في سنة 1924، كتب الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي (Georges Lapassade) ما مفاده: "إذا زرتم المغرب (يقصد المغرب العربي) دون أن تبحثوا عن المغامرة، فإنكم لن تروا شيئا من الواقع. لكي تكتشفوا الواقع، ولكي تخرجوا الحقيقة من مناطق العتمة، عليكم إطلاق العنان وإفساح المجال لأجسادكم ولفعل الشهوة" منذ 1924 وإلى اليوم، لا يبدو أن الأمور قد تغيرت كثيرا في ما يتعلق بالمتخيل الغربي، وبنظرته إلى موضوع الجنس في العالم العربي والإسلامي عموما، وفي المغرب خصوصا. على بعد سنين طويلة من مقولة "لاباساد"، يبقى المغرب في النهاية عنوانا ملغزا بالنسبة للغرب، حين يتعلق الأمر بموضوع الجنس، بالممارسة الجنسية، بالمثلية، وبكل تفاصيل لغة الجسد. على مر السنين، ورغم بعض المحاولات الجادة التي حاولت تصحيح مفاهيم الغرب، وتحطيم الصور النمطية المكتسبة، مازال العالم العربي والإسلامي والمغرب... لغزا مثيرا بالنسبة للغرب، وسؤالا مفتوحا على عدد من الأجوبة والتناقضات، حين يتعلق الأمر بالجنس. المثير في الحكاية هنا، أن سؤال الجنس في المغرب يقترن في الكثير من الأحيان، بالنسبة للغرب، بملف الدعارة، وبمعطيات مخيفة تقدم البلد كجنة للسياحة الجنسية. الدعارة هنا، ليست مقترنة فقط بالدعارة المؤنثة، بل تتجاوزها إلى دعارة الذكور، وتفاصيل أكثر غرابة عن تنظيمات إجرامية تتاجر بالبشر في سوق الجنس.
موضوع الدعارة في المغرب، ليس مرتبطا فقط بكثير من الحكايات والملفات التي تنفجر بين الحين والآخر، لتقدم البلاد كوجهة مفضلة بالنسبة للخليجيين وأثرياء العرب، أو كمصدر لتصدير العاملات الجنسيات إلى مختلف جغرافيات البترودولار. الدعارة تقترن أيضا بصور نمطية كثيرة اكتسبها الغرب بخصوص المغرب، وحولت البد إلى وجهة للباحثين عن الجنس، سواء تعلق الأمر بالنساء... أو بالذكور. في محاولة لمقاربة هذا الموضوع، اختارت «الأيام»، أن تبحث عن صورة المغرب لدى مواطن غربي خارج كل التصنيفات الثقافية والمعرفية... حاولنا فقط، في مستوى أول، أن نرصد بعض شهادات المواطنين الغربيين العاديين، الذين قصدوا المغرب للسياحة، فاكتشفوا فيه موضوع الدعارة بكل تفاصيله وجغرافياته، أو في مستوى ثان، رصد بعض «خبراء» السياحة الجنسية في المغرب، وكيف يقدمون شهاداتهم عن رحلاتهم للبلاد دعارة تمتد من أبسط اللقاءات بالعاملات الجنسيات، لتشمل أماكن تواجدهن، وأجورهن، وطرق التعامل معهن... وتتطور لتشمل أيضا الباحثين عن المثلية الجنسية في المغرب، والأسواق التي توفرها.
«فندق للعاهرات»
«مستخدمو الاستقبال كانوا وقحين وغير مهذبين بالمرة عندما دخلنا للغرف أول مرة، لم تكن هناك أية روائح مثيرة لأن النوافذ كانت مفتوحة بالكامل. عندما أغلقنا النوافذ، وبعد وقت قصير جدا، بدأنا نشم روائح الرطوبة الكريهة. الغرف لم تكن مرتبة ولا مهيأة على الوجه الأمثل، في الحمام، كانت آلية مياه تنظيف المراحيض معطلة بالكامل. لأننا لم نكن نشعر بحاجة إلى النوم، ولم نكن نريد البقاء طويلا في الغرف، قررنا النزول نحو صالة الفندق، وهناك وقفنا مشدوهين على حركة قوية ومستمرة لعدد كبير من العاهرات اللواتي يتجولن بين مرافق الفندق، ويصعدن نحو الغرف رفقة زبائنهن المقيمين به. ملابس العاهرات كانت مثيرة ولا تترك مجالا للشك أو التأويل، خصوصا في بلد كالمغرب. بين كل الفنادق و«الرياضات» التي أقمت فيها بالمغرب، هذا الفندق بالقطع هو الأسوأ والأبشع لا أنصح بالإقامة في هذا الفندق مهما كان الثمن، ومهما كانت الأسباب. أقمت بفندق (...) في نونبر 2013، في إطار رحلة مع عدد من الأصدقاء». ... الكلام أعلاه، هو شهادة/ تعليق لأحد السياح المترددين على المغرب. الشهادة وردت في أحد المواقع الإلكترونية العاملة في مجال ترويج الفنادق واقتراح أسعار مناسبة بالنسبة للذين يريدون تنظيم رحلاتهم بأنفسهم ودون اللجوء لوكالات أسفار. التعليق الوارد أعلاه، هو واحد من بين عشرات، وردت كشهادات بخصوص فندق شهير بالدارالبيضاء... في قلب الدارالبيضاء بالضبط. شهادات وتعاليق، كانت كلها تنصح بعدم الإقامة في هذا الفندق، وتتحدث عن سلوكات المستخدمين فيه وسوء الخدمات وعن التجهيزات الضعيفة والمعطلة ومنتهية الصلاحية... غير أن الذي أثارنا أكثر في هذه الشهادة، هو تركيزها على موضوع الدعارة، وعلى موضوع مرافقة العاهرات للزبناء إلى الغرف، وكذا عن كثرتهن ببهو الفندق. الشهادة... التي وضعها صاحبها على الموقع في شهر نونبر 2013، كانت تحمل عنوانا قويا هو: «فندق للعاهرات»... («الأيام» اختارت هنا ألا تقدم اسم الفندق، علما أن الشهادة تقدم اسمه وعنوانه وكل التفاصيل حوله).
«لقد عدت للتو من مراكش كما قرأت عنها سابقا، هي مدينة جميلة، مضيافة وممتعة. الناس هناك في غاية اللطف، والمرأة المغربية جميلة جدا. في المقابل، صدمت كثيرا بسلوك الفتيات هناك. كلهن، وبعد دقائق فقط من تبادل الحديث معهن، يطلبن منك مالا مقابل قضاء الليلة معك. حدث هذا في العلب الليلية، في المطاعم والحانات، في المحلات التجارية، في «ماك دونالد»، في كل تفاصيل الجولة بالمدينة. عمليا، في كل مكان. بكل صدق، كنت أفضل أن أسمع كلمة «لا» بشكل قاس وصادم، على اقتراح قضاء الليلة مقابل أجر. الذي فاجأني أكثر، ليس هو سلوك الفتيات اللواتي قد يكون لهن سبب وجيه من أجل القيام بذلك، ما يفاجئني، هو أن لا أحد يتحدث عن هذه الظاهرة. اعتقدت بداية أنه ربما لأن الناس يسافرون في الغالب كأزواج، فهم لا يتوقفون كثيرا للحديث إلى فتيات البلاد، وبالتالي لا ينتبهون إلى كيفية سير الأمور. لكنني أيضا تساءلت: هل من المعقول أن أكون أنا المسافر الوحيد الذي حل هنا لوحده، وانتبه وحده للأمر؟ الآن، لدي رغبة كبيرة في زيارة مدينة فاس، وأريد أن أعرف من أحد الذين زاروا هذه المدينة من قبل إن كانت الفتيات هناك يتصرفن بنفس طريقة الفتيات في مراكش، أم أنهن فتيات «عاديات» ولا يبحثن عن أجر أو مقابل؟ هل يمكنكم مساعدتي؟.» الكلام هنا لأحد الأعضاء في موقع اجتماعي على الأنترنيت، متخصص في تبادل المعلومات حول السفر والسياحة، والردود الذي جاءت على كلامه هنا، اتجهت في الغالب إلى ربط الدعارة في المغرب بالفقر، في حين انتقد البعض الآخر تركيزه على هذا الموضوع بالذات، علما أن الدعارة موجودة في كل بلاد العالم.
محاولة أكاديمية لتصحيح وتحطيم صور نمطية: الجنس في بلاد الإسلام
... الحكايتان الواردتان أعلاه، هما في النهاية مجرد نموذجين اخترناهما بكثير من الحرص على استبعاد الكلام الفاحش وبعض التفاصيل المثيرة حول العمليات الجنسية. السياح ، ونقصد هنا فقط وأساسا السياح غير العرب الذين يقصدون المغرب، يأتون إليه في الكثير من الأحيان محملين بالكثير من الأحكام المسبقة والأفكار الخاطئة، خصوصا عقب أحداث 11 شتنبر التي أصبحت تقرن العالم العربي والإسلامي بالتطرف الديني، وأصبحت تقدم المرأة في هذه البلدان في شكل «جسد مغطى ببرقع لا يرى منها شيء». هذه الأحكام الجاهزة، ومحاولات تفسير التطرف الديني في الكثير من الأحيان بعدم حرية الجنس في البلدان العربية، دفعت الكاتب والصحافي ذي الأصول البريطانية (John R. Bradley) قبل سنوات قليلة، إلى إصدار كتاب مثير بعنوان: «وراء حجاب المنكر: التجارة وثقافة الجنس في الشرق الأوسط». الكتاب يقدم «رواية» مختلفة لموضوع الجنس بالعالم العربي، ويتعقب أثر الحياة الجنسية في المنطقة، بدءا من الدعارة في البحرين، إلى زواج المتعة في إيران، إلى زواج القاصرات ومختلف تفاصيل صناعة الجنس التي «تتيح» نوعا من التعايش بين «الأخلاق العامة» و«الحياة الشخصية» في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي. الكتاب يقوض في العمق القوالب النمطية والصور المكتسبة التي ترسخت في مخيلة الغرب حول موضوع الجنس في العالم العربي، ويصر بكثير من الذكاء على هدم الفكرة التي تشكلت مع أحداث 11 شتنبر أساسا، والتي تجعل الإرهاب الإسلاموي مرادفا للكبت الجنسي. بعيدا عن الأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة، يقدم الكتاب حقائق مثيرة عن موضوع الدعارة بالعالم العربي. حقائق تجعل كل الدول على نفس المسافة من الموضوع وإن اختلفت تفاصيل أسواقها. الدعارة في العالم العربي ليست قرينة بالمغرب فقط. الكاتب والصحافي (John R. Bradley)، استكشف من خلال كتابه (الثقافة) الجنسية في مجموعة من الدول العربية من قبيل سوريا، العربية السعودية، تونس، البحرين، مصر، اليمن، إضافة إلى إيران، ليخلص إلى نتيجة مثيرة (بالنسبة للغرب خصوصا)، مفادها أن ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، حتى وإن اعتبرت عملا غير قانوني، فإنها تتواجد على أرض الواقع بكثرة، وتنمو باستمرار. الخلاصة الأهم التي يقدمها «برادلي» في هذا المحور بالضبط للقارئ الغربي، هي أنه يجب التمييز بشكل دقيق بين «المتشددين دينيا» والناس العاديين. ويقول في هذا الاتجاه: «بطبيعة الحال، المتشددون دينيا هم رافضون ومعارضون لأي شكل من أشكال الحرية الجنسية، وهم أقلية، تماما كما هم أقلية «الإنجيليون» المتشددون بالولايات المتحدةالأمريكية». موضوع الدعارة بالنسبة ل «برادلي»، يرتبط بشكل أساسي بموضوع المتاجرة في البشر، وبظروف المجتمعات في المنطقة. في هذا السياق، تحدث المؤلف بتفصيل عن تزايد عدد «العاملات الجنسيات» العراقيات بسوريا، مباشرة بعد الغزو الأمريكي للعراق، وتزايد عدد الفقراء واللاجئين. المتاجرة بالبشر، وبالنساء خصوصا، هو موضوع يتم الحديث عنه بكثرة في التقارير الدولية المهتمة، لكن... مع ذلك، يذهب «برادلي» إلى أن الأرقام ومصادر المعطيات حول هذا الموضوع تبقى مختلفة ومتناقضة، ما يجعل إمكانية فهم الحجم الحقيقي للظاهرة أمرا صعبا ومحتاجا للكثير من التدقيق. ... دور الدعارة، الأحياء الخاصة بالدعارة، ليست خاصية مغربية، ولا ترتبط فقط بتواجدها أو شهرتها في بعض مناطق المملكة. بعيدا عن المغرب، يقدم «برادلي» قراءة مثيرة للموضوع، يؤكد فيها أن دور وأحياء الدعارة، التي حاولت الكثير من الدول العربية الإبقاء عليها بشكل سري تتم محاربته ظاهريا، ظلت متواجدة على الدوام، بل وفي بعض المناطق، خضعت الدول للأمر الواقع، وأصبحت هذه الدور والأحياء معروفة ومعلومة للجميع. الدعارة هنا لا تقتصر فقط على «دعارة النساء»، بل تتعداها إلى دعارة الذكور، التي يقول «برادلي» إنها موجودة ومزدهرة في كل مناطق الشرق الأوسط. المثلية الجنسية ودعارة الذكور في العالم العربي تعتبران في الكثير من الدول العربية وجهين لنفس العملة... يقول «برادلي» هنا: «الجنس المثلي متواجد في كل مكان، من المراكز التجارية لمدينة جدة السعودية، إلى أسواق مراكش. من الشارع الرئيسي لتونس العاصمة، إلى مقاهي وسط مدينة عمان... الفتيان، دائما متواجدون، ودائما جاهزون، مقابل ثمن متفق عليه... في دمشق، ووسط أكبر حدائق المدينة، يبدو المثليون هناك كخلايا نحل دائمي الاشتغال، ليلا ونهارا».
أرقام سوق الدعارة المغربية: من إسبانيا إلى إسرائيل
مقاربة موضوع الجنس في العالم العربي والإسلامي تحولت في الكثير من الحالات إلى دراسات أكاديمية مهمة، حاولت في الكثير من الأحيان تحطيم الصور النمطية والأحكام المسبقة بخصوص هذا الموضوع. مقابل ذلك، مازال موضوع الدعارة، خصوصا في منطقة شمال إفريقيا، يقترن بالأساس بملف السياحة، وخصوصا في تونس والمغرب. العديد من المواقع الإلكترونية تزخر بالكثير من التعليقات والشهادات والكتابات التي تتحدث عن تجارب شخصية مع عاهرات في المغرب وتونس، لكن المثير هنا، هو أن موضوع الدعارة «المغاربية» لم يعد فقط مقترنا بالسياحة، بل تعداها إلى موضوع أكثر أهمية، هو الدعارة المغاربية في أوربا. الدعارة هنا، لم تعد فقط مقترنة بدول الخليج العربي أو بحكايات متناسلة من فرنسا وإسبانيا، بل تجاوزت ذلك، إلى معظم دول أوربا. في إيطاليا، وفي سنة 2005، تحدث مقال صحافي في اليومية الإيطالية الأكثر مبيعا «لاريبوبليكا»، عن موضوع «الدعارة المغاربية»، وقدم معطيات مثيرة تؤكد أن الظاهرة أصبحت تتزايد بشكل مستمر وقوي. المعطيات حول هذا الموضوع تشير إلى أن بروفيل العاهرة المغاربية بأوربا عموما، وإيطاليا على وجه الخصوص، هو: شابة ذات تعليم متوسط أو عالٍ، غير متشددة دينيا، تم جلبها إلى سوق الدعارة في الغالب، بعد إيهامها بإمكانية الحصول على عمل ومصدر للثروة في أوربا، قبل أن تجد نفسها بدون عمل، دون مال لمواجهة تكاليف العيش، دون رخصة إقامة داخل الدولة الأوربية، ليتم إدخالها مباشرة بعد ذلك إلى سوق الدعارة، وممارسة الجنس بمقابل، وفي الغالب، في إطار تنظيمات إجرامية. أكثر من ذلك، تشير بعض المعلومات الإيطالية حول موضوع الدعارة إلى أن هناك سوقا حقيقية وتجارة قائمة الذات، تمتد من المغرب إلى مصر، وأنه خلال العشر سنوات الأخيرة بالضبط، أصبح المغرب يعتبر واحدا من المحطات الأساسية في إفريقيا بالنسبة للمتاجرة بالنساء، بسبب تواجد المافيات الروسية والإيطالية التي تعمل على «جلب» القاصرين نحو أوربا، سواء تعلق الأمر بفتيات أو بفتيان ذكور أيضا. في هذا السياق، تشير بعض المعطيات هنا إلى أن عدد العاهرات المغربيات بالسوق الإيطالية كان يقدر سنة 2005 بأكثر من 1200 عاملة جنسية. في فرنسا، وفي تقرير للجمعية الوطنية الفرنسية، كانت الجنسيات الأجنبية الأكثر حضورا في مجال الدعارة إلى حدود منتصف التسعينيات، هي: المغرب والجزائر، قبل أن تتغير الأمور بعد ذلك، عقب دخول دول من شرق أوربا إلى الاتحاد الأوربي وتمتع مواطنيها باتفاقية «شنغن» التي تسهل ولوجهم لفرنسا. نفس التقرير، واعتمادا على أرقام للشرطة الفرنسية سنة 2010، حدد نسبة الذكور المغاربيين الممارسين للدعارة في فرنسا ب 12.5 بالمائة من مجموع ممارسي الدعارة الأجانب. وفي إسبانيا، تتحدث بعض الأرقام عن وجود 30 ألف عاهرة مغربية بالسوق الإسباني. ... الأرقام تبقى في النهاية مجرد تقديرات، نظرا لطبيعة السوق، وقوانينه الصارمة المؤسسة على الصمت والسرية. لكن المثير هنا، هو أن أرقام الدعارة لم تتوقف فقط عند حدود الدول الأوربية، بل تجاوزتها إلى مناطق أكثر إلغازا... بعض المعطيات تتحدث عن وجود، على الأقل، 600 عاهرة مغربية في إسرائيل