شهد المغرب في الأيام القليلة الماضية، انتكاسة ديمقراطية، نتج عنها خلل في تدبير الحركة الاحتجاجية في الشارع، والتي تزايد موقعها في الحراك السياسي، فبعد اعتقال مدير جريد المساء رشيد نيني، والغموض الذي يكتنف اعتقاله، وطريقة تحريك القضية، بالموازاة مع ما وقع في سجن تمارة والقناع الذي تبديه الداخلية بخصوص وجود هذا المعتقل السري من عدمه، ليأتي يوم الأحد 22 ماي النقطة التي أفاضت الكأس، والتي ستجلي الغبار على الوجه الحقيقي لدولة الحق والقانون. من خلال القمع الوحشي الذي شهدته الوقفات التي تندد بموازين، وما عرفته بعض المدن من حركية احتجاجية لشباب 20 فبراير، فقوبلوا بالعصا. كلها أحداث شكلت مادة خصبة لصفحات الجرائد اليومية ووجهات النظر لمختلف التحليلات السياسية المتنوعة، مما جعل الكل يتحدث عن الردة الديمقراطية بالبلاد والنكوص والتراجع الأخير في الديمقراطية... وما هنالك من المفردات حتى يخيل إلى المرء أن المغرب فعلاً كان في عهد الديمقراطية الحقة تم رجع إلى القهر والاستبداد، في حقيقة الأمر الذي يتمنعن فيما قام به المغرب من انتقالات معطوبة، يكتشف أن المتحكمون في القرار السياسي، يتعاملون مع الديمقراطية والحريات العامة بما يعبر عنه بالدارجة المغربية ب(القْطَارة). ما شهده المغرب هو في الأصل الوجه الحقيقي لدولة الحق والقانون، فما تم القيام به مؤخراً بعد الربيع الديمقراطي في الوطن العربي، والذي فرض على النخب الحاكمة القيام بإصلاحات ذراً للرماد في العيون، تم كله في نطاق محدود بدون المساس بالجوهر السياسي الذي يتحكم فما هو اجتماعي وما هو اقتصادي. فالتوظيف الذي انتزعه الأطر العليا المعطلة في مارس الماضي، بعد سنوات عجاف من النضال أمام قبة البرلمان، وما حققته الشغيلة المغربية بعد سنوات الرصاص من الجدل الاجتماعي، كلها مكاسب لا ننكر أثرها في الواقع الاجتماعي للمواطن المغربي، لكن الذي يمكن اعتباره انتقال ديمقراطي حقيقي، أو على الأقل القول بأن المغرب يسير في طريق الانتقال الديمقراطي رهين بثلاثة مؤشرات: الأول: حركة احتجاجية تزعزع العقليات التي تسيطر في القرار السياسي. قادرة على انتزاع بعض المطالب السياسية ضمنها ضمان نزاهة الانتخابات والإفراج عن المعتقلين السياسيين... الثاني: تنقية الدوائر العليا للدولة من المفسدين ذوي المصالح الذين يعدون أنفسهم فوق القانون. الثالث: البحث عن النخب الجديدة تقود المرحلة المقبلة. إن معركتنا الحقيقة تفوق النضال الفئوي لتحصين بعض المكاسب الاجتماعية، إنها معركة الديمقراطية ضد الاستبداد، معركة ضد فئة مستفيدة وفئة مهمشة، هي معركة تستوجب حركية احتجاجية مماثلة لما وقع في يوم الأحد الماضي، بما يعني المزيد من الإصرار على الدخول إلى الانتقال الديمقراطي لكن ليس بعقلية من يروجون لهذه المصطلحات دون إرادة حقيقة لتمثلها على أرض الواقع. إنما بنفس حقيقي ديمقراطي يعيد الثقة للمواطن. فمشكلتنا الرئيسية مع هذه النخبة افتقادها لعنصر الثقة. كما فقدت لعنصر المشروعية في تدبير الشأن السياسي مند عقود. أمام الوضع الراهن يبدو أن المغرب دخل إلى عهد الاحتقان الاجتماعي مما يعني أنه أخطا الموعد مع التاريخ. لينتظر فرصة أخرى ربما تتشكل في قادم الأيام؟.