يعتمد نبيل عيوش، على غير العادة، على أشخاص عاديين أبطالا لأفلامه. حقيقة نلمسها في جل أفلامه ابتداء من «علي زاوا» مرورا ب«لحظة ظلام» ثم «يا خيل الله» وانتهاء ب«الزين اللي فيك». المخرج المثير للجدل يؤكد هذه الحقيقة ويعتبرها اختيارا فنيا، تبريره في ذلك أنه يحاول تقديم سينما تمزج بحسبه بين ما هو وثائقي وما هو روائي حتى تكون السينما قريبة إلى «الواقع». تبرير سرعان ما ينهار أمام تصريحات صادمة لممثلين سبق أن أدوا أدوار البطولة في بعض هذه الأفلام، كما هو الشأن لهشام موسون المشهور ب«عوينة» ونور الراقصة بطلة فيلم «لحظة ظلام». هؤلاء كشفوا حقائق تضرب رواية المخرج في الصميم وتصيبها في مقتل مؤكدين أن وراء اختيار عيوش هدف مادي محض. فهل هذا صحيح ؟ لنتابع.
اعتاد نبيل عيوش أن يعتمد في جل أفلامه على أشخاص عاديين أبطالا لأفلامه بدل سينمائيين مهنيين. اختيار يطرح الكثير من الأسئلة لدى النقاد السينمائيين والمتتبعين. من بين الأسئلة المطروحة: «لماذا يختار عيوش أشخاصا عاديين لتجسيد أدوار البطولة وهل فعلا المخرج يقوم بذلك من أجل خفض تكلفة الانتاج؟ أسئلة سرعان ما أصبحت ملحة أكثر بعد تسريب مشاهد من فيلم «الزين اللي فيك» واكتشاف أن من بين بطلاته عاملات جنس في الواقع. الأسئلة تناسلت أكثر بعدما طفت على السطح قضية هشام موسون بطل فيلم «علي زاوا» الذي هدد في مرات عديدة برفع دعوى قضائية ضد المخرج لعدم نيله مستحقاته المالية المفترضة. فهل يختار نبيل عيوش أبطال أفلامه من الواقع من أجل خفض تكلفة الإنتاج؟ أم هناك أسباب أخرى؟ «علي زاوا.. لحظة ظلام.. يا خيل الله.. الزين اللي فيك» كلها أفلام حاول من خلالها المخرج نبيل عيوش أن يعالج مواضيع بصور سينمائية لم تخرج عن طابع الجنس المثلية والإرهاب والتشرد والاغتصاب.. واختار أن لا يكون أبطال أفلامه والشخصيات المشاركة فيها مصطنعة بل من واقع الحياة. معظم الممثلين المشاركين في فيلم «علي زاوا» الذي يحكي قصة أطفال شوارع، كانوا متشردين فعلا يعيشون دون مأوى. نبيل عيوش جمعهم من الشارع ووضعهم أمام الكاميرا لتنقل معاناتهم وتفاصيلهم المحزنة في شريط سينمائي. من بين هؤلاء المتشردين الذين مثلوا في الفيلم، هشام موسون الملقب ب«عوينة» ولعب دور البطل. وبعد عشر سنوات على ظهور الفيلم خرج «عوينة» في وسائل الإعلام ليقول كلاما مفاده أن عيوش استغله واستغل رفاقه ولم يمنحهم الأجر المستحق. كيف ذلك؟
«الزين اللي فيك».. أبطال تلاحقهم اللعنة ظهور لقطات مسربة في فيديوهات من فيلم عيوش الآخير «الزين اللي فيك» الذي عرض في مهرجان «كان» الدولي والثورة التي شنها نشطاء المواقع الاجتماعية المغاربة والتعليقات التي تدين نبيل عيوش في تعاطيه مع موضوع الدعارة بالصورة التي ظهرت من خلال الفيديوهات، تسبب في مشاكل كثيرة لأبطال الفيلم. إحدى بطلات هذا الفيلم، حاولت الانتحار بمجرد ما انتشرت الفيديوهات وجعلت عائلتها والمحيطين بها يغضبون منها، في حين وجد بطل آخر أدى دور سعودي في الفيلم، مطلوبا من طرف الشرطة القضائية بالدار البيضاء بتهمة الوشاية الكاذبة واتهام أشخاص بمحاولة تعنيفه بسبب «الزين اللي فيك». وتوالت الانتقادات الموجهة لأبطال الفيلم، ما أدى بإحدى ممثلات دور العاهرة إلى تصوير فيديو ونشره على الأنترنيت تصف فيه المغاربة بالنفاق وعدم تقبل وجههم الحقيقي، في الوقت الذي شن بعض نشطاء العالم الأزرق حملة ضد الفيلم، مؤكدين في تعليقاتهم أن المخرج وضع المرأة المغربية في صورة نمطية تحط من قيمتها وتشوه صورتها الدولية. بعض التعاليق ذهبت إلى أبعد من ذلك واعتبرت أن الفيلم لو عرض في الصالات السينمائية المغربية لتسبب في أزمة ديبلوماسية بين السعودية والمغرب. والسبب ظهور لقطات في الفيديوهات المسربة تصور الرجل السعودي على أنه رجل فاسد يبحث فقط عن المتعة الجنسية ويزور المغرب ومدينة مراكش بالخصوص من أجل قضاء نزواته الجنسية.
لعيوش رأي آخر يقول عيوش في رده على الانتقادات التي رافقت عرض فيلمه في مهرجان كان: «فيلم الزين اللي فيك لامس انفعالات الناس بعمق، وبطلات الفيلم لسن عاهرات بل فتيات خبرن عالم الدعارة من خلال صديقاتهن وبنات عائلاتهن وجاراتهن وهذا هو سر نجاحهن في تأدية أدوار المومسات بشكل رهيب بالرغم من أنهن لسن كذلك». عيوش أكد في تصريح صحفي أن فكرة الفيلم كانت تراوده منذ زمن قديم، وأنه كان يرغب في الاشتغال على الموضوع على شكل وثائقي لكنه اكتشف أن خطاب هؤلاء النسوة هو خطاب إنساني بامتياز لا يعترف بالحدود بل هو مشترك، قائلا: «منذ سنة ونصف وأنا أشتغل على الموضوع ويوما بعد يوم يتأكد لي أن الموضوع يستدعي أن أتدخل كمخرج». وعن المشاهد الإباحية التي تخللت الفيلم، ينفي نبيل عيوش أن يكون «الزين اللي فيك» يتضمن مشاهد إباحية، مؤكدا أن تلك المشاهد ليست إباحية وإنما صادقة وجريئة، هناك فقط مشهد واحد تظهر فيه الأجساد عارية للتعبير، أما ما تبقى فالشريط لائق جدا. وقال المخرج السينمائي: «اللافت في الأمر هو أن بعض الناس صدموا من المشاهد، لكن آخرين قالوا لي ما هذا الحياء في هذا الفيلم، هناك الكثير من الاحتشام بالنسبة لموضوع كهذا، إنه الواقع ببساطة يجب نقله بصدق وكما هو بدون تحريف». عيوش أوضح بخصوص الألفاظ النابية التي وردت في الفيلم، أن عاملات الجنس يتحدثن بتلك اللهجة وأنه لا يستطيع إجبارهن على أن يتحدثن كالشعراء، يجب أن يتحدثن كما يتحدثن في واقعهن المعيش»، مضيفا «لا يجب أن نخدع الناس»، ضاربا المثال بالأفلام الأمريكية التي يستعمل فيها المخرجون كلمات نابية ويتلقاها المشاهد بشكل طبيعي دون أن تصدمه. وبعد قرار المنع كتب نبيل عيوش على حسابه في تويتر أن «على المغاربة زيارة المغرب»، في تلميح منه إلى أن الذين كانوا وراء منع عرض الفيلم ينكرون الواقع الذين يعيشون فيه ويتهربون من الاعتراف به من خلال منعهم عرض فيلمه الذي ليس سوى محاكاة لواقع موجود منذ القدم ومعالجة لأقدم مهنة في تاريخ البشر. عيوش قال في تصريح ل «الأخبار» إنه تفاجأ من قرار المنع خصوصا أنه لم يطلب أي تصريح من المركز السينمائي المغربي من أجل عرض الفيلم بالمغرب، مؤكدا أن اللجنة المسؤولة عن المنع لم تر الفيلم أصلا». بطلة الفيلم لبنى أبيضار قالت هي الأخرى في تصريح صحفي «كبرت في ذلك الحي الشعبي فعايشت كل هذا وأنا من هناك» وتابعت «كل هذا الوسط موجود في قلب المدينة القديمة في مراكش ويحاولون إخفاء ذلك». وعن مشاهد الجنس المصورة في الفيلم قالت لبنى «أعرف أنني سأواجه العديد من المشاكل في بلادي لأنني عربية ومسلمة لكني لست نادمة على أي شيء وأنا فخورة بعملي مع نبيل الذي فتح الباب لكل هؤلاء النساء لأنهن في كل مكان ولا أحد يريد رؤيتهن».
«عوينة»: «عيوش استغلنا من أجل خفض تكاليف الإنتاج» يقول هشام موسون في تصريح ل»الأخبار»: «لم أحصل إلا على 15000 درهم في فيلم «علي زاوا» الذي جسدت فيه دور متشرد، وهذا ظلم بالمقارنة مع النجاح الذي عرفه فيلم كان من المفروض أن أتقاضى عنه الملايين وليس دريهمات فقط، أول أمس فقط شاهدت الفيلم على قناة فرنسية مشهورة وتحسرت على الاستغلال الذي مورس علي من طرف المخرج».. لجوء المخرج لاختيار شخصيات تجسد أدوارا تؤديها في «الحياة الواقعية»، حسب «عوينة» له تفسير واحد هو تخفيض تكاليف الإنتاج، فالمبلغ الذي يؤديه عيوش لهؤلاء الأشخاص هو طبعا أقل بكثير من المبلغ الذي سيؤدى لممثل محترف». هشام موسون يؤكد تكرار لجوء نبيل عيوش إلى شخصيات حقيقية لتجسيد أدوار في أفلامه السينمائية، مشددا على أن المخرج يبحث فقط عن الربح السريع «باغي يتقام عليه الفيلم فابور ويلوح لكل ممثل جوج دريال، وهذا ما جعلني أفكر في رفع دعوى قضائية ضده غير أني تراجعت لأنني لم أجد أحدا يساندني في ذلك». «عوينة» يرى أن عيوش يجب أن يعيد النظر في تعامله مع الفنانين، مشيرا إلى أن هناك مخرجين آخرين، والنقطة المشتركة بينهم هي استغلال الممثلين». مرت مياه تحت الجسر. وفكر نبيل عيوش مرة أخرى في تصوير فيلم آخر. هذه المرة سيكون الموضوع حساسا أكثر نظرا لتناوله أحداث 16 ماي. لم يكن أمام عيوش إلا أن لجأ مرة أخرى إلى هواة في المسرح ومواطنين من حي سيدي مومن ليمثل فيلم «يا خيل الله» الذي لقي استحسانا من طرف الجمهور. لكن الفيلم لم يرق ساكنة حي سيدي مومن الذين اعتبروا أنه شوه صورتهم في المغرب والعالم وأعطى عنهم صورا نمطية غير صحيحة، مثل التطرف والأمية والإرهاب. هذا الغضب سرعان ما تحول إلى وقفات احتجاجية بحي سيدي مومن، إذ بمجرد ما زار المخرج نبيل عيوش في إحدى المرات الحي المذكور حتى انتفض السكان في وجهه، طالبين منه الرحيل من الحي الذي استضافه طيلة مدة التصوير وعمل في المقابل على تشويه صورة قاطنيه، كما يقولون.
نور: أصبت بالغثيان حين شاهدت المقاطع الإباحية في «الزين اللي فيك» علاقة نبيل عيوش بأبطال أفلامه، يشوبها الكثير من الالتباس. صراعات المخرج مع الممثلين الذين سبق أن شاركوا في أفلامه كانت موادا دسمة للجرائد. الراقصة نور هي أيضا كانت لها قصة مع المخرج نبيل عيوش، الراقصة قبل خضوعها إلى عملية تحول جنسي، كانت قد مثلت في فيلم «لحظة ظلام» والذي منع هو الآخر من العرض. حين لعبت دور خنثى تربطها علاقة عاطفية بمفتش شرطة. وكانت قد قالت في تصريح صحفي سابق، إن المخرج كان أول من تخلى عنها، وأن «لحظة ظلام» هو مجرد فيلم جنسي ساقط لقطاته الجنسية عنيفة وصادمة ومستفزة، مشيرة إلى أن عيوش أقحم مشاهد جنسية ساخنة في الفيلم لم تكن لها ضرورة ولا معنى. وقالت نور «من المؤسف أنني تورطت في الاشتغال مع مخرج كل ما يهمه هو إثارة الضجة حول أعماله، واستغلال الوجوه الفنية وتلويث سمعتها». نور قالت في تصريح حصري ل «الأخبار» إن فيلم «الزين اللي فيك» «منكر ولي داروا يجب أن يتحمل مسؤوليتها وأن يعاقب»، مؤكدة أنها أصيبت بالغثيان مباشرة بعد مشاهدتها لمقاطع من الفيلم من شدة المقاطع الإباحية التي تضمنها، داعية إلى ضرورة محاسبة من مثل وأخرج وصور الفيلم.