مشهد جد مروع، قريب من مآسي عدد من الدول العربية التي تشكل بؤرا من التوتر جراء الإعتداءات الحربية على العزل، مشهد إختزل بين ثناياه السادية والطغيان والتدبير اللاعقلاني لشؤون المغاربة من لدن بعض رجالات السلطة ووزاء ومسؤولين خانوا قسم النزاهة والإخلاص للوطن والملك، ورموا بمواطنين عزل بين مخالب الفقر والمرض والجوع والعراء. منطقة سيدي الطيبي التابعة دائريا لعمالة القنيطرة، تبعد عن العاصمة الرباط بحوالي 24 كلم، هي منطقة منكوبة بالنظر لما يعيشه الساكنة من رعب يومي مستمر على مدى عقد من الزمن، والأدهى من كل هذا وذاك، هو تلاشي الأمل الذي عقده السكان بعد الزيارة الملكية سنة 2005 حيث دشن العديد من المشاريع، وتم التوافق على تصاميم تهيئة ورصدت لها ملايير الدراهم لتغطية تكاليف شطرين، غير أنه منذ الشروع في الإنجاز القصري سرعان ما توقف منذ سنة 2009 لأسباب لازالت مجهولة لحد كتابة هذه الأسطر ، رغم تعاقب العمال ووزراء الداخلية والحكومات، لكن ما لبث الأمر في استفحال متزايد ، فالقاذورات منتشرة في كل مكان إلى جانب الأوحال والبناء العشوائي بتحريض من السماسرة ومباركة بعض أعوان السلطات في تزايد مستمر ، والأمراض متفشية ، مما فتح الباب على مصراعيه لممارسة الفساد وبيع الخمور والمخدرات بشكل رهيب، وبالتالي لم يزداد الطين إلا بلة. عندما تبحث إعلاميا من أجل التحقيق في هذه القنبلة الموقوتة، فقد تجد تعتيما كبيرا، وتهربا، وبعض الأحيان محاولات للمنع من مزاولة مهامك الصحفية من طرف السلطات بعلل جوفاء هدفها الوحيد عدم فضح المستور، وإذا ما سلمنا بالعثور على متحدثين، فإنك حتما لن تتجاوز الرأي الوحيد والأوحد للمتضررين، يجمعون على أن المسؤولين يكذبون على ملك البلاد، وأن وسائل الإعلام تزكي هذا البهثان بالقول أن هناك تقدم ملموس في محاربة البناء العشوائي لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فسيدي الطيبي كنز لايفنى في المتجارة بالبشر والعقار على حد سواء، من طرف رؤساء الجماعة السابقين وبعض مستشاريهم، جنوا أموالا جد طائلة مستغلين الوضع وتلكؤ الحكومة في التعجيل بالخروج من عنق الزجاجة لهذا الملف، بل منهم من أنجز فندقا كبيرا بدولة إسبانيا _ كما صرح بذلك سابقا السدراوي ادريس رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان – الذي سبق له أن أعد تقريرا شاملا عن كارثة سيدي الطيبي بإمكان السلطات الإعتماد عليه كمرجع أساسي باعتباره بحثا ميدانيا مستقلا .
فقد عرف سكان سيدي الطيبي الخميس المنصرم، هجوما كاسحا للجرارات مدججة بعناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، والقائد الملتحق مؤخرا بالدائرة رفقة أعوانه _ عدا الذين تم توقيفهم جراء هذا المشكل – حيث إصطدم القائد الجديد بإرث وواقع مر، ثقيل جدا ولربما تجاوز محيط مسؤولياته كرئيس دائرة ، فكيف له السيطرة على وضع عمّر أكثر من عشرين سنة؟ وقد خلفت عمليات هدم البيوت فوق أمتعة أصحابها بشكل لايمت للنصوص الدستورية بصلة ولا للإنسانية إستياءا عارما، سيما بعدما بات الضحايا رفقة أبنائهم في العراء تحت وابل الأمطار والبرد، ولم يعر السلطات أدنى إهتمام للحوامل والمعاقين والتلاميذ المتمدرسين، فأصبحنا أمام هدم الوطنية واستئصال حب الوطن ونزعه من أفئدة صغار لايعلمون جديا ما يجري أمامهم، وحركت مشاعرهم دموع الأم أو الأب وهما يتحسران على ضياع تحويشة العمر ، والرمي بهم واهلهم للعراء وللمجهول وسط وطن معلوم. نتج عن هذه المشاهد، إختلالات أعمق، فقد تجد أسلاكا كهربائية عارية تم تمريرها بشكل عشوائي، وأنابيب مزروعة تحت الأرض لإيصال المياه ، وخدش حياء الفرشة المائية ، وحفر حفر خاصة بالواد الحار، ومع ذلك فقد تجد أيضا عدادات كهربائية مقننة مقبولة الإستعمال للإستفادة من الطاقة الكهربائية، فمن رخص لهؤلاء القيام بكل هذه الأمور ؟ أليست هي نفسها السلطة التي تحاربهم اليوم ؟ لقد آن الأوان أكثر من أي وقت مضى لتوقيف هذه المهزلة بامتياز، فهي وصمة عار على جبين مغرب اليوم، مغرب المؤسسات وحقوق الإنسان، فلا ضير أن نستغرب أو نندهش وننفي ما تقدمه التقارير الدولية ونصنف بفضل ذلك في ذيل التراتيب على القوائم دوليا بشأن حقوق الإنسان. كاب 24 تيفي أعدت التقرير التالي حول فاجعة سيدي الطيبي ، ووجهت نسخا من إلى كبار المسؤولين المعنيين :