"وناري الوفا غادي يسكت ليه القلب"، بهذه العبارة علّق احد الطلبة على تسريبات مادة الفيزياء والكيمياء على إحدى صفحات الفيسبوك الخاصة بتسريبات امتحانات الباكلوريا. ففي الوقت الذي استنفرت الحكومة وعلى رأسها وزارة التربية الوطنية ووزارة الداخلية كل امكاناتها اللوجيستيكية والقانونية لمحاربة ظاهرة الغش في الامتحانات، يبدو ان التلاميذ المدمنين على الغش قد اهتدوا إلى وسائل أكثر دقة واكثر تطورا مما يتصوره الوفا الذي تحدث على أجهزة "الايفون" وما جاورها.
وهكذا فوجئنا منذ الدقائق الاولى لانطلاق الامتحانات بتسريب مواد الفيزياء بالنسبة للعلميين واللغة العربية بالنسبة للأدبيين. وإذا كانت بعض الصفحات على "الفيس بوك" قد اتخدت منحى المزايدات والتشويش على الامتحانات وعلى قرارات الوزارة وذلك عبر نشر امتحانات كاذبة وغير صحيحة، فإن هناك صفحات عمدت إلى نشر اسئلة لا يمكن الشك في صحتها وهي الآن متداولة بشكل واسع على المواقع الاجتماعية وخاصة على الفيس بوك..
هو إذن تحدي كبير يواجه الحكومة ويبرهن ان الغش في الامتحانات يحتاج إلى مقاربة شمولية يتداخل فيها القانوني بالأمني بالتربوي والبيداغوجي وهو يحتاج فيما يحتاج إليه إلى إعادة النظر في النموذج التربيوي والاخلاقي الذي يدرس في مدارسنا ويستدعي تضافر جهود المتدخلين من أسر ووسائل اعلام ومدرسة ومجتمع مدني .. وذلك لبناء مجتمع غير "مدمن" على الغش...
فإذا كان الادمان على المخدرات يستدعي تدخل اطباء نفسانيين وخبراء في علم النفس ومقاربات جديدة تأخد بعين الاعتبار شخص المريض دون إغفال الشروط الموضوعية التي يعيش فيها، فإن الادمان على الغش يحتاج بالاضافة إلى المقاربة الذاتية لشخص التلميذ مقاربة من نوع آخر ترمي إلى مساءلة الواقع الموضوعي الذي انتج الظاهرة في افق القضاء او على الاقل الحد منها..