تشكل الممارسة غير القانونية لطب الأسنان، من طرف أشخاص لا يتوفرون على المؤهلات والمعارف العلمية اللازمة للقيام بها ولا على التقنيات الضرورية، تهديدا خطيرا وجديا على حياة المواطنين. حذرت هيئة أطباء الأسنان الوطنية، في بلاغ توصلت به "منارة"، من الخطر المحدق الذي تمثله هذه الممارسات التي وصفتها بالتدليسية، وما يترتب عنها من أضرار جسيمة بصحة المواطنين، إذ تتسبب في إعاقات وأمراض ووفيات وسط المواطنين الذين يلجؤون إليها. فالحق في الصحة يعتبر من بين المكتسبات غير القابلة للتراجع والمساومة في مغربنا اليوم. لذلك فإن على القانون، يضيف البلاغ، كأصل عام وغير مجزء، أن يضمن انتفاع المواطنين بهذا الحق الدستوري بشكل كامل وخال من الشوائب. وبالتالي فإن من بين الأهداف الأساسية للتقنين منع الممارسات الغير قانونية، والغير مهنية، وعلى الخصوص التي تشكل خطرا على سلامة المواطنين و الأمن الصحي لبلدنا. مشروع قانون ناجع ومنقذ ارتكازا على هذا السند القوي، فإن مهمة هيئة أطباء الأسنان الوطنية، لا تنحصر فقط على السهر على الممارسة القانونية للمهنة، ولكن أيضا على تحذير الرأي العام من كل ما يمكن أن يشكل مسا بالسلامة الجسدية للمواطنين و يلحق الضرر بصحتهم. و من هذا المنطلق، فإن الهيئة تعبر عن ترحيبها لمصادقة مجلس النواب على مشروع القانون رقم 14-25، الذي عرضته الحكومة على البرلمان، والهادف إلى تنظيم و تأطير وحماية الممارسة القانونية لمهن مناولي و مستعملي المنتجات الصحية و من بينهم مهنة صانع رمامات الأسنان في المغرب. وتدعو الهيئة أعضاء مجلس المستشارين، الذين يعرض عليهم حاليا هذا المشروع لتداوله، أن يحدوا حدو مجلس النواب في المصادقة على مقتضياته. فمن الأهمية بمكان أن يكرس مجلس المستشارين نبل الممارسة السليمة لمهنة صانع رمامات الأسنان، عبر تبني منظور هيئة أطباء الأسنان الوطنية ونواب الأمة ورؤيتهم لهذا القطاع، والتي تقتضي ضرورة إخضاع مزاولة مهنة صانع رمامات الأسنان لمجهر اليقظة والمراقبة. وفي هذا الإطار، فإن القانون وحده هو المؤهل لتنظيم مهنة صانع رمامات الأسنان، ووضع الإطار القانوني لممارساتها وإخضاع انحرافاتها التدليسية والغير قانونية للجزاء. ممارسات خارجة عن القانون يخضع طب الأسنان، باعتباره تخصصا علميا، لمعيار ثلاثي: التكوين الجامعي المتوج بالحصول على شهادة عليا، التأهيل العلمي والفني المستمر، واحترام الضوابط المهنية والقانونية لممارسته. وتُؤسس هذه المعايير الثلاثة، أسس ممارسة طب الأسنان من جهة، ومن جهة ثانية، تنير السلطات العمومية فيما يتعلق بتحديد الممارسات التدليسية و الغير قانونية للمهنة، والتي يستوجب احترام القانون محاربتها و منعها حماية للمواطن وحفاظا على الأمن الصحي العام. وتتجلى خطورة هذا الوضع جليا عند الاطلاع على نتائج دراسات وطنية قامت بها كليتي طب الأسنان بكل من الرباط والدار البيضاء، والتي تبين بالملموس مدى جسامة الأضرار التي تتسبب فيها هاته الممارسات الغير القانونية لطب الأسنان بالنسبة للمواطنين. فمزاولة مهنة طب الأسنان هي تتويج لمسار جامعي مدته ست سنوات من التحصيل والدراسة العلمية حسب النظام الجديد للتكوين بكليات ومدارس طب الأسنان. ويخضع الولوج إلى هذه المؤسسات لمباراة دخول. وتنتهي الدراسات العليا فيها بإعداد أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في طب الأسنان. ويتم إغناء هذا المسار الدراسي الطويل باستمرار عبر دورات التكوين المستمر طيلة الحياة المهنية، حسب ما يتطلبه رفع تحدي مواكبة التقدم العلمي والفني والتكنولوجي الذي يؤطر ممارسة طب الأسنان على مدى المسار المهني للطبيب الممارس. وهنا يكمن الفرق، من جهة، بين طبيب الأسنان وصانع رمامات الأسنان الذي يحصل على شهادته في ظرف وجيز مدته عامين من التكوين في مراكز متخصصة. ومن جهة ثانية، بين هاتين الممارستين وبين منتحلي صفتيهما و قالعي الأسنان الذين ينصبون أنفسهم "أطباء أسنان" بطرق ملتوية تضرب أخلاق ونبل المهنتين بعرض الحائط، عبر استعمال بعض الوصفات غير القانونية، مدعين تقديم العلاج والنصح والاستشارة، في الأحياء الشعبية وضواحي المدن والأسواق والعالم القروي، التي يجولون ويصولون فيها بدون حسيب أو رقيب. تهديد خطير لصحة المواطنين ترتبط إشكالية الفوضى المهنية، التي نلاحظها على الخصوص في مجال طب الأسنان، بظاهرتين. الأولى تاريخية، والتي وَلّدَت الانطباع بأن علاج الأسنان لا يحتاج إلى علم و خبرة، ومن تم الاعتقاد الخاطئ بأن علاج الأسنان هو مجرد ترف زائد يمكن الاستغناء عنه. من هنا لجوء بعض المواطنين إلى ثلة من صانعي رمامات الأسنان المنتحلي لصفة أطباء الأسنان و مقتلعي الأسنان وغيرهم، في جهل تام بالمخاطر المرتبطة بالصحة والنظافة وعمليات التعقيم، التي يمكن لعدم توفيرها وضبطها أن يتسبب في انتقال عدوى أمراض تعفنية خطيرة من قبيل السيدا والتهاب الكبد والسل. أما الظاهرة الثانية فهي ذات طابع قانوني وتنظيمي، والتي مكنت الممارسين خارج القانون من تضييق الخناق على الممارسة القانونية لطب الأسنان، عبر تشويه هويتها وقيمها الأساسية.