في السنة المنصرمة هزت فضائح عديدة، شهدها المركز الاستشفائي الإدريسي بالقنيطرة، القطاع الصحي بجهة الغرب، كان من بينها اعتقال طبيب جراح متلبسا بتلقي رشوة لتتم متابعته قضائيا بثلاثة أشهر حبسا نافذا، في حين ارتأى المجلس التأديبي للمركز الاستشفائي أن يصدر قرارا بتوقيفه عن العمل لمدة 15 يوما فقط. بعد ذلك توالت الفضائح بمتابعة طبيب بمركز تصفية الدم بالتسبب في موت مريضته والارتشاء، حيث قضت المحكمة في حقه بستة أشهر موقوفة التنفيذ وعدم مزاولته لمهنة الطب لمدة سنتين. توالي هذه الوقائع سيجعل الوزارة الوصية تتحرك، إذ ستحل لجنة من وزارة الصحة والتي ضبطت أربعة أطباء يشتغلون بمصحات خاصة في أوقات مزاولة عملهم الرسمي من بينهم طبيبة بقسم الولادة وطبيب للعظام وطبيبان في قسم الإنعاش، حيث تم عرضهم على المجلس التأديبي الذي اكتفى بتوجيه انذار لهم بخصوص الإخلال بواجبهم المهني. إذا كان البعض من الأطباء قد اختار ارتكاب تجاوزات في مهمته فإن آخرين حاولوا التمرد على واقع الفساد المستشري، خاصة بعد إقدام طبيبة على توجيه رسائل إلى الوزارة ووالية جهة الغرب تفضح فيها الاختلالات، إلا أنه عوض فتح تحقيق ووضع حد لها تم عرضها على المجلس التأديبي، وتم توقيفها لمدة أربعة شهور دون أداء واجبها الشهري حتى تكون عبرة لكل من يتطاول عن فضح الفساد بقطاع الصحة على مستوى جهة الغرب والإقليم. هذه الوقائع وغيرها دفعت «الأخبار» إلى زيارة المركب الاستشفائي الادريسي المعروف ب»سبيطار الغابة»، وقد نال هذه التسمية بين ساكنة منطقة الغرب نظرا لوجوده بالقرب من غابة المعمورة. قسم المستعجلات لا داعي للاستعجال على مقربة من الباب الرئيسي، تصادفك مناظر لا صلة لها بالصحة بتاتا؛ فثمة مجاري مياه للصرف الصحي تغمر جنبات الطريق وروائح كريهة تنبعث من المكان، حيث يلجأ الكثيرون طلبا للتخلص من الأمراض. في الباب الرئيسي للمستشفى تجمع مرضى مع ذويهم بعدما قدموا من مناطق مختلفة بجهة الغرب، وأمام قسم الولادة افترش مجموعة من الزوار بلاطه واستند آخرون على جدرانه انتظارا لوضع قريباتهم لمواليدهن. من أجل الوصول إلى قسم المستعجلات، على الزائر أن يقطع مسافة ليست بالهينة. الأمر شبيه بعبور الحدود بين بلدين؛ عيون المراقبة داخل المستشفى تتربص بالجميع هنا، فالأوامر الصادرة إلى المكلفين بالأمن الخاص صارمة ما يجعلهم (كما لو كانوا يحرسون ثكنة تحيط بها مجموعة من الأسرار والألغاز) متشددين في القيام بدورهم وسؤال كل من يمر أمامهم عن الوجهة التي يبتغيها والغرض الذي جاء من أجله. بباب قسم المستعجلات لابد للزائر من الإجابة عن استفسارات عناصر الأمن الخاص المراقبة لتحركات الزوار والمرضى. هذه الصرامة من قبل حراس الأمن لم تجد «الأخبار» حين زيارتها للمركز الاستشفائي ما يقابلها من اهتمام بالمواطنين المرضى وإعطاء عناية خاصة بصحتهم. فأمام باب مكتب الطبيب الوحيد للمستعجلات طابور المواطنين، إذ تحول المكان أمامه إلى قاعة انتظار كبرى ولا أحد يهتم بالمرضى والمصابين الذين يوجدون في حالة خطيرة ومنهم من نقل على متن سيارة الإسعاف مصابين بجروح تعرضوا لها ممددين على الكراسي المتحركة؟ هذا الوضع، كما عاينت الجريدة، خلق اصطداما بين عائلات المصابين الراغبين في الإسعافات الاستعجالية لذويهم في حين حرص آخرون على ترتيب حسب أولوية الزيارة لتنتقل هذه الفوضى إلى داخل مكتب الطبيب الوحيد الذي لم يكترث بهذا الأمر وأحيانا كان يغادر المكتب ويترك هذه الفوضى العارمة وراءه والمرضى يئنون ويصرخون من شدة الألم. يقول أحد المصابين بقسم المستعجلات، عندما استفسرته «الأخبار» عن الإسعافات المقدمة له، وعلامات عدم الرضى بادية عليه: «منذ ما يقارب ثلاث ساعات وأنا أنتظر دوري لرؤية الطبيب من أجل العلاج حول مغص في بطني، إلا أنه عوض فحصي بشكل دقيق وتقديم العلاج إلي ومداواة آلامي، اقتصر الطبيب فقط على الاستماع إلي وحرر لي ورقة من أجل شراء الدواء»، وأضاف المريض وحالة الغضب بادية عليه «ما الجدوى من المستشفى الذي لا يستطيع حتى تقديم الدواء للمواطنين رغم أنني ضمن المستفيدين من برنامج المساعدة الطبية «راميد» الذي يوفر العلاج للمحتاجين؟»، وزاد المتحدث نفسه:» أن هذا المستشفى لا يصلح لبني البشر وأن مكتب الطبيب لا يوحي بأن المريض يوجد في أياد تلبي حاجياته الصحية». وكشف مريض آخر مصاب بجروح، في حديثه ل«الأخبار»، أنه تمت إحالته على مكتب العلاج المتواجد بالقرب من مكتب الطبيب وتم حقنه ورتق جروحه بطريقة بدائية أمام أنظار باقي المرضى بعد الاستعانة بمساعدات من الهلال الأحمر وبعض عاملات النظافة في منظر يحط من كرامة المريض ويفتقد لشروط النظافة والصحة والسلامة. في جناح مقابل لقسم المستعجلات كان حارس أمن يضع الكمامات الواقية على أنفه في حين تضع النساء أيديهن وأغطية الرأس على أنوفهن من شدة الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف، حيث يصبن بحالات الغثيان والتقيؤ التي يبقى مصدرها حسب ما استقته «الأخبار» من طرف بعض المرضى وعائلاتهم أنه منبعث من غياب نظافة المرحاض وبعض المرضى المصابين بالتعفن. المخاض العسير للنساء في قسم الولادة لم يخرج قسم الولادة التابع للمركز الاستشفائي الادريسي عن الوضع المزري العام الذي يعيشه قطاع الصحة بالقنيطرة، حيث تحول مركز الولادة إلى مصلحة المعاناة والتعذيب، التي تعيشها النساء الحوامل والعائلات المرافقة لهن من جراء سوء المعاملة التي يتعرضون لها وعدم الاكتراث بالوضعية الصحية للنساء في حالة الوضع، مما خلف وفيات في صفوف النساء ومواليدهن. وكشفت ل»الأخبار» إحدى العائلات القاطنة بمدينة سيدي سليمان والتي رزئت في ابنتها البالغة من العمر 29 سنة بعدما تعرضت لنزيف حاد بسبب الوضع نقلت على إثره من مدينة سيدي سليمان إلى مستشفى الولادة الادريسي بالقنيطرة. وأضاف أحد أفراد عائلة الضحية «أن إهمال الأطر الطبية والعاملين بقسم الولادة وعدم الاهتمام بوضعها الصحي والتدخل في الوقت المناسب أدى بها إلى مفارقتها الحياة وهي في ريعان شبابها مخلفة من ورائها جنينها». تزايد وفيات الأطفال والنساء جعل العديد من المواطنين ضحايا هذا الإهمال يلجؤون إلى توثيق معاناتهم عبر فيديوهات وأشرطة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي يفضحون فيها قلة التجهيزات والتقصير من قبل بعض الأطقم الطبية والقابلات، ناهيك عن أن العمليات القيصرية يضيف عدد ممن التقتهم «الأخبار» أمام قسم الولادة، تكلف الأسر مبالغ مالية تكون حسب نوعها والتدخل المشرف على العملية، في حين يتحدث عدد من ذوي المرضى والنساء اللواتي أتين من أجل الولادة عن سماسرة أمام المستشفى لهم تدخلات وعلاقات متشابكة، إذ يتسلمون مقابلا للتوسط من أجل إجراء عمليات والاهتمام المناسب وتوفير أماكن خاصة بعد الوضع مع تزويدهن بالحقن وإيلاء العناية بهن، مما يخلق التمييز بين النساء والعائلات، حيث غالبا ما يثير الغضب والاحتجاجات واصطدامهم مع الأطقم الطبية، فيما يبدي آخرون انشغالا كبيرا بانتشار الأوساخ والنفايات ومخلفات العمليات الجراحية والولادة وتربص القطط بداخل قسم الولادة بالرضع مما يجعل النساء لا تغمض لهن أجفانهن خوفا من نهش القطط لمواليدهن. مرضى القصور الكلوي ولائحة الموت كشف أحمد باحنايك، رئيس جمعية مساندة مرضى القصور الكلوي بالقنيطرة، في حديثه ل»الأخبار» أن جمعيته بذلت مجهودات كبيرة بعدما كانت تقدم العلاج ل125 مستفيدا سنة 2012، إلا أنه تم إسناد هذه العملية مؤخرا إلى جمعية لا علاقة لها بهذا الغرض وغير مختصة بهذا المجال، حيث أصبحت تتكفل فقط ب 80 مستفيدا بعد وفاة 45 منهم ولم يتم تعويضهم. وأضاف باحنايك أن العديد من المرضى موجودون حاليا في لائحة الانتظار التي أصبحت تسمى لائحة الموت والتي تحتوي على أكثر من 120 مريضا الذين ينتظرون دورهم في العلاج ويطالبون بإنقاذ أرواحهم من الموت المحقق الذي باغت العديد منهم، دون أن يأتي دورهم أو يقدم مركز تصفية الدم بمستشفى الادريسي الخدمات الطبية لهم بالرغم من توفرهم على بطاقات «راميد»، حيث يظلون ينتظرون الاستفادة من تصفية الدم إلى حين وفاة أحد المرضى من قائمة تضم حوالي 80 مريضا مسجلا بمركز تصفية الدم، بالإضافة إلى عدم استفادتهم من التحاليل الطبية ومن الأدوية كحقنة «روكرنو» المكلفة. واستنكر رئيس الجمعية تقاعس المسؤولين بإدارة المستشفى عن تخصيص مبالغ مالية لاستشفاء والتكفل بمرضى القصور الكلوي، كما اعتبر باحنايك أن الغموض لا زال يلف وضعية 65 حالة لمرضى القصور الكلوي والذين يعالجون لدى المصحات الخارجية في إطار شراء الخدمات من طرف وزارة الصحة، والتي تكلف الدولة مبالغ هامة تصل إلى 850 درهما للحصة بمعدل 10 حصص في الشهر، علما يقول باحنايك، أن عددا من المرضى لا يستطيعون متابعة جميع الحصص المخصصة لهم لبعدهم عن مدينة القنيطرة، في ظل غياب لجنة لتتبع الحصص غير المستعملة والتي تقدر تعويضاتها بالملايين ويجهل مصيرها.
الشغيلة الصحية تكشف المستور نددت الشغيلة الصحية في بلاغ حصلت عليه «الأخبار» بتزايد الاعتداءات اللفظية والجسدية في ظل ظروف العمل الشاقة نتيجة النقص الحاد والمهول للموارد البشرية وتحمل السياسات الفاشلة للقطاع، والذي أرجعته إلى غياب استراتيجية واضحة تتماشى والطلب المتزايد للاستفادة من الخدمات الصحية العمومية والذي زاد من حدته تبني الدولة لنظام المساعدة الطبية «راميد» في غياب للبنيات التحتية الملائمة والتجهيزات الأساسية والموارد البشرية الكافية بعد تقليص المناصب المالية المخصصة للقطاع، الأمر الذي فتح الباب أمام الاعتماد على أشخاص دخلاء على القطاع وغير مؤهلين لتقديم العلاجات للمواطنين مما أثر بشكل كبير على جودة الخدمات. واستنكرت النقابة الوطنية للصحة التابعة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل الظروف التي يشتغل فيها الأطباء الذين أصبحوا يدخلون في مواجهات مع المواطنين بسبب قلة التجهيزات والتي تبقى الوزارة الوصية على القطاع مسؤولية عنها. وأضاف مسؤول نقابي أن مشكل التطبيب لا يتحمله الأطباء بقدر ما هو راجع إلى سياسة الحكومة الفاشلة في إصلاح المستشفيات وتمكينها من التجهيزات الضرورية لعلاج المرضى وتوفير الموارد البشرية الكافية نظرا للخصاص المهول في الأطباء مما يعرض العديد من المواطنين إلى الخطر.