سلطت الأزمة الأخيرة بين روسياوأوكرانيا الضوء على سكان شبه جزيرة القرم، وخاصة تتار القرم الذين يرفضون انضمام الإقليم لروسيا، فمن هم تتار القرم المسلمون، وما تاريخ وجودهم في ذلك الإقليم؟ يمثل تتار القرم ذوو الأغلبية المسلمة نحو 12 في المئة من سكان شبه جزيرة القرم، ويبلغ عددهم نحو 243 ألف نسمة من عدد السكان البالغ مليوني نسمة في الإقليم. ويعد السكان من ذوي الأصول الروسية الذين تبلغ نسبتهم نحو 58 في المئة هم أكبر عرقية تسكن الإقليم، وهو ما يفسر نتيجة التصويت لصالح الانضمام لروسيا. بينما يمثل السكان من الأوكرانيين في الإقليم نحو 24 في المئة، وذلك وفقا لآخر إحصاء سكاني أجرته أوكرانيا منذ عام 2001.
أوكرانيون تبنى البرلمان الأوكراني الجديد مؤخرا، والذي جاء بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، قرارا يعتبر تتار القرم هم السكان الأصليين لشبه جزيرة القرم، على أن تعمل أوكرانيا بموجبه على تحريرهم وتنميتهم في المجالات العرقية والثقافية واللغوية بوصفهم مواطنين أوكرانيين. وبرز دور تتار القرم في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها أوكرانيا ضد يانوكوفيتش، إذ كانوا يرفضون تقارب البلاد مع روسيا ويطالبون بتوقيع اتفاقيات شراكة واسعة مع الاتحاد الأوروبي. كان تتار القرم يرون أن العيش في ظل أوكرانيا أو الاتحاد الأوربي يفتح لهم آفاقا أوسع في مجال الحقوق والحريات، ولم تغب عنهم ذكريات الماضي في ظل الحكم الروسي. وكانت شبه جزيرة القرم قد انضمت في عام 1954 إلى أوكرانيا بعد أن أهداها الزعيم السوفيتي الأوكراني الأصل نيكتا خروتشوف إلى موطنه الأصلي، لكن لم يكن لذلك القرار أثر واقعي إبان الحقبة السوفيتية. لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت القرم جزءا من أوكرانيا المستقلة التي منحت الإقليم حكما ذاتيا. تهجير قسري هاجرت الغالبية العظمى من سكان تتار القرم من الإقليم بعد أن تعرضوا لعمليات تهجير قسري في عهد الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين عام 1944، وذلك بعد أن اتهمهم بالتعاون مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. ونزح الكثير منهم إلى عدد من دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى تركيا التي كونوا فيها واحدة من أكبر الجاليات خارج أراضيهم والتي تعد أحد أهم الداعمين لهم في الأزمة الأخيرة مع روسيا. وكان تشوباروف قد أعلن رفض تتار القرم انضمام الإقليم إلى روسيا، وطالب الأممالمتحدة بإرسال قوات لحفظ السلام إلى الإقليم محذرا من تهديدات قد تشهدها المنطقة بعد سيطرة القوات الروسية على شبه جزيرة القرم. المستقبل كانت شبه جزيرة القرم تخضع للحكم العثماني حتى أواخر القرن الثامن عشر، وكانت تتمتع بأهمية كبيرة في المنطقة بسبب موقعها الجغرافي المتميز المطل على البحر الأسود. وبعد حروب طويلة بين العثمانيين والامبراطورية الروسية، تمكنت الأخيرة من السيطرة عليها، وانتقل العديد من أبناء الإمبراطورية الروسية للعيش هناك. وينظر تتار القرم لمستقبل وجودهم في ظل الحكم الروسي بشيء من القلق، إذ يرون أن العيش في ظل حكم شيوعي ربما يشهد تضييقًا في مجال الحريات وممارسة الشعائر الدينية. كما يعبر قادة تتار القرم عن مخاوفهم من انتقام روسيا منهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش. ورغم الزيارة التي قام بها بعض قادتهم إلى روسيا مؤخرا ورسائل الطمأنة التي تردهم من موسكو من وقت لآخر، لا يزال تتار القرم ينتظرون ماذا يحمل لهم المستقبل في ظل العيش تحت النظام الروسي.