في الحروب عادة ما يكون الأطفال والنساء أكثر الفئات تعرضا للقتل والتعذيب، أطفال فلسطين لم يكونوا استثناء، فإن أخطأتهم آلة القتل الإسرائيلية، يكون الإرهاب النفسي والتعذيب الجسدي لهم بالمرصاد. شريط وثائقي أسترالي عاين مظاهر سياسة التعذيب الممنهج التي تعتمدها قوات الاحتلال الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين، حتى أولئك الذين لم يتجاوزوا ربيعهم الخامس. ليلة هادئة بقرية فلسطينية صغيرة، طفل في الرابعة عشر من عمره وعائلته نيام، فجأة سكون الليل تكسره طرقات فجة على الباب. الجيش الإسرائيلي يقوم بدورية، والهدف طفل فلسطيني داخل البيت. من فراشه انتزعه الجنود انتزاعا بحسب شهادة الأم. بهذا المشهد استهل الشريط الوثائقي الاسترالي حديثه عن تعذيب الأطفال غير اليهود في فلسطين، حيث قدم عدد من الشبان والأطفال في شهادات صادمة، تمثلت في كون معظم حالات الاعتقال بحقهم تتم في ساعات متأخرة من الليل، بحيث يقتحم عشرات الجنود بيتهم بعنف، ويرهبون الأهالي والأطفال، قبل أن يعمدوا إلى تقييد أيديهم وأرجلهم وتغطية أعينهم ونقلهم بقوة إلى المركبات العسكرية الرابضة بالخارج. عملية الاعتقال وما يصاحبها من تعذيب ليست إلا جزءا من سياسة الترهيب الإسرائيلية بحسب الشريط، بعد نقل الأطفال إلى مراكز الاستنطاق يتم تعريضهم لشتى أنواع التعذيب، حيث أكد كثير من الأطفال أن المستجوبين يستعملون أساليب ترهيبية من قبيل الضرب والعزل والتهديد بالاستغلال الجنسي واغتصاب أمهاتهم وأخواتهم، ثم يقومون بإجبارهم على التوقيع على اعترافات مكتوبة بالعبرية تحت التعذيب. الشريط الوثائقي يقدم حالة طفل تم صلبه لساعات طوال في مركز الشرطة عندما رفض الاعتراف بجرم لم تقترفه يداه، بحيث كان ضحية لضرب متواصل من قبل جنود الاحتلال، لدرجة انكسرت معها الخشبة التي شدت إليها يداه بالأصفاد. الطفل ليس إلا واحدا من بين أكثر من 700 آخرين تعتقلهم إسرائيل سنويا، وتسومهم أسوأ أنواع العذاب. الوثائقي الأسترالي الذي أعده الصحفي جون لاينز، وثق بالصوت والصورة عمليات الاعتقال الوحشية بحق الأطفال الفلسطينيين، حيث لا يتوانى الجنود عن استعمال الرصاص المطاطي وقنابل الغاز بحق أطفال المدارس. جنود إسرائيليون سابقون كسروا بدورهم جدار الصمت واعترفوا في الشريط بالتعذيب الممنهج بحق الأطفال، وبث الرعب في نفوسهم ونفوس ذويهم عبر اعتقالات ما بعد منتصف الليل. بمدينة الخليل وقف طاقم الفيلم الوثائقي على عملية اعتقال فريدة من نوعها، المعتقل لم يكن إلا طفلا لم يتعد عمره الخامسة، تهمته رمي حجارة على دورية للجيش. الكاميرا التقطت الطفل وقد اعترته موجة ذعر عارمة، بعد أن ضربه الجنود الإسرائيليون وجروه ليحشروه في سيارة الدورية من قبل ستة جنود، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعتين من الإرهاب النفسي. الطفل وديع روى للطاقم فيما بعد أنه صار وبمجرد أن يرى جنديا إسرائيليا يعتريه الخوف، ويأمل أن يغادر وطنه بعيدا في اتجاه الأردن. مظهر آخر للتعذيب كما يرويها في الوثائقي محام استرالي مدافع عن حقوق الإنسان، أن طفلا فلسطينيا اعتقل ومورس عليه تعذيب نفسي وجسدي، حيث كان المحققون يهددونه بأنهم سوف يضعون طعاما على وجهه ويتركونه للكلاب كي تنهشه. ما ينطلق من تعذيب داخل مخافر الشرطة ومعاقل الاستنطاق يتم استكماله في سجون الاحتلال، حيث يروي الشريط أن كثيرا من الأطفال يتم تقييدهم وتركهم خارج غرف الاعتقال عرضة للصقيع في أيام الشتاء الباردة. الوثائقي الأسترالي عرج على تقرير منظمة اليونسيف، الذي أكد الانتشار الواسع لتعذيب الأطفال الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث لا توجد محاكمات للأطفال أمام المحاكم العسكرية إلا في إسرائيل، وهو ما يعتبر انتهاكا صارخا للقوانين الدولية المتعلقة بحماية حقوق الأطفال. الشريط قدم شهادات لفاعلين إسرائيليين اعترفوا بأن دولتهم بعد أن فشلت في تقليم أجنحة المقاومة الفلسطينية وثنيها عن محاربة الاحتلال، عمدت إلى الحل السهل وهو اعتقال الأطفال وترهيبهم بما أنهم الحلقة الأضعف. ليختتم الصحفي تحقيقه بخلاصة هامة، وهي أن إسرائيل بصنيعها في الأطفال الفلسطينيين، تخلق لنفسها عدوا أكثر عنفا في الجيل المقبل، فما إن يصيروا رجالا حتى يبحثوا عن رد اعتبارهم من العدو الذي أهدر كرامتهم يوما، وروع أمنهم ذات طفولة مغتصبة..