– متابعة لم يكن يخطر في بال حسن المجناوي أن يوم الثلاثاء 8 يناير 2013 سيحفظه سكان الدارالبيضاء وكل من تتبع تفاصيل عملية انتحار الخادمة نسمة ذات التسعة عشر سنة.
فحسن المجناوي الذي ازداد سنة 1969 لم يكن ذلك الشخص الذي يثير الفضول، وإنما يتمتع بشخصية هادئة، لكنه سيتحول إلى شهيد وبطل في أعين من عرفوه وفي علم من تابع القصة كاملة لذلك الحدث.
ففي الوقت الذي هددت فيه الخادمة "نسمة النقاش"، التي تنحدر من تيسا الواقعة بين تاونات وفاس، بالانتحار من فوق درج نافذة توجد في الطابق الخامس، اندهش جميع من عاين الحدث، لكون الانتحار من حيث جانبه النفسي يبقى مؤثرا إلى حد كبير، لكن صعوبة تدبيره هي النقطة التي جعلت حسن يستعجل احتواء المنتحرة فاتحا دراعيه لينقذ الشابة الخادمة، لكن تشاء الأقدار في أن يخفف عنها وطأة الاصطدام بالأرض ليتعرض هو لقوة الجسد المتهاوي من الطابق الخامس، ليصاب على التو بإصابات بليغة عجلت بنقله على وجه السرعة إلى إحدى مستشفيات الدارالبيضاء، وفيها سيفارق الحيا.
فحسن المجناوي هذا لم يكن إلا شخصية تنتمي إلى عائلة متواضعة، درس في ابتدائية "الإدريسي" القريبة من محل سكناه، وحصل منها على الشهادة الابتدائية، ليلتحق بمؤسسة التكوين المهني ليتخصص في مادة التلحيم، لكن الظروف جعلت حسن يشتغل بستانيا، ومنها التحق بسلك الجندية حيث قضى بأحد الثكنات العسكرية خمس سنوات، لكنه سيغادر عمله كجندي وذلك تلبية لرغبة والدته، ليعود مجددا إلى نشاط البستنة، حيث ظل يتنقل بين فيلات الدارالبيضاء مجملا ومزينا حدائقها.
تقول والدة حسن المجناوي أن ابنها كان طيبا ومؤدبا وهادئا ورؤوفا بكل من يصادفه، وهي نفس الشهادة التي عبر عنها أصدقاؤه من أبناء الحي، وهو ما جعله يقدم تضحية من النوع الذي لا يمكن قياس حجمها.
مات حسن في سبيل نسمة الخادمة التي تعاني اليوم من كسر مزدوج في ذراعها الأيمن، وخدوش في الجبهة و القدمين، ومن أسنان مهشمة. اسمها الحقيقي نسمة النقاش عمرها 19، حاولت الانتحار لأنها سئمت من الحياة كما تدعي، ولأنها تعرضت للاغتصاب فان عائلتها ظلت تعاملها كحشرة، بل إنها هددتها بإزالتها من كناش الحالة المدنية الذي يحتوي على تواريخ ازدياد إخوانها.
تسترجع نسمة اللحظات الفاصلة بين حياتها وموتها : "لما سقطت على الأرض شعرت بوقع السقوط على رأسي، ولمدة يومين كنت غائبة عن الوعي، وبعد ذلك تحسست جسمي لأعود إلى وعيي من جديد". ولم تتذكر النقاش إلا محاولة حارس العمارة الذي حاول ثنيها عن الانتحار حيث دفعته بسرعة لترمي بنفسها من الطابق الخامس، لتجد دراعي حسن المجناوي ممدودة لإنقاذها ليغادر هو الحياة بعدما ارتطم رأسه بالأرض من شدة قوة جسم نسمة.
لقد عملت نسمة منذ 2007 خادمة في المنازل تنقلها والدتها من دار إلى أخرى كلما كان الأجر عاليا، ، لكن سنة 2010 ستعرف نسمة حدثا خاصا حينما غرر بها شاب وعمرها لا يتجاوز 16 سنة، كان يركب معها القطار، فبعد أن منحته ثقتها قام باغتصابها، ومنذ ذلك الحين وعائلتها تعاملها بقسوة شديدة بعدما علمت بالموضوع، ما دفعها في سنة 2010 للإقدام على الانتحار من خلال تمزيقها إحدى عروق يدها، لتعاود المحاولة في يناير 2013، لما ضاقت من تصرفات والدتها التي تكيل لها سيلا من الشتائم، وبعد أن أبلغتها أنها قادمة لتأخذها لبيت آخر، فكرت نسمة في الانتحار، "لقد عانيت الكثير والله عانيت، أنا اشتغل وأمي تأخذ كل ما احصل عليه، والله عانيت ، لقد اتهموني في كوني حاملا وهذا كذب، لقد اغتصبت في الماضي ووالدتي رفضت الشكاية التي تقدمت بها ضد من اغتصبني، لقد عانيت ، لقد عانيت الكثير" تقول بسمة كخلاصة لمأساة فتاة أقدمت على الانتحار مرتين لكن كتب لها أن تعيش من جديد.