرب ما مابعد 9 مارس يجب أن يتأسس على القطع مع الممارسات السياسة البائدة،وأن يثور المغاربة ثورة حقيقية ضد كل الوجوه الحزبية التي باعت الوهم للمغاربة، وان يسحب ثقته منها و ألا ينتخبها مجددا فالمغربي الحق لا يدلغ من جحر مرتين،وأن يثق ويعطي الفرصة لوجوه شابة ونظيفة الأيادي من المال الحرام،وهذه القطيعة مع الماضي ،هي الثورة الحقيقية،ثورة بيضاء دون نقطة دم مغربية،وهذا هو الاستثناء المغربي.