كشف حسين مالطي، نائب رئيس مجموعة سوناطراك الإمبراطورية الاقتصادية الجزائرية الضخمة التي تستفرد بقطاع المحروقات معطيات جديدة حول صور الفساد المستشري بأكبر مؤسسة صناعية بالجزائر تسير قطاع المحروقات الذي يشكل 99 في المائة من مجموع عائدات خزينة الدولة .
و اختار الإطار النفطي الجزائري الذي يشغل حاليا مهمة خبير دولي في القطاع مناسبة تحقيق العدالة الجزائرية في ملفات فساد وسوء تدبير بالمؤسسة النفطية العمومية بعد الجدل الذي أحدثته نتائج تحقيقات أجرتها العدالة الايطالية قبل أيام وأثبتت تلقي مسؤولين جزائريين بارزين لرشاوي من إدارة مجموعة سايبم النفطية الايطالية في مقابل الحصول على عقود صفقات بالجزائر وإتهام الشرطة الاقتصادية البريطانية لتمثيلية سوناطراك ببريطانيا بالتهرب الضريبي والأعمال المشبوهة .
و من المثير أن المسؤول الثاني السابق في جهاز العملاق النفطي الجزائري وجه على صفحات صحيفة " الوطن " الجزائرية رسالة مفتوحة إلى رئيس جهاز الاستعلامات الجزائرية الجنرال توفيق مدين الذي يعد عمليا أقوى رجال هرم السلطة في الجزائر المستقلة وأكثرهم نفوذا يتهم مباشرة بالتواطؤ مع عبد العزيز بوتفليقة لإيصال الجزائر لما تعيشه حاليا من مآسي و فضائح فساد متكررة وبالضلوع المشترك في حرب عصابات سياسية من أجل البقاء في السلطة ونهب ثروات الشعب الجزائري.
السيد مالطي دعا الجنرال توفيق مدين إلى التحلي بالجرأة الكاملة لكشف أسماء المسؤولين الجزائريين الذين تورطوا في قضية الرشوة التي هزت شركتي سونطراك الجزائرية و"إيني" الإيطالية النفطيتين الأسبوع الماضي والمتعلقة بتلقي رشاوي بقيمة 200 مليون دولار وتقديمهم أمام العدالة الجزائرية للمحاسبة متهما ذات المسؤول العسكري السامي بتوفير الغطاء السياسي لبعض المسؤولين الجزائريين الذين نهبوا ثورات البلاد وسرقوا أموال الشعب الجزائري، دون أن يكشف عن اسم واحد.
و كان المسؤول الثاني سابقا في جهاز إدارة الإمبراطورية النفطية الجزائرية قد أصدر قبل ثلاث سنوات كتابا عنونه " القصة السرية للبترول الجزائري " كشف فيه كشفه عن معلومات غير مسبوقة تتعلق بكيفية تحول أهم ثروة جزائرية من مصدر للرخاء والبحبوحة، إلى سبب لفساد سياسي قضى على كل آمال الشعب وتطلعاته، على حد قول المؤلف.
واستطاع المؤلف أن يحيط بإشكالية هدر الثروة الحيوية في بلد ثورة المليون شهيد، بفضل درايته المرجعية والموسوعية بقطاع المحروقات الذي كان من أهم مؤسسيه، باعتباره خبيرا نفطيا عايش تاريخ تأسيس شركة سوناطراك وساهم في إرساء دعائمها في مطلع الاستقلال، إلى جانب وزراء وخبراء آخرين راحوا فريسة صراع سياسي في علاقته بقوى فرنسية وأميركية ما زالت تتسابق من أجل استمرار تدفق النفط الجزائري نحو أصقاعها الباردة.
وتوقف الخبير مالطي في مؤلفه عند إتساع رقعة الفساد وانتشار الرشوة، وتعمق صراع الأجنحة وتصفية الحسابات في أعلى هرم السلطة الجزائرية للسيطرة على الحكم بعد عودة لوبي حزب فرنسا إلى توجيه ومراقبة ساحة المحروقات.
و من الغريب أن تسارع صحف محسوبة على جهاز الاستخبارات العسكرية الذي يديره الجنرال توفيق مدين بقبضة من حديد إلى تبني رسالة الخبير النفطي ونشرها على أعمدتها بل وتعمد صحيفة مقربة جدا من المؤسسة العسكرية كالشروق إلى التعرض لقضايا فساد تهم قطاع المحروقات في البلاد وهو السلوك الذي يترجم ما ذهبت إليه تحليلات خبراء متتبعين للشأن الجزائري من إندلاع حرب مواقع شرسة بين أجنحة الصقور في قمة السلطة الجزائرية تمهيدا لحرب الرئاسيات المنتظرة السنة المقبلة .