عمليات انطلقت ضد عشرات الأفراد المرتبطين بالتيار الإسلامي في فرنسا غداة مجلس للدفاع انعقَد أمس، بدعوة عاجلة من رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، وذلك عقب اعتداء "إرهابي" وقع في كونفلانس-سانت-أونورين بالضاحية الباريسية في حق أحد المدرسين. الرئيس الذي استفز المسلمين في العالم أجمع، ومنذ وصوله إلى قصر الإيليزيه، بتصريحات وصفها البعض بالعنصرية وبالمعادية للإسلام بينما نعت المنسق الفرنسي لمكافحة الإرهاب هؤلاء بأقلية إسلاموية تحاول إقناع المسلمين بأن فرنسا معادية لهم. "الإسلام يعيش أزمة": قبل أسبوع فقط ضج العالم من شرقه إلى غربه، بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما قال إن الإسلام يعيش أزمة في كل مكان في العالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار للجمهورية الفرنسية. الرئيس أكد في ذات الخطاب أن فرنسا لا تستهدف الإسلام أو المسلمين، وإنما التشدد والتزمت اللذين خلفا العنف والضياع، وأضاف أن هناك تأثيرات خارجية في فرنسا لجماعات مثل الوهابية والسلفية والإخوان المسلمين. هذه التصريحات التي واجهها العالم الإسلامي بغضب شديد، جاءت تمهيدا لتمرير قوانين وإجراءات جديدة في هذا الصدد، تشمل فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية، ولا سيما تلك التي تتضمن مدارس لتعليم الأطفال. الناشطون المسلمون عبر العالم نددوا بهذا الخطاب، متهمين الرئيس الفرنسي بمحاولة قمع الإسلام في فرنسا، ومذكرين بأن مبادئ فرنسا العلمانية، تفصل الحكومة عن المؤسسات الدينية، وتعتبرأن الناس من شتى الأديان والمعتقدات متساوون أمام القانون، لكن يبدوأن الحادثة التي وقعت قبل أيام بضاحية قرب العاصمة باريس، فاقمت من حدة الوضع، وعجلت من الإجراءات التي هدد بها ماكرون. مقتل أستاذ فرنسي عرَض رسوماً كاريكاتورية للنبي محمّد: غيرَ بعيد عن مدرسته بضاحية "كونفلانس-سانت-أونورين" الموجودة قرب العاصمة الفرنسية، وفي ساعة متأخرة بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، عُثر على جثة مدرس فرنسي للتاريخ والجغرافيا في جريمة وُصفت بالإرهابية، نفذها مواطن شيشاني حصل على صفة لاجئ في فرنسا. الرئيس الفرنسي وبنفسه توجه عقب الحادث إلى خلية الأزمة التي شُكّلت في وزارة الداخلية، والتي أشرفت على فتح تحقيق كشف بعد ساعات تفاصيلَ كثيرة حول الواقعة. الشرطة الفرنسية قالت إنها حاولت توقيف رجل كان يحمل سلاحاً أبيض بالقرب من مكان الحادث، هددهم فأطلقوا النار عليه ما تسبب بإصابته بجروح خطيرة أدت إلى مقتله، وأوضح مصدر مطلع على التحقيقات أنّ المعتدي صرخ "الله أكبر". الاعتداء الذي جاء بعد أسابيع من هجوم بآلة حادة نفذه شاب باكستاني أمام المقرّ القديم لصحيفة "شارلي ايبدو"، أسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة، بعدما أعادت الصحيفة نشر رسوم كاريكاتورية تزامنا مع بداية محاكمة شركاء مفترضين لمنفذي الاعتداءات التي تعرضت لها الصحيفة في ينايرمن عام 2015 أدت إلى مقتل 12 شخصا حينها. وبعد مرور خمس سنوات يُعاد السيناريو من جديد، فالتحقيقات المنجزة على إثر مقتل المدرس، كشفت أن الاعتداء جاء بسبب عرضه مؤخراً رسوماً كاريكاتورية للنبي محمّد أمام تلامذته، في إطار دروس التربية المدنية والأخلاقية حول حرية التعبير. خطة جديدة ضد "التطرف": ثمانون تحقيقا أو أكثر هو عددُ التحقيقات التي أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان أنها بدأت ضد جرائم الكراهية عبر الإنترنت، مؤكدا أن عمليات أمنية تُنفذ منذ صباح اليوم وستستمر خلال الأيام المقبلة ضد عشرات الأفراد المنتمين ل "الحركة الإسلامية". الحكومة الفرنسية أعلنت مساء أمس عن خطة عمل ضد التطرف تنص على تطبيق تدابير ضد "هيئات وجمعيات وأشخاص مقربين من الأوساط المتطرفة"، وكذا "إجراءات ملموسة وسريعة" ضد الجمعيات والأفراد دعاة خطاب الكراهية. فرنسا والإسلاموفوبيا: قبل عام تقريبا، وتحديدا في 10 نوفمبر من العام 2019 خرجت مسيرة حاشدة شارك فيها أكثر من 15 ألف فرنسي، بينهم مواطنون وشخصيات حقوقية وسياسية، وجمعيات، ونقابات مهنية، أدانوا انتهاكات حقوق مسلمي فرنسا ونشر الكراهية تجاههم، وحذروا من الأجواء العدائية ضد المسلمين. واليوم وبعد أشهر من مظاهرة ضد الإسلاموفوبيا، تعود النظرية لتصبح قضية رأي عام في فرنسا وخارجها، فبين اتهامات بالعنصرية ضد المسلمين يواججها الرئيس الفرنسي إثر تصريحاته وإجراءاته، وبين مطالب فرنسية بمتابعة بَتْرِ المد الإسلامي المتطرف، يقف مسلمو فرنسا والرعب يسكن قلوبهم، بتخوف وحذر شديدين يتابعون الموقف المعقد، والذي يبدو أنه سيزداد تعقيدا مع مرور الأيام.