حين يضحك سياسيو الاحتيال السياسي على ضحاياهم، فإنهم في نفس الوقت، يكشفون عن خوائهم الأخلاقي والروحي والإنساني… وعندما يفكر واحد من هذه الفئة في اللحاق بالسلطة من بعد طول معارضة أو صمت، فإنه يتفنّن في صياغة بيت الشعر السياسي المُبَرِّرِ لحيازة الوزارة، أو التربّع على رأس الإدارة. يأتي هذا بعد ان قرأت مؤخرا رأيا لأحد الناقدين العرب –عراقي- حين استدل بمقول لجور أوبيل: إن قدرة المرء على رؤية ما هو أمام أنفه تماما بحاجة إلى نضال مستمر؟.. مقال رأي تحدث عن الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة العراقية والفشل الإداري وعدم القدرة على قيادة البلاد، وصراعات الحزبية والطائفية التي تسببت بضياع ثروات البلاد وغياب الخدمات ومشاريع البنى التحتية، هي موجودة تحت أنوفنا منذ سنين، لكننا انشغلنا بمشاهد أخرى؟.. في الحقيقة هذا الرأي أثارني كثيرا ودفع بي إلى الوقوف على واقع السياسة بمغربنا الحبيب، حين نسجل بكل امتعاض أن أحجام التصريحات التي يسوقها سياسيون وخاصة منهم المهرولون الجدد "الظرفاء" إلى بوابة السلطة تختلف في مقاديرها الفكرية، والثقافية، والأخلاقية… فبعض المثقفين الذين ينضوون حديثا تحت مظلة السلطة، يركزون على مخادعة العقل الجمعي وتخويفه بما لا يحب طبعا، فالإرث الثقيل الذي خلفته الحكومات السابقة يبقى من غير ما تحتسب تجارة رائجة ومُربحة لهم ،حين يحمّلونها وِزْرَ إخفاقهم وتخبطهم غير المحسوب. فالتحايل على الوطن وأهله يبدأ بتكميم الأفواه، وخلق اتجاه واحد للرأي، وتحطيم فاعلية النقابات، ومؤسسات المجتمع المدني، ومحاربة الإبداع والمبدعين، ومحاصرة النشر الثقافي، وسن رقابة قبلية على الصحف، والمحاباة الأيديولوجية والإثنية في توظيف الأجهزة الخدمية، وما إلى ذلك من الكدر السياسي الذي يلازم البناء الوطني… هذا الأخير الذي يستدعي استجماع كل القوى السياسية والفكرية والاقتصادية ،وصبّها في بوثقة واحدة تنصهر فيها كل الإثنيات والأعراق، وتتعايش فيها كل الكائنات الحزبية والنقابية والاجتماعية والثقافية، من أجل التعبير عن كيان واحد وهوية واحدة تعكس الصورة الحضارية للشعب المغربي، وتكرس العمق التاريخي للمغرب. وما دام أن الواقع عكس ذلك، فعلى أي أساس يمكن أن يبنى الوطن بالشكل الذي يحقق تقدمه وحلمه؟ وعلى أية مرجعية يتم الحوار والتشاور والمشاركة؟ وما هي قيمة الحوار أصلا إذا كان الطرف الآخر لا يجد حتى فرصة الإنصات إليه بشكل مسؤول وجاد؟ وإذا ارتأى الطرف المالك للسلطة الآن، أن لغة العصا الغليظة أبلغ من أي لغة للحوار؟؟.. ومن اعتقد غير ذلك ،فليجرب النّزول إلى الشارع صادحا بالحق،ليرى بأم عينه إلى أي مدى تَرَدّى الإستقواء بالسلطة بالبعض، وخاصة الذين كانوا بالأمس القريب يشتكون من التضييق والتهميش والملاحقة. حين ينظر سياسيو الاحتيال بعين الموضوعية إلى الواقع، سيجدون أن لا تأثير إيجابي في واقع الناس بانضمامهم إلى السلطة… ولكنهم يخادعون الناس، ويخادعون الله، وأي إله وأي شعب يخادعون !؟. الشهود المحلفون أيضا، سيجدون كذلك أن لا قيمة لحوار مع حكومة دلت كل التجارب على أن الحوار بالنسبة لها، لا يعني غير استيعاب المخالف في الرأي، وتوريطه في الفساد، والتحايل على ما تم تدوينه في مسودة الاتفاقات معه… كما سيشهدون أيضا أن الحكومة بدأت تتملص من مجمل وعودها والتزاماتها حيال الشركاء السياسيين والنقابيين والفاعلين الاقتصاديين، وحيال المواطنين، متذرعة بالأزمة العالمية التي سقطت عليها بردا وسلاما، فراحت تُعلّق عليها كل إخفاقاتها وتعثراتها، بل و تُهيأ الأنفس لتَقَبُّلِ الأسوأ أيضا، ودائما يبقى التعليق على نفس المشجب. إن آفة الاحتيال السياسي التي خبرها الكثير من ساسة هذا الوطن، لم ولن تؤدي سوى إلى تفريخ المزيد من الحوانيت السياسية، وسماسرة الانتخابات وباعة الأحلام والأوهام المتجوّلين، والرّحّل المُتسيّسين، كما لن تؤدي أيضا سوى إلى نفور الناس من السياسة وأهلها وكل ما يحيط بها من قريب أو من بعيد، وما النسب المتدنية جدا للمشاركين في الانتخابات الأخيرة والتي قبلها، سوى مؤشر أولي على ذلك، الشيء الذي سيُخلي الساحة لمحتالي السياسة، ومُقامري المصالح الحزبية والمآرب الشخصية، ليعيثوا فسادا في مصائر البلاد و العباد. المأمول والأمل مباح أن يعمل القائمون على شؤون البلاد والعباد، على إبادة كل الطفيليات السياسية والشوائب البشرية التي أفسدت الحرث والنسل، وذلك بتفعيل كل قوانين الرقابة والتخليق، التي لدينا منها ما يكفي لتطهير الحياة السياسية والعامة، بالشكل الذي يحررها من عقالها، ويتيح لها فرصة التقدم والنماء والتطور،وكل في سبيل الوطن وأهله.. أما إذا بقيت مرهونة لدى مُمتَهِني الاحتيال السياسي، فرحمة الله على الأحلام و الآمال، وإلى مزيد من نشر الأوهام مادام مجتمعنا تحت سطوة شرذمة من السياسيين المحتالين إن شاءوا عبئوا وتعبئوا وتجندوا ووفروا كل الإمكانات المادية واللوجيستيكية وسمحوا للشعب بالتعبير عن تذمره ولو مزيفا بتسخير جمعيات من صلبهم تسللت إلى المجتمع المدني؟، وإن غضبوا منعوه وجيشوا كالعادة كتيباتهم سواء السياسية او المجتمعية للتصدي لكل رأي أو حركة قد تفضح سلوكاتهم وممارساتهم وتعمدهم الاحتيال على الواقع المعاش دون خشية من احد ولا خوف من عقاب.. واقع لا محيد عنه ولا نص قانوني يجرم سياسيينا المتحايلين المتربصين بكل فرص الإستقواء على الشعب.